يمكن تعريف التحرش الجنسي بأنه أقوال وأفعال وإيماءات تخرج عن نطاق اللياقة وتصدر من أشخاص يقصدون من ورائها استمالة الآخرين ليمارسوا معهم سلوكا جنسيا، وقد يتم ذلك بالتهديد أو الابتزاز أو الإغراء، مما يعد تعدّيا فاضحا على حرية الآخرين وكرامتهم. ويأخذ التحرش الجنسي عدة صور مادية ورمزية، الهدف منها استمالة الضحايا أو التأثير عليهم... ووفق هذه التحديدات، فظاهرة التحرش الجنسي منتشرة بشكل كبير في المجتمع المغربي، غير أن طريقة تناول الظاهرة في وسائل الإعلام، مؤخرا، بالتركيز على حالات التحرش والاعتداء الجنسيين في المدارس، جعلت بعض الأقلام «تركب الموجة»، لتسقط في مطب التعميم وتخطئ مرتين في حق المربين الشرفاء الذين لا تختلف نظرتهم إلى تلامذتهم عن نظرتهم إلى أبنائهم.. مرة، لأن المتحرش ليس مربيا مهْما كانت مهمته التي يؤديها داخل المدرسة ومكانه ليس داخل الفصل الدراسي أو المدرَّج الجامعي، بل في السجن أو في مارستان الأمراض النفسية والعصبية.. ومرة ثانية، لأن المشكلة هي مجتمعية بالأساس، تتعدى المدرسة لتصل إلى الجامعة وتتعدى الجامعة لتصل إلى المعمل والإدارة والورشة والشارع.. وتتعدى كل هذا، لنجدها في مخافر الشرطة والدرك، في المستشفيات والمصحات، في مقرات الأحزاب ومخيمات المنظمات الشبابية، بل حتى قطاع الفن لا يخلو من هذا المرض الاجتماعي.. ينطبق نفس الأمر على الاعتداء الجنسي، فقد تتبَّع الرأي العام المغربي حالات تَورَّط فيها المحارم، كالآباء والإخوة... وفي بعض المدن السياحية، تحولت الظاهرة إلى «تجارة» مربحة.. على أن المشكلة الأصلية تتجلى في عدم نجاعة آليات المتابعة القانونية المعمول بها حاليا، فأغلب هذه القضايا تغلق في حينها «لعدم كفاية الأدلة»، ناهيك عن سماكة غشاء الصمت حول الموضوع، فالضحايا وذووهم لا يتكلمون، والمجرمون لهم ما يكفي من التسويغات لاستمراء الجرم.. وإذا علمنا أن علماء النفس يصنفون التحرش والاعتداء الجنسيين ضمن خانة المرض النفسي، فإن نسبة انتشار الظاهرتين في المجتمع المغربي تؤشر على أننا في مجتمع تعاني نسبة كبيرة من أفراده من أمراض نفسية، فقط لا نعترف بالأمر ونعمل على تشويه الواقع وتزييفه بأقنعة تستمد شرعيتها من قيم الفحولة «المغتصبة»... ومن الناحية النفسية دوما، فنحن «نُفرّخ» معاقين من الناحية النفسية، فضحية الاغتصاب اليوم، هو مغتصِب الغد، فما لا نعلمه هو أن المعاق نفسيا أخطر بكثير من المعاق جسديا، لأن الأول، حسب بيير داكو، لا يعترف بإعاقته، والثاني يعترف، فالثاني قد يُعلِّم أبناؤه أو تلامذته المشي السليم، أما الأول فيُعديهم وينقل إليهم مرضه النفسي... وهكذا، تدور عجلة إعادة إنتاج الإعاقة النفسية لنصل إلى الوضع المأساوي الذي نحن عليه الآن... في دراسة فرنسية حديثة حول الموضوع، نجد أن 87.72 في المائة من المعتدين على الأطفال تعرضوا لشكل من أشكال الاعتداء في طفولتهم، وكلهم يعترفون بأنهم مهووسون بهذا السلوك، أي أنه قد ترسَّخ في شخصياتهم وأضحى لا إراديا، من هنا نفهم لماذا تسعى الحكومة الفرنسية، اليوم، إلى إقرار قانون «الإخصاء الكيميائي» للمهووسين بالاعتداءات الجنسية على الأطفال والقاصرين ولأصحاب السوابق في اغتصاب النساء... وفي المغرب، هناك عوائق ثقافية متخلفة تقبل هذه السلوكات المرضية، أو على الأقل توفر لها الشروط المناسبة، فإحدى تلميذات التعليم الثانوي تشكو من كون أمها تأمرها بعدم لبس الجلباب وعدم وضع النظارات الطبية، بحجة: «شكونْ اللّي غادي إيشوفْ فيك وانتْ لابسة بحال شي شارفة»!... أي أن قيمة هذه الفتاة -حسب والدتها- تكمن في إثارة الانتباه إلى أنوثتها... ويكفي النزول إلى الشارع لنرى أمهات محتجبات بشكل كامل يرافقن بنات عاريات بشكل شبه كامل، أيضا! وعلى حد تعبير أحد الظرفاء «روتانا» ترافق «اقرأ»، في إشارة إلى قناة الأغاني «روتانا» والقناة الدينية «اقرأ»، فالثقافة السائدة هي أن التستر والحشمة خاصة بالمتزوجات والبالغات من الكبر عُتيا، أما الصغيرات فهن «بْنات اليُومْ»، وهناك «حالة» تلميذة أخرى رسمت لها أمها خطة ل«الإيقاع» بمُدرِّسها «الأعزب»، حيث تتقن الفتاة إغراءه قصد قيامه باستدعائها إلى منزله.. وبعد دخولها، تُحْضر الأم الشرطة وترغمه على التزوج بها... وهناك عشرات الحالات من الموظفين في شتى القطاعات دخلوا «القفص الذهبي» بهذه الطريقة وغيرها من طرق «الإيقاع»... في الجامعات المغربية، أضحت الظاهرة سلوكا «عاديا»، من فرط انتشاره في كل هذه الجامعات، فطبيعة نظام التقويم في الجامعات والذي لا يخضع إلا لمراقبة شكلية، وخصوصا في المواد الشفوية والبحوث الجامعية، تخول الأستاذ الجامعي سلطةَ قهرٍ حقيقية، يحولها البعض إلى آلية للابتزاز: «النقطة مقابل الجنس»! ويتحسر الطلبة على عشرات الحالات التي «تكون فيها طالبات «متفوقات» على قوائم الناجحين»، فقط لأنهن «متفوقات» على أسِرّة المدرسين... وقد تحولت الظاهرة عند بعض الطالبات إلى «استثمار». والمفارقة هي أنهن، بعد أن يحصلن على معدلات مرتفعة، يلِجْن الوظيفةَ العمومية.. ومنهن من أصبحن الآن مُدرِّسات «يُربِّين الأجيال»... فبعض الأساتذة الجامعيين لا يضعون النقطة للطالبة على منجَزها العلمي وإنما على مدى استرخاصها نفسَها، فكلما كانت الطالبة «رخيصة»، فهي طالبة مطمئنة على «مصيرها الدراسي»، أما الطالبة التي تمنعها أخلاقها من ذلك، فمصيرها التكرار أو الطرد في ما بعد... ولتتأكد الوزارة الوصية من الأمر، نطلب منها أن تفتح رقما أخضر للضحايا..