أقدم المجلس العلمي الأعلى على خطوة مثيرة, لا شك أنها سوف تسيل الكثير من المداد، فقد قرر إحداث جائزة للخطب المنبرية في المساجد، تبلغ قيمتها 600 مليون سنتيم سنويا، تمنح لأحسن خطبة منبرية على الصعيد الوطني والجهوي والمحلي، ومبرر المجلس هو تشجيع الخطباء المغاربة في إطار دعم هذه الفئة من المجتمع. قد يبدو الأمر عاديا، لكنه في العمق يتضمن عدة محاذير، فواقع هؤلاء الخطباء يشهد على الهشاشة الاجتماعية التي يعيشونها، ذلك أنهم يتلقون تعويضات هزيلة جدا، وللحصول عليها يتطلب الأمر مسلسلا من الإجراءات إذا تعذر على الخطيب الحصول عليها في وقتها، وكان أولى لهذا الغلاف المالي الذي خصص للجائزة أن ينصرف على شكل زيادات في تعويضات هؤلاء الخطباء. هذا من الجانب المادي، أما بخصوص الجانب المتعلق بالخطبة المنبرية في حد ذاتها، فإن نقطة الإثارة فيه هو أن الجائزة سوف تحول خطبة الجمعة والأعياد إلى موضوع للمنافسة، وتخرجها من قداستها ومن طابعها الديني والتوجيهي، الذي شرعت من أجله، إلى طابع السباق. ولم يحدث في تاريخ المغرب أن حصل تخصيص الخطبة المنبرية بجائزة، بل كان يصرف على الخطباء من أوقاف المغاربة ومن مبادرات السكان الذين كانوا يقدرون مهمة الخطيب والإمام، ويعتبرونها جزءا من الإمامة العظمى التي يمثلها ملك البلاد، وكان يتم ذلك وفق ما كان يسمى بالمشارطة، وهي نوع من الميثاق بين الخطيب والمواطن يتضمن شروطا ضمنية يتكلف فيها الخطيب والإمام بدين الناس ويتكلف فيها الناس بدنيا الإمام والخطيب. والمشكلة الأكبر التي ستطرح، وسوف تثير الكثير من الجدل والنقاش، هي المعايير التي سيتم اعتمادها لاختيار الخطب «الفائزة» بالجائزة، خصوصا وأننا نعرف بأن الخطبة المنبرية لا تعتمد فقط على المكتوب، بل تعتمد أكثر من ذلك على الحركة ونبرة الصوت فوق المنبر، إضافة إلى طريقة استقبال المصلين والمواطنين لهذه الخطبة، وطبيعة المساجد، إذ هناك مساجد يقبل عليها المصلون بينما هناك أخرى تظل فارغة تقريبا بسبب طريقة اختيار الخطباء والأئمة.