لو لم يكن لشهر الصيام من حسنة سوى أنه جعلنا نرجع إلى كتاب الله وتلاوته والتأمل في محكم آياته، لكفى بها حسنة!.. وكمسلم يتلو كتاب ربه، أقف أمام بعض الآيات التي لها علاقة بتخصصي فأندهش، لكثرة ما تحمل من معانٍ عميقة وإشارات حكيمة. دعوني أستظل اليوم بالآيات التي تلي الحديث عن الصيام وشهر رمضان: «أُحِلَّ لكم ليلة الصيام الرفثُ إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن». عندما تتأمل «هن لباس لكم» و«أنتم لباس لهن»، أول ما يتبادر إلى الذهن أن النساء بالنسبة إلى الرجال مثلهن مثل الرجال بالنسبة إليهن، أي أن هناك تكافؤا وتساويا في الجانب الجنسي... وكم يؤلمني أن أقرأ، أحيانا، لبعض العلماء قولَهم إن الرجل في الجنس «فاعل» والمرأة «مفعول بها»، مكرِّسين بذلك الأفكار الذكورية التي تجعل الرجل فوق المرأة دائما، في حين أن الجنس هو تفاعل متبادَل، فالرجل فاعل، بطبيعته الجنسية التي هي اختراق وتدفق، والمرأة أيضا فاعلة، بطبيعتها الجنسية الساحبة والجاذبة نحوها. وكيف يستطيع كلاهما الوصول إلى ذروة اللذة الجنسية، إن لم يكن إيجابيا وفاعلا، حتى يبحث عن المتعة في الطرف الآخر وفي نفسه.؟! إن «المفعول فيه» يكون سلبيا ومتلقيا، وهذا في جنس الأنثى غير صحيح. إن الرجل والمرأة كلاهما لباس للآخر، ومن أهم خصائص اللباس، حتى تتقبله وترتديه، أن يكون على مقاسك، كي ترتاح داخله، فكم يستطيع الرجل أن يمشي بحذاء ضيق من أمتار، دون أن يلقي به بعيدا؟ وكم تستطيع المرأة أن تتسربل بجلباب فضفاض وطويل يُسقطها ويعيق حركتها؟.. لذلك فحسن الاختيار مهم جدا بالنسبة إلى الزوجين، فتناسُب الزوجين وتوافقهما ضروري لاستمرار الحياة بينهما... واللباس معناه أيضا الستر والحماية والدفء والزينة والجمال، وكلها معانٍ تجدها في العلاقة الزوجية، فهما يستران بعضهما ويقيان أنفسهما من السقوط في الرذيلة والحرام ويستمتعان بدفء الحنان والحب والرباط الوثيق. ومن الناحية الجنسية، فكلمة «اللباس» تحيلنا إلى ما يميز العلاقة الحميمية، كما يريدها رب العباد لعباده، فاللباس ملتصق بالجسم والجلد ككل، لذلك فالعلاقة الجنسية لا يجب أن تكون مجرد التقاء أعضاء التلاقح فقط، بل لا بد أن تمر رسالة الحب في الجسم كلِّه، عبر مسام الجلد، عن طريق المداعبة والالتحام الكلي. واللباس فيه ما هو داخلي يخجل الإنسان أن ينشره على حبل الغسيل أو يلبسه دون أن يستره أيضا بملابس خارجية أخرى... لذلك فالعلاقة الجنسية بين الزوجين لا بد أن تتميز بالسرية والخصوصية، وقد نهى الإسلام أن يأتي الرجل زوجته ثم يصبح بعد ذلك ويجعل من هذا الأمر حديثه مع أقرانه، ونعت النبي الكريم هذا التصرف بكونه من الشيطان. ولنقف على إحدى خصائص الجنس في الإسلام، نتأمل كلمة «الرفث»، فالعرب تقول «رفث في كلامه، أي أفحش وأفصح بما يكنى عنه». والمراد بها هنا الجماع، لأنه يتضمن، بالضرورة، في مقدماته الإفصاحَ والبوح بالرغبة في الآخر والغزل. وقد استعمل القرآن، أيضا، في أماكن أخرى كناية عن الجماع «التغشية» و«المباشَرة» و«اللمس» و«الدخول».. والجمع بين هذه الكلمات يكون لك الصورة الصحيحة والمتكاملة للجماع، كما يريد الله عز وجل أن يكون. انظروا، مثلا، إلى كلمة «الدخول»، فهي يعني بالضرورة الخروج من العالم الخارجي والإقبال، بالكلية، على الزوجة، بكل الحواس الخمس، وأهم هذه الحواس اللمس والسمع... ولا يسعني في الأخير إلا أن أخِرَّ ساجدا لهذا الإعجاز المبهِر في هذه الآيات القليلة، كما فعل سحرة فرعون لما رأوا آيات ربهم. د. مصطفى الراسي [email protected]