فجر موقع «ويكيليكس» الشهير القنبلة الإعلامية التي كان وعد بها قبل أسابيع والتي تضمنت العديد من الوثائق السرية عن حرب العراق، بما في ذلك معلومات يتم الإفصاح عنها لأول مرة تحدثت عن تورط رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي في إدارة فرق للقتل الطائفي والتعذيب على مرأى ومسمع من قيادات الجيش الأمريكي. الوثائق المسربة تبرز أيضا حقيقة الدور الإيراني ونشاط تنظيم القاعدة في العراق وممارسات قوات الصحوة، كما كانت المفاجأة الأكبر كشف هذه الوثائق عن تستر الإدارة الأمريكية على عشرات آلاف من الضحايا المدنيين الذين سقطوا بنيران الجيش الأمريكي. كما تظهر حقائق جديدة عن تورط القوات العراقية في تعذيب السجناء وحتى اغتصابهم وقتلهم أحيانا. وتبرز الوثائق صورة لنوري المالكي على أنه شخص طائفي منحازا بالقوة إلى أصوله الشيعية على حساب مواطني العراق من السنة، كما كشفت أنه كان يقود شخصيا فرقا عسكرية تنفذ أوامره بالاغتيالات والاعتقالات. يذكر أنه وعلى ضوء اتفاق مسبق، جمع كلا من قناة «الجزيرة» الفضائية وصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية و»الغارديان» والقناة الرابعة البريطانيتين والمجلة الألمانية «دير شبيغل»، تم الكشف عن هذه الوثائق المتعلقة بالحرب على العراق باعتبارها أمرا «حيويا للمصلحة العامة، رغم طابعها السري». الأصابع الإيرانية في حرب العراق وعن الدور الإيراني، كشفت الوثائق ممارسات إيرانية في تهريب السلاح التقليدي لإمداد الأحزاب والمنظمات الشيعية الموالية لها، وخصوصا جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر، ومنظمة بدر التي كانت الجناح العسكري للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي بقيادة عائلة الحكيم، قبل أن تتحول تلك المنظمة إلى تنظيم سياسي وفق ما هو معلن. وتذكر التقارير السرية أسماء عملاء بعينهم تقول إنهم ضباط مخابرات إيرانيون كانوا يعملون بشكل يومي في العراق، وإن بعضهم متورط في شن هجمات بالصواريخ على المنطقة الخضراء، علاوة على إقامة نقاط تفتيش مشتركة في المناطق الشيعية تشرف عليها عناصر أمن إيرانية بوجود عناصر من جيش المهدي ومنظمة بدر. ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية مقتطفات من الوثائق تشير إلى دور الحرس الثوري الإيراني في عمليات الاغتيال والتفجيرات في العراق. وتشير الوثائق إلى اعترافات معتقلين تلقوا تدريبا في إيران، وإلى أسلحة عثرت عليها القوات الأمريكية مصدرها إيران. وتذكر الصحيفة أن دور فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في دعم وتسليح الميليشيات العراقية كان هدفه إشعار الأمريكيين بأنهم لا يسيطرون على الوضع في العراق. وأفادت صحيفة «الغارديان» البريطانية بأن تقارير المخابرات العسكرية التي نشرها موقع «ويكيليكس» تذكر بشكل مفصل المخاوف الأمريكية من قيام عملاء إيرانيين بتدريب وتسليح وتوجيه فرق إعدام في العراق. وأشارت إلى تقرير صدر بتاريخ 31 أكتوبر 2005، أوضح أن فرق الحرس الثوري الإيراني «توجه عمليات اغتيال برعاية إيرانية في البصرة». صمت أمريكي قاتل أما على الجانب الأمريكي، فقد أكدت الوثائق المسربة أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) كانت طيلة الوقت تخفي الأرقام الفعلية لعدد الضحايا المدنيين العراقيين، ومن بينهم النساء الحوامل والعجائز والأطفال وحتى المرضى النفسيون الذين كانوا يقتلون طيلة سنوات الحرب على نقاط التفتيش العسكرية وبنيران الطائرات الأمريكية المقاتلة. جدير بالذكر أن هذه الملفات السرية كانت توثق بالصور للقتلى والجرحى العراقيين، رغم إنكارها علنيا لكل ذلك. وفي تحليل قامت به قناة «الجزيرة» للوثائق، تبين أن عدد الضحايا غير المعلن عنهم تجاوز 285 ألف ضحية عموما، أي ضعف العدد المعلن عنه من الجانب الأمريكي. كما أن معدلات القتلى كانت في ارتفاع مطرد، وأن شهر دجنبر 2006 كان الأكثر دموية، حيث قتل خمسة آلاف و183 في ذلك الشهر وحده، وصنف أربعة آلاف منهم في خانة مدنيين. وتعني هذه الأرقام بوضوح أن نسبة القتلى هي أربعة أضعاف ما سجلته الحرب في أفغانستان، وأن بقية الخسائر تصل إلى ستة أضعاف في سياق نفس المقارنة. وما تكشفه الوثائق لأول مرة أن قرابة 63 في المائة من القتلى العراقيين هم مدنيون، أي ما نسبته ثلثا مجموع القتلى. تجاوزات وحشية أما في ما يخص الاعتقال والتعذيب، فقد كشفت الوثائق أن 180 ألف شخص سجنوا لأسباب تتعلق بالحرب على العراق، أغلبهم من المناطق السنية. وتغطي هذه الوثائق الفترة الممتدة بين الأول من يناير 2004 ودجنبر 2009. كما تكشف الوثائق تورط القوات العراقية في عمليات التعذيب الممنهج للسجناء باستخدام وسائل تعذيب عديدة، بينها الكهرباء والانتهاك الجنسي، كما ثبت أن عددا من أفراد الشرطة العراقية جرى قتلهم على أيدي تلك القوات، وأن اشتباكات كانت تجري بين أبناء الزي العسكري العراقي نفسه. ونشرت «ويكيليكس» وثائق جديدة عن ضحايا الشركة الأمنية الأمريكية الخاصة «بلاكووتر» من المدنيين. وحسب الوثائق، تلقت القوات الأمريكية شريطا مصورا لعملية قتل أحد المعتقلين من قبل ضباط عراقيين في أحد السجون في بلدة تلعفر في شمالي العراق، وأنها تسلمت أحد الضباط المتورطين في عملية القتل وأن قوات التحالف كانت تتبع سياسة تجاهل هذه الحوادث أو تسليم المتهمين بهذه الانتهاكات غلى الحكومة العراقية. وتؤكد إحدى الوثائق أن الجيش الأمريكي كان على علم بهذه التجاوزات، إلا أن الوثائق التي رصدت هذه التجاوزات أرسلت إلى قادة القوات الأمريكية بعد أن كتب عليها تعليق يطلب «عدم اتخاذ أي خطوات على ضوئها». وتشير الوثائق إلى شك الأمريكيين في أن ضباطا عراقيين قاموا بقطع أصابع معتقل عراقي وحرقه باستخدام الحامض (الأسيد). «ويكيليكس»: هدف النشر كشف الحقيقة ومن جانبه، دافع جوليان أسانج، مؤسس موقع «ويكيليكس» المتخصص في نشر الوثائق السرية المسربة، في لندن أول أمس السبت، عن قرار نشر وثائق حرب العراق السرية قائلا إن الهدف من وراء نشر ذلك الكم الهائل من الوثائق السرية عن حرب العراق، كان كشف الحقيقة وإحداث أكبر تأثير سياسي ممكن. وأفاد جوليان أسانج خلال مؤتمر صحفي بأن «خسائر الحرب هذه حقيقة.. نأمل أن نتمكن من تصحيح بعض ذلك الهجوم على الحقيقة التي تبدت قبل الحرب وخلال الحرب، والتي استمرت منذ إعلان انتهاء الحرب رسميا». وأضاف أسانج أن قرابة 400 ألف سجل عسكري أمريكي وثق 109 آلاف عملية قتل عنيفة وقعت في العراق خلال الفترة الممتدة بين 2004 و2009، وشملت 66 ألف مدني، بينهم 15 ألف حالة لم توثق قبل ذلك. وأضاف. «لا ينبغي أن تنسينا هذه (الأعداد المروعة) الخسائر البشرية المحدودة في هذه المستندات.. إن مقتل شخص أو شخصين في كل واقعة هو ما أدى (في النهاية) إلى سقوط هذا العدد الهائل من المواطنين العراقيين (قتلى)». وتشير الوثائق إلى أن أكثر من 109 آلاف مواطن عراقي قتلوا في الفترة ما بين 2004 و2009، بمن فيهم 66081 مدنيا، و23984 ممن يوصفون بالأعداء، و15196 من أفراد قوات الأمن العراقية، و3771 من جنود التحالف. وذكر «ويكيليكس» في بيانه: «توجد تقارير عن قتل مدنيين بشكل عشوائي عند نقاط تفتيش .. وعن معتقلين عراقيين يعذبون على يد قوات الائتلاف وعن جنود أمريكيين يفجرون مبان مدنية بالكامل بسبب وجود متمرد واحد مشتبه فيه على السطح». كما تكشفت الوثائق عن حادثة وقعت في يوليوز 2007 قتل فيها 26 شخصا، نصفهم من المدنيين، عندما أطلقت طائرة عمودية الرصاص في اتجاه الضحايا. وتؤكد الوثائق وقوع حوادث قتل لمدنيين عراقيين في نقاط تفتيش للجيش الأمريكي وخلال عمليات ميدانية. وتظهر وثيقة أخرى إطلاق الرصاص من طائرة أباتشي أمريكية على رجلين كانا قد أطلقا قذائف «مورتر» على قاعدة عسكرية في بغداد، إلا أن الوثائق تظهر أن إطلاق الرصاص على الرجلين تم رغم محاولتهما الاستسلام. وتظهر الوثيقة تسجيلا بين فريق الطائرة الأباتشي يسأل محاميا عما إذا كان من الواجب قبول استسلام الرجلين، وكان الرد هو عدم قبولها وأنه يمكن إطلاق النار في اتجاههما. وقال جوليان أسانغ، مؤسس «ويكيليكس»، إن الوثائق أظهرت أدلة على ارتكاب جرائم حرب، وهو ما نفاه البنتاغون. وقال أسانغ في مقابلة مع قناة «الجزيرة» إن الوثائق قدمت مادة تكفي لإقامة 40 دعوى قضائية لجرائم قتل غير مشروع. ردود فعل متفاوتة وفي أول رد فعل على نشر الوثائق الصادمة، أدانت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون «أي تسريب معلوماتي قد يعرض حياة أمريكيين للخطر». كما حذر الأمين العام للحلف الأطلسي أندرس فوغ راسموسن، يوم الجمعة الأخير في برلين، من تسريبات «ويكيليكس». وقال راسموسن، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: «هذه التسريبات مؤسفة للغاية، ويمكن أن تكون لها عواقب سلبية جدا لجهة سلامة الأشخاص المعنيين». ولم يكشف «ويكيليكس» عن مصدر الوثائق التي نشرها حتى اليوم، إلا أن شكوكا حامت حول الضابط برادلي مانينغ، المحلل في شؤون الاستخبارات العسكرية الأمريكية، الموضوع رهن الاعتقال العسكري. وقال موقع «ويكيليكس» إنه سينشر قريبا 15 ألف وثيقة جديدة عن الحرب في أفغانستان، بعدما جرى فحصها وتدقيقها. وقال متحدث باسم الموقع في لندن إن وثائق العراق تمت مراجعتها لإخفاء أسماء الأشخاص وكي لا «تتضمن أي معلومات تضر بالأفراد». من جهتها، اختارت الحكومة العراقية طريقة الهروب إلى الأمام ووصفت المعلومات -التي أوردها موقع «ويكيليكس» بشأن الانتهاكات التي قامت بها القوات الأمريكية والعراقية واتهام رئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي بدعم فرقٍ للاعتقالات والإعدامات ضد العراقيين- بكونها «ألاعيب وفقاعات إعلامية تقف وراءها أهداف سياسية معروفة». وقالت الحكومة العراقية، في بيان صحفي أول أمس السبت، إن الضجة التي تقودها بعض الجهات الإعلامية تحت غطاء الوثائق المذكورة ضد جهات وقيادات وطنية، وخصوصا رئيس الوزراء، «تثير، في أسلوبها وتوقيتها، أكثر من علامة استفهام». وتابعت بالقول: «إننا نؤكد ثقتنا الكبيرة في وعي المواطن العراقي ونظرته الثاقبة على مثل هذه الألاعيب والفقاعات الإعلامية التي تقف وراءها أهداف سياسية معروفة لا تنطلي على شعبنا». وأضاف البيان: «إننا نؤكد مرة أخرى أن الشعب العراقي اختار قادته الحقيقيين عن دراية ومعرفة. ورغم الحشد الذي قامت به هذه الوسائل بالتواطؤ مع الموقع الذي سربها إليها قبل موعد نشرها على صفحته، فإنها لم تستطع أن تقدم دليلا واحدا على سلوك غير وطني قامت به الحكومة العراقية أو شخص رئيسها نوري المالكي». جندي يقتل طفلة في الثامنة وفي بريطانيا، طالب محامون بفتح تحقيق علني في مقتل مدنيين عراقيين، بعد أن كشفت الوثائق المسرّبة أن القوات الأمريكية والبريطانية مسؤولة عن مقتل آلاف المدنيين في العراق. وذكرت صحيفة «صندي إكسبريس»، الصادرة الأحد، أن فيل شاينر، المتخصص في حقوق الإنسان من محامي المصلحة العامة، هدد بأنه سيُجبر الحكومة البريطانية على إجراء هذا التحقيق، بعد كشف موقع «ويكيليكس» اللثام الصادم. وقال المحامي شاينر، الذي يتولى الدفاع عن قضايا عراقيين تعرضوا للقتل والتعذيب على يد القوات البريطانية، في بيان، إن جنديا بريطانيا قتل طفلة عراقية عمرها ثمان سنوات بينما كانت تلعب في الشارع بمدينة البصرة.وأشار المحامي شاينر إلى أنه يتعامل الآن مع 142 حالة من حالات تعرض مدنيين عراقيين إلى إساءة المعاملة على يد القوات البريطانية، وسيضعها أمام المحكمة العليا في لندن يوم الخامس من نونبر المقبل. مطالب حقوقية فيما طالبت منظمة «هيومن رايتس ووتش» العراق بالتحقيق في الوثائق السرية الأمريكية التي كشفت أن قواته مارست أساليب تعذيب وإساءة منهجية إلى المعتقلين، دعا مانفريد نواك، مقرر الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب، الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى إصدار أمر بإجراء تحقيق في هذه الوثائق. وقالت المنظمة، في بيان، إنه يتعين على العراق أن يقاضي أولئك المسؤولين عن التعذيب والجرائم الأخرى، وأضافت أن الحكومة الأمريكية يجب أن تحقق أيضا في ما إذا كانت قواتها خرقت القانون الدولي عندما سلمت معتقلين إلى القوات العراقية رغم وجود مخاطر مرتفعة لوقوع تعذيب.وقال جو ستورك، نائب المدير العام لقسم الشرق الأوسط في المنظمة، إن الوثائق الجديدة التي نشرها موقع «ويكيليكس» تظهر أن التعذيب الذي تمارسه القوات الأمنية العراقية متفش ويمر بلا عقاب، مشيرا إلى أنه من الواضح أن الولاياتالمتحدة كانت تعلم بالإساءة المنهجية من قبل القوات العراقية، ورغم ذلك سلمتها آلاف المعتقلين. ومن جانبه، حث مقرر الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب، مانفريد نواك، الرئيس الأمريكي على إصدار أمر بإجراء تحقيق في وثائق «ويكيليكس». وقال نواك لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» إن هناك التزاما بالتحقيق حالما تكون هناك مزاعم موثوق منها بأن تعذيبا قد وقع، على أن يترك الأمر بعد ذلك للمحاكم.