أجرى رئيس الحكومة الإسبانية خوصي لويس رودريغيث زباثيرو في الأسبوع الماضي تعديلات جوهرية على حكومته، التي يقودها منذ انتخابات عام 2004 التي حملت حزبه الاشتراكي العمالي إلى السلطة خلفا للحزب الشعبي اليميني، وهي الثانية من نوعها منذ إعادة انتخابه رئيسا للحكومة في انتخابات مارس 2008، بعد التعديل البسيط في أبريل من العام الماضي عندما غادر الحكومة وزير الاقتصاد والمالية بيدرو سوليبس بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية. وهم التعديل الجديد اثنين من الشخصيات البارزة في حكومة الاشتراكيين، الأول هو ميغيل أنخيل موراتينوس وزير الشؤون الخارجية الذي تقلد هذا المنصب منذ عام2004، والثاني هو نائبة رئيس الحكومة ماريا تيريسا فرنانديث دي لا فيغا، التي رافقت حكومة زباثيرو من بدايتها. وبرر زباثيرو هذه التغييرات الجوهرية في حكومته بقوله: «حان الوقت للقيام بتعديل حكومي كبير»، مضيفا أن الفريق الجديد سيبذل جهوده من أجل إنجاز الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية للانتعاش الاقتصادي. وحلت وزيرة الصحة في نفس الحكومة ترينيداد خيمينيث محل موريتاينوس، الذي يعد أحد الديبلوماسيين المخضرمين، وكان من المختصين في قضايا الشرق الأوسط ومن السياسيين الإسبان المتفهمين لمواقف المغرب بخصوص العديد من الملفات، ومن بينها ملف الصحراء، كما يعد أحد الداعين إلى التقارب مع كوبا كاسترو داخل الاتحاد الأوروبي. أما دي لا فيغا فقد تركت مكانها لوزير الداخلية بنفس الحكومة ألفريدو بيريث بوربلكابا، الذي كان المسؤول الإسباني الوحيد الذي زار المغرب في ستنبر الماضي إثر الأزمة التي اندلعت بسبب أحداث معبر مليلية المحتلة. وقد حافظ روبالكابا على منصب وزير الداخلية أيضا، باعتباره مهندس النجاح الانتخابي للحزب الاشتراكي عام 2004 وصاحب سياسة مكافحة منظمة إيتا الباسكية الانفصالية. وقد أرجع عدد من المراقبين أسباب التعديل الأخير إلى عدة عوامل، أبرزها رغبة الحكومة الاشتراكية في ضخ دماء جديدة في الطاقم المسير للبلاد في ظل الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالاقتصاد الإسباني، وما نتج عن ذلك من توترات اجتماعية ظهرت في الإضرابات التي دعت إليها أبرز النقابات، هما الكونفدرالية النقابية للجان العمالية والاتحاد العام للعمال، بسبب الإصلاحات التي أدخلتها الحكومة على القطاع الاجتماعي ومست التعويضات الاجتماعية للعمال بسبب الأزمة العالمية. ويرى بعض المراقبين أن زباثيرو أراد بتلك التعديلات «ربح الوقت» حتى انتخابات عام 2012 لكي يحافظ على موقع حزبه في مواجهة اليمين الشعبي، لكن البعض يضيف بأن رئيس الحكومة يريد الاستمرار بطاقم جديد خال من الوجوه البارزة التي ربما غطت عليه بظلها مثل موراتينوس ودي لافيغا. وقد أعلنت وزيرة الخارجية الجديدة ترينيداد خيمينيث بعد تعيينها مكان موراتينوس أنها ستواصل السير على النهج الذي سار عليه سلفها فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للبلاد، والمبنية على «الاحترام والحوار» حسب تصريحاتها. وفي الوقت الذي يقول البعض إن الهدف من تغيير رئيس الديبلوماسية الإسبانية هو إدخال تغييرات على توجهات السياسة الخارجية، يقول بعض المراقبين الإسبان إن طموح زباثيرو يتحدد فقط في إعادة توزيع اهتمامات ديبلوماسيته إلى مناطق أخرى في العالم تسعى مدريد إلى تأكيد الحضور الاقتصادي فيها، مثل دول آسيا وبعض بلدان أمريكا اللاتينية. ورغم أن إزاحة موراتينوس تعد في واحدة من أوجهها خسارة للمغرب، لكونه كان أحد المتفهمين للمواقف المغربية وظل يرتبط بعلاقات جيدة مع المسؤولين المغاربة، فإن البعض يرى بأن الوزيرة الجديدة، التي عملت إلى جانب موراتينوس في الخارجية قبل أن تتقلد منصب وزيرة للصحة في حكومة زباثيرو، خبرت جيدا العلاقات مع المغرب من خلال مختلف المحطات التي مرت بها هذه العلاقات. كما أن أمر تدبير السياسة الخارجية يرتبط بالأهداف والتوجهات الكبرى أكثر من ارتباطه بمزاج الشخص المسير لدفة الديبلوماسية الرسمية، لذلك يمكن القول إن مستقبل القرار السياسي تجاه المغرب لن يخضع لتغييرات ملحوظة، غير أن من شأن هذا التغيير الذي حصل على رأس الديبلوماسية الإسبانية أن يدفع المغرب إلى شحذ آلته الديبلوماسية أكثر وتقوية حضوره في الساحة الإسبانية لتجاوز المعيقات التي طبعتها في السابق.