هناك حالات كثيرة لمعاقين مغاربة يعانون من الإعاقة بشتى أصنافها، لكنهم صنعوا إنجازات يعجز الأسوياء عن تحقيقها، بل منهم من تحدى إعاقته وتحول بسبب إنجازاته من فقير معدم إلى شخص موسر. كريمة الجعايدي، فتاة في الثلاثينات من عمرها، ولدت مشلولة اليدين والقدمين، لكن أملها في العلاج جعلها تطرق جميع الأبواب عسى أن تجد من يساعدها على تجاوز إعاقتها، ذلك أنها تنتمي إلى أسرة فقيرة لم تستطع توفير مصاريف علاجها الباهظة. إصرار هذه الفتاة على العلاج جعلها تطرق باب إحدى الجمعيات الإسبانية، التي ترعى الأشخاص المعاقين وتساعدهم على العلاج. وبالفعل تمكنت كريمة من الحصول على العلاج بإسبانيا بفضل هذه الجمعية، بعدما رأى أطباؤها أن بإمكانها أن تعالج. تقول كريمة إن «الأطباء الإسبان استطاعوا بعد مدة طويلة إعادة الحياة إلى قدميها اللتين كانتا مشلولتين، واستطاعت بعد أزيد من 20 سنة تحريك قدميها على الأرض والمشي بهما بطريقة متعثرة بعدما كنت فقدت الأمل في تحريكهما». وتتابع كريمة قائلة: «عدت إلى المغرب وفكرت في عمل يمكنني من تجاوز إعاقتي، غير أن إعجابي بالرسم منذ صغري جعلني أهتم به، ولما استطعت تحريك قدمي جربت وضع ريشة بين أصابعي وبدأت الرسم بشكل عشوائي». لم تكن هذه الشابة تعتقد بأنها سوف تتحول في أحد الأيام إلى فنانة تشكيلية، لأن وضعها الصحي والاجتماعي كانا بالنسبة إليها عائقا أمام تطوير قدراتها في الرسم. وسط فضول الزوار وعدسات المصورين تجلس كريمة الجعايدي أزيد من عشر سنوات في ركنها الشهير بساحة «القمرة» بأصيلة، وتبدأ بالخط بأصابع رجلها اليمنى فوق سطح اللوحات التي تعبر غالبيتها عن سحر وجمال مدينة أصيلة. قساوة العيش وسوء الطالع لم يقفا أمام هذه الشابة التي ظل يراودها حلم منذ الصبا، وهو أن تصبح فنانة تشكيلية عالمية، تقارع لوحاتها لوحات الفنانين التشكيليين العالميين. حلم رغم أنه صعب التحقق بالنظر إلى ظروفها الصحية، لكنه ليس مستحيلا. تقول كريمة عن نفسها إنه لم يسبق لها أن تعلمت القراءة ولا الكتابة، غير أن نظرات سريعة وخاطفة على لوحاتها التشكيلية توحي بأن صاحبتها تعتبر من الفنانين التشكيليين المحترفين الذين درسوا في المعاهد الكبرى للفنون التشكيلية. موسم أصيلة الدولي بالنسبة إلى هذه الفنانة التشكيلية فرصة سانحة تصقل فيها موهبتها في الرسم. كما يسمح لها بالتعرف على عدد من الفنانين التشكيليين المحترفين الذين يشاركون في هذا الملتقى الدولي الذي ينظم صيف كل سنة. «تمكنت من خلال موسم أصيلة التعرف على فنانين تشكليين داخل وخارج المغرب حيث كانوا يقدمون لي النصائح المهنية التي تساعدني في الرسم». تتذكر كريمة جيدا لوحتها الأولى، التي رسمتها، وهي عبارة عن المستشفى الذي كانت ترقد فيه بإسبانيا، وهي لوحة تقول كريمة إنها نالت إعجاب الإسبان فأهدتهم إياها. زوار موسم أصيلة وسكانه افتقدوا هذه الفنانة التشكيلية خلال الموسم الماضي، وعندما سألتها «المساء» عن السبب فضلت عدم الإجابة، وقالت «إنها تصنع موسمها برجليها». لكنها لم تخف مقابل ذلك أنها شاركت مرات عديدة في مهرجان أصيلة وساهمت في ورشاته التشكيلية برسومات قالت إنها لازالت تحتفظ بها. أمنية وحيدة تود كريمة الجعيدي لو تحققها، وهي إقامة معرض تشكيلي خاص بها، تعرض فيه لوحاتها التي رسمتها بقدميها تعبر فيها عن همومها ومشاكلها. وهناك حالة أخرى لشاب بمدينة طنجة شبيهة بحالة كريمة الجعايدي، غير أن هناك نقاط اختلاف بين الحالتين تكمن في أن كريمة ولدت معاقة، أما محسن فولد سويا قبل أن يصاب بشلل كامل بعد سقوطه فوق صخرة أصابت منطقة حساسة في دماغه تسبب له في شلل شبه كلي. يقول مقرب من هذه الحالة إن جمعية إسبانية تعمل في مجال الإعاقة بمدينة طنجة تبنت حالته وحاولت إيجاد طريقة لعلاجه، كما حصل مع كريمة الجعايدي، غير أن حالة محسن استعصت على العلاج وبدأ يتردد على هذه الجمعية التي كان يمارسه فيها الرسم عن طريق فمه. نفس المصدر يؤكد ل «المساء» بأن هذا الشخص لم يكن يفكر يوما أنه سوف يتحول إلى رسام، ويضيف أن «مسؤولي هذه الجمعية الإسبانية ساعدوه على الرسم بدل أن يبقى وحيدا داخل الجمعية لا يحرك ساكنا». وكانت زيارة قام بها وفد إسباني لهذه الجمعية نقطة تحول كبرى في حياة هذا الشاب حيث بدؤوا يتفقدون رسومات الأشخاص المعاقين، وأعجبوا برسم هذا الشخص، الذي حصل على جائزة اعترافا منهم بجمالية الرسوم التي يصنعها بفمه، وقد فكروا في مساعدته وتمكينه من مجموعة من الآليات التي تساعده على الرسم. يقول مصدر مقرب من هذا الشخص إن حالته تحسنت بفعل المساعدات التي كان يتلقاها من الإسبان الذين كانوا ينقلون لوحاته الفنية إلى إسبانيا ويقيمون له معرضا خاصا به، وهو ما در عليه مداخيل جعلته يساعد أسرته ويشتري ناقلة كهربائية خاصة به يتنقل بها دون مساعدة أحد. تحسن الوضع المادي تدريجيا لمحسن، وأصبح يمتلك شركة لصناعة الأحذية، أوصى أحد معارفه بتسييرها. ويضيف نفس المصدر أن ما حققه هذا الشاب المعاق في ظرف وجيز بسبب لوحاته التشكيلية يعجز عن تحقيقها أشخاص عاديون أو حتى رسامون قضوا سنوات طويلة في الرسم التشكيلي.