ما كان باستطاعة المقاومة الوطنية الأوربية الصمود أمام النازية لو لم تساندها ماديا ومعنويا، شعوب أوربا. اليوم تواجه قوى المقاومة في الجنوب اللبناني هجمة نازية صهيونية - أمريكية - أوربية جديدة بعد أن اندحرت محاولاتها السابقة المتكررة بفضل وعي قادة المقاومة وصلابة محاربيها وتماسك البيئة المجتمعية المحيطة بها. وبالطبع، فإن قمة تلك المحاولات تمثلت في غدر وهمجية ودناءة الفخ الصهيوني الأمريكي، بمباركة من بعض أطراف أوربا وبعض أطراف بلاد العرب، لسحق المقاومة في يوليوز عام 2006. وإذ لم تفلح الآلة الحربية البربرية، ولم تفلح قرارات مجلس الأمن الموجهة لتجريد المقاومة من سلاحها، ولم تنجح عشرات الفتن الداخلية في إبعاد المقاومة عن هدفها التحريري الأساسي، وإذا انكشف للقاصي والداني سخف الحملات الإعلامية التي هدفت إلى إلصاق التهمة بالمقاومة بأنها تسعى إلى إقامة نظام حكم ولاية الفقيه في لبنان وبأنها قطعة شطرنج في اليد الإيرانية... إذ لم تستطع كل تلك المحاولات إضعاف وهج المقاومة اللبنانية في الحياة السياسية العربية والإسلامية تسعى القوى الخارجية والداخلية إياها إلى نصب فخ جديد اسمه القرارات الظنية لمحكمة العار الدولية ضد رموز وقادة المقاومة. الهدف واضح، وهو إلهاء المقاومة عن التركيز على هدفها الأصلي ومحاولة النيل من أخلاقيتها وقيمها النضالية. ولما كانت المقاومة الجنوبية اللبنانية هي قمة زخم وحيوية كل المقاومات العربية، فإن النيل منها هو شل لجسم وفكر وثقافة المقاومة في كل الأرض العربية. نحن بالفعل أمام مؤامرة شيطانية لا تمس فقط بأس وصلابة أبطال الجنوب اللبناني وشعبه وإنما ستمهد الطريق لكارثة نفسية وسياسية ونضالية تطال مستقبل أرض العرب وبلدان الإسلام. من هنا، فإن فضح المحكمة الموبوءة بعلل التسييس والخضوع لدول الغرب الاستعمارية والقابلة للاستماع إلى شاهد أفاك أثيم، وذلك تمهيدا لتحرير قضاء لبنان من تدخلات الخارج، أصبح واجبا قوميا ومسؤولية أخلاقية. وستكون كارثة لو أن مؤسسات المجتمع المدني العربي لم تساند بكل وسيلة في معركة استهداف أحد أهم وأنصع المقاومات العربية. لنذكر أنفسنا بأن غرب الكيان الصهيوني تحميه الأساطيل الأمريكيةوجنوبه وشرقه تحميهما أوراق المعاهدات، بينما يظل شماله منكشفا أمام المقاومة اللبنانية، وهو أمر أصبح يقض مضجعه ويبقيه في حالة قلق ورعب وعدم استقرار. وإذ لم تستطع قرارات مجلس الأمن الأمريكية ولا وجود القوات الدولية أن ترخي قبضة المقاومة على العنق الصهيوني، فإن إدخال المقاومة في مصيدة الفتن المذهبية والفئوية هو الخطوة التآمرية الجديدة. ومع الأسف، فإن الغرب الاستعماري هو يستعمل حقا يراد به باطل ويتلاعب بأنبل الكلمات، من مثل العدالة والحقيقة، بأنه يجد في الداخل اللبناني وفي الداخل العربي من يستجيب لألاعيبه ومؤامراته. ولذلك فليس أكثر إضحاكا وإثارة للاشمئزاز من أن يستمع المرء إلى سياسة عرب ممن استباحوا عبر تاريخهم كله العدالة الاجتماعية بجشعهم وفساد ذممهم وسرقاتهم واستباحوا عدالة السماء بقتلهم المئات من أطفال ونساء اللاجئين الفلسطينيين وهم نيام... أن يستمع إليهم وهم يتحدثون بأقنعة اللؤم والانتهازية عن تمسكهم بتطبيق العدالة، عدالتهم وعدالة محركيهم، على من ساووا، بروعة البطولة ونقاء التضحية، بين القبر والفراش في ساحات ملاحم الجنوب اللبناني. من حق شعب جنوب لبنان أن يشعر بدفء الأخوة العروبية والأخوة الإسلامية وهو يقف اليوم، صابرا وصامدا، أمام مؤامرة حقيرة جديدة. من حق أموات المقاومة الأبطال ألا تحجب نور تضحياتهم قوى الظلام حتى ولو لبست عباءات العدالة الكاذبة.