بعد مضي تسعة أشهر على خروجه من الوزارة الأولى، إدريس جطو يخرج عن صمته ويقول كلمته في الحرب المفتوحة بين ميلود الشعبي وأنس الصفريوي. هذه الحرب التي بدأت باتهامات مجموعة الشعبي ل«الضحى» بالحصول على امتيازات تفضيلية من الدولة بلغت 2000 مليار سنتيم ووصلت الآن إلى البرلمان، حيث وافق أكثر من 80 برلمانيا إلى حد الآن على تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول اتهامات الشعبي لغريمه. كان إدريس جطو، الوزير الأول السابق، حريصا طيلة اللقاء الذي جمعه بالصحافة أول أمس بالرباط على عدم إصابته بشظايا القصف المتبادل بين عملاقي العقار في المغرب، لهذا برر لقاءه مع الإعلام بكونه يرغب في شرح سياسة حكومته إزاء الوعاء العقاري الذي وضع رهن إشارة القطاع العام والخاص، والذي تجاوز 7000 هكتار. وكان الغرض من تحريك هذا الوعاء الذي كان مجمدا هو دفع قاطرة الاستثمار في السياحة والصناعة والسكن، وخاصة السكن الاجتماعي، لتجاوز الخصاص الذي كان يفوق 1.2 مليون وحدة سكنية، يقول إدريس جطو. على مدار ثلاث ساعات، حاول جطو أن يدافع عن سياسة حكومته وقال: «لا أريد أن أعطي الانطباع بأنني التزمت الصمت وتركت الوزراء الذين اشتغلوا معي أمام حدة الاتهامات الموجهة إليهم بكونهم منحوا تحت الطاولة امتيازات غير مشروعة لهذا الطرف أو ذاك. كل التفويتات التي مرت من اللجنة الوطنية للاستثمار كانت قانونية». ودون الدخول في تفاصيل المشاريع التي تواجه اتهامات بخرقها للقانون، قال جطو: «ما يهمني هو النتيجة العامة. لقد أدى تحريك الوعاء العقاري طيلة خمس سنوات إلى زيادة الاستثمارات في العقار والسياحة والصناعة، بل إن قطاع العقار لوحده زاد من نسبة النمو العامة في البلاد بنقطتين. هذا ما يهمني والباقي تفاصيل لا أريد أن أدخل فيها». وعن سؤال ل«المساء» حول موقف الوزير الأول السابق من الدعوة إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق قال جطو: «أنا لست ضدها ولست معها... أنا الآن متقاعد سياسيا ومحايد، والشعبي والصفريوي صديقان، وهذا لا يعني أنني أتفق معهما على طول الخط. الذي يهمني هو شرح سياسة الحكومة التي كنت أشرف على عملها، وأنا أتحمل مسؤولية كل قراراتها». وحول موضوع تفويت أراض إلى الضحى في الرباط ومراكش وأكادير دون طلب عروض قال جطو: «الحكومة ليست ملزمة بتمرير كل مشاريع تفويت العقار عبر مسطرة طلب العروض، لأن هذه المسطرة إذا تمسكنا بها فربما نضيع مشاريع عدة». وعن الأثمنة الرمزية التي فوتت بها الأرض قال جطو: «ثمن الأرض لا يهم، المهم بالنسبة إلى الدولة هو ما يبنى فوق الأرض. الغرض من إنزال أسعار التفويت كان هو التحكم في ارتفاع أثمان الشقق وتشجيع المنعشين العقاريين على الاستثمار أكثر في البناء لسد النقص الذي يعاني منه المغرب والذي كان يتجاوز مليونا و200 ألف سكن، وأصبح مليون سكن»، وأضاف جطو: «إجمالا، ودون الدخول في تفاصيل الحالات الاستثنائية، هل سياسة الدولة في تحريك العقار أعطت نتيجة أم لا؟ الجواب نعم، أعطت نتيجة إيجابية أكثر مما كنا نتصور، هناك مدن جديدة (تامسنة، تامنصورت)، وهناك 20 مدينة بدون صفيح، وهناك عشرات الآلاف من مناصب الشغل أحدثت... وهناك مصانع كبيرة وفنادق عديدة بنيت ولولا التسهيلات الممنوحة للمستثمرين من قبل الحكومة لما وصلنا لما نحن فيه الآن». واعترف جطو بأن مشروع حديقة الحيوان بالرباط، والتي فوتت للضحى ب800 درهم للمتر المربع، لم تفوت بناء على طلب عروض وقال: «تلقينا عرضا من الصفريوي حول شراء الأرض بثمن يسمح لنا ببناء حديقة حيوان عصرية وجديدة، ونظرا لرمزية هذا المشروع فوت للضحى التي دفعت مقابله 43 مليار سنتيم». وعن الترخيص لهذه المجموعة ببناء أبراج من 17 طابقا خارج قانون التعمير المعمول به في الرباط قال جطو: «لا أتذكر كل تفاصيل هذا المشروع، لكن أظن أن الضحى عوضت عن المساحات التي ستخصص للحدائق والطرق، والتي لن تبني فوقها شققا ومكاتب، بتراخيص استثنائية للبناء العالي». وعن الثمن الرمزي الذي فوتت به هذه الأرض، علق جطو على تقديرات الشعبي بكون الأرض في حي الرياض تصل إلى 20 ألف درهم بالقول: «هذه أرقام مبالغ فيها، الأسعار ارتفعت هناك بعد الإعلان عن المشروع وليس قبله. المغرب فيه مئات الآلاف من الهكتارات، ونحن لم نمنع أحدا من الاستفادة منها». وفي تعليقه على ندوة جطو، قال الشعبي في اتصال ل«المساء» به: «أنا أحترم جطو وأتأسف على دخوله إلى هذا الموضوع الآن وفي هذا التوقيت، المشكل معروض الآن على البرلمان وكل يوم تزداد لائحة التوقيعات على طلب تشكيل لجنة لتقصي الحقائق وأنا أتوفر على ملفات ووثائق ومعلومات دقيقة على ما أقول، وأنا أتحدى أيا كان أن يظهر وثيقة واحدة لمشروع سكني أخذته دون طلب عروض». وحول وجود اتفاقية مع المنعشين العقاريين تقضي بتفويت الأرض دون طلب عروض قال الشعبي: «هذه الاتفاقية تهم السكن الاجتماعي وليس السكن الراقي. أنا لم أتحدث مطلقا عن السكن الاجتماعي، لا يجب الخلط بين الأرض التي تمنح للسياحة أو الصناعة أو السكن الاجتماعي، والأرض التي تمنح للسكن الراقي الذي يدر أموالا طائلة وتحرم الدولة من حقوقها فيه. هذا هو الموضوع».