سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ظاهرة «الحريك السياسي» تعود من جديد إلى الواجهة مع الدخول السياسي محمد زين الدين: يتعين مساءلة الأحزاب السياسية التي غادرها النواب لا الأحزاب المستقبلة
عادت ظاهرة «الترحال السياسي» من جديد إلى واجهة الأحداث السياسية بعدما تم تسجيل حركة ترحال لبرلمانيين وقياديين في أحزاب مغربية نحو وجهات حزبية أخرى بتزامن مع بداية الدخول السياسي الحالي، وهو ما يعيد إلى الأذهان السجال السياسي الذي يدور منذ سنوات حول ظاهرة «الحريك السياسي» بالمغرب. ويعتبر محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالمحمدية، أن ظاهرة الترحال السياسي ليست وليدة اليوم بل تعود إلى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، حيث تحول الترحال السياسي إلى ظاهرة «سياسوية» بامتياز لأنها تحقق كل مواصفات الظاهرة السياسية من استمرارية وتأثير سياسي على الحقل السياسي بشكل عام والمؤسسات التمثيلية المنتخبة بشكل خاص؛ بيد أن ما يميزها اليوم أنها شملت كل الأحزاب السياسية بمختلف تلويناتها اليمينية واليسارية والوسط. ووفقا لأستاذ العلوم السياسية، فإنه لا ينبغي النظر إلى هذه الظاهرة بمعزل عن التحولات التي مست نظرة المواطن المغربي إلى الفعل السياسي بشكل عام، ففي مغرب السبعينيات والثمانينيات كان من الصعب على المناضلين في الأحزاب السياسية، خصوصا المعارضة منها، الانسلاخ عن أحزابهم بفعل حضور جملة من العوامل. وأضاف قائلا في تصريح ل«المساء» بأن «الترحال السياسي يشمل الأغلبية والمعارضة على حد سواء، وغالبا ما تكون التموقعات الشخصية للمنخرطين من أجل الظفر بمناصب انتخابية في الأحزاب وراء مسألة الترحال مثلما نلاحظه اليوم». وسبق لحوادث الترحال الحزبي أن أوصلت أصحابها إلى ردهات المحاكم، مثلما جرى مع «التهامي الخياري»، رئيس حزب جبهة القوى الديمقراطية، بعدما رفع دعوى قضائية ضد النائبين البرلمانيين محمد بنعطية وإسماعيل البرهومي، اللذين دخلا قبة البرلمان باسم حزبه ثم انتسبا إلى حزب الأصالة والمعاصرة، حيث غرمتهما المحكمة الابتدائية بالرباط 50 مليون سنتيم، بعدما طالبتهما قبل ذلك جبهة القوى الديمقراطية ب100 مليون سنتيم كتعويض عن الأضرار التي لحقتها بعد رحيل النائبين في أكتوبر 2008. وجاء هذا في الوقت الذي غير فيه 84 نائبا برلمانيا، أي نحو ربع أعضاء مجلس النواب، فرقهم خلال الولاية التشريعية الحالية، بل إن منهم من غير فريقه أكثر من مرة، حيث بلغ مجموع الانتقالات 110 انتقالات حسب تصريحات التهامي الخياري نفسه في ندوة صحافية عن النواب الرحل شهر يونيو الماضي، الذي حاولت «المساء» الاتصال به لمعرفة موقفه لكن تعذر ذلك. وحول ماهية الآليات القانونية التي تحارب ظاهرة الترحال، أكد زين الدين ل«المساء» أن هناك آليات قانونية تحول دون بروز هذا السلوك «السياسوي» من أبرزها مقتضيات قانون الأحزاب السياسية 36.04 الذي نص في مادته الخامسة على أن للمغاربة ذكورا وإناثا البالغين سن الرشد أن ينخرطوا بكل حرية في أي حزب سياسي مكون بصفة قانونية؛ بيد أن الفقرة الثانية من هذه المادة تشير إلى أنه لا يمكن لشخص، يتوفر على انتداب انتخابي ساري المفعول في إحدى غرفتي البرلمان تم انتخابه فيها بالحصول على تزكية من حزب سياسي قائم، أن ينخرط في حزب سياسي آخر إلا بعد انتهاء مدته الانتدابية. وتمكن قراءة قانونية وسياسية لمقتضيات هذه المادة، حسب زين الدين، من تسجيل ملاحظات من قبيل أن هذه المادة تحاول تحقيق نوع من التوازن بين الحق في اختيار الأحزاب الذي يبقى حقا أساسيا من حقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه تعقلن هذا الحق بمقاربة قانونية وسياسية تركز على أن الانتداب البرلماني هو تفويض من الأمة إلى النائب البرلماني لا يمكن التلاعب فيه. وباستقراء مقتضيات هذه المادة يسجل زين الدين، أنها تقتصر على الترحال البرلماني فقط دون الحديث عن الترحال السياسي أو التمثيلي المحلي؛ مشيرا إلى أنها قد وصلت منذ انتخابات 2007 إلى يومنا هذا إلى ما يزيد عن 100 حالة ترحال برلماني. وبالنسبة لأستاذ العلوم السياسية، فإن المفارقة النوعية التي نسجلها هنا هي أن الأحزاب السياسية التي تقاضي برلمانييها بدعوى أنهم غادروا حزبها نحو أحزاب أخرى قامت هي نفسها على أساس ظاهرة الترحال السياسي، لافتا إلى أنه ينبغي هنا مساءلة الأحزاب السياسية التي غادرها النواب وليس الأحزاب المستقبلة، على اعتبار أن مهمة الحزب الأساسية هي استقطاب الأطر؛ «فلو كانت الأحزاب التي تعاني من هذه الظاهرة تقوم بتأطير سياسي جيد يقوم على أساس الانضباط الحزبي ذي التكوين السياسي، يسمح لمختلف المناضلين بإمكانية الوصول إلى مراكز القرار الحزبي، فإنه من الصعب إغراء المناضلين بالتوجه نحو أحزاب جديدة؛ فالمسؤولية الأولى تبقى على عاتق الحزب الذي غادره النائب البرلماني» يقول المصدر ذاته. ويرفض زين الدين اعتبار الترحال السياسي عاملا من العوامل الرئيسة المترجمة للعزوف السياسي، مشيرا إلى أن «المغاربة عازفون عن الحياة الحزبية وليس عن الحياة السياسية لاعتبارات متعددة من أبرزها بروز نظام «التشرذم» الحزبي وضعف الديمقراطية الحزبي، وضعف الحراك السياسي، الأمر الذي يقود النواب إلى البحث عن هيئات سياسية تمكنهم من تقلد المناصب السياسية؛ فضلا عن آفة التماثل الإيديولوجي بين الأحزاب على مستوى البرامج؛ وضعف التواصل السياسي بين الأحزاب ومناضليها».