نتيجة الكم الهائل من الشكاوى والتذمر الذي سمعته في المدة الأخيرة من بعض مغاربة أمريكا الشمالية من شركتهم الوطنية كدت أبدأ هذا التقرير بتعبير كان متداولا في الصحافة المغربية، خاصة لدى بعض مراسلي الأقاليم الذين كانوا يفضلون بدء تقاريرهم بتعبير «لا حديث لسكان جماعة كذا إلا عن تعسف السلطة أو ...» لأنه أصبح من الصعب هذه الأيام تجنب الغضب العارم لمغاربة أمريكا الشمالية على خطوطهم الوطنية، التي يعتبرها معظم المهاجرين هنا شركة غير مواطنة. انتهاء عطلة الصيف ورمضان وانتهاء ذروة الرحلات لم يخفف في شيء من حدة الحنق على «لارام»، التي لخص أحدهم أسبابها بأنها «طائرات مثل الطوبيس وأسعار مرتفعة ومضيفات متجهمات وخدمات رديئة, إضافة إلى الزبونية». لكن يبدو أن قضية الأسعار تأتي في مقدمة غضب الجالية العارم، خصوصا حينما تتم مقارنة تلك الأسعار بشركات أخرى وبمسافات أبعد، مما يخلق الانطباع لدى معظمهم وكأن الشركة تمتص دماءهم في عز أزمة اقتصادية أو تفرض عليهم رحلات طويلة عبر أوربا حينما يحاولون تجنبها. ويكفي تصفح بعض المواقع الالكترونية المغربية في المهجر أو إثارة الموضوع مع أول مغربي تصادفه في أورلاندو أو شيكاغو أو مونتريال لكي يقترن اسم «لارام» بألذع وأقبح النعوت والسباب، مما يبرز مفارقة مثيرة في صفوف الجالية المغربية في أمريكا وكندا التي يبدو أن القاسم المشترك بينها هو حب الوطن وكراهية «لارام». قبل بضعة أيام كتب حسن ماسيكي، الناشط الجمعوي المعروف والمسؤول السابق في منظمة العفو الدولية، مقالا شديد اللهجة في موقع «مروكان بورد» الالكتروني أوضح فيه أن حنق الجالية على الخطوط الملكية المغربية وصل إلى الذروة بسبب الارتفاع المهول للأسعار ورداءة الخدمات بسبب احتكار الشركة لخط نيويوركالدارالبيضاء. ويبدو أن عدم اكتراث الشركة بمشاعر هؤلاء يذكي حالة الغضب العارم في وقت يسمع فيه مغاربة أمريكا وكندا عن اهتمام الحكومة بجاليتها في الخارج ورغبتها في استمرارية التواصل معها وإبقاء أواصر ذلك التواصل مع الجيل الجديد من المغاربة الأمريكيين، لكن سياسة الاحتكار وما يرونه من عدم احترام شركتهم المغربية يحملانهم على البحث عن بدائل أخرى أو الإقلاع نهائيا عن زيارة المغرب. يتساءل كثيرون هنا أيضا عن المبالغ المالية الضخمة، التي تنفقها الحكومة المغربية في وسائل الإعلام الأمريكية، خاصة في محطة الإذاعة العامة، التي تسوق وجهة المغرب، لكن أسعار الشركة غير التنافسية تشكل أبرز عرقلة أمام تدفق الأمريكيين على المغرب، على الرغم من قرب المسافة نسبيا في حين تتوفر مسافات أبعد و بثمن أرخص. الحديث المشحون عن خطوطنا الجوية هذه الأيام ذكرني بجلسة كان رئيس الوزراء اللبناني السابق قد عقدها مع الصحافيين العرب في واشنطن قبل أن يعود إلى رئاسة الوزراء، ركز فيها على أمنيته في إنهاء احتكار شركة الشرق الأوسط اللبنانية وجعل أجواء بيروت مفتوحة كإحدى نقاط إقلاع اقتصادي شامل. وجادل المسؤول اللبناني الراحل ساعتها بأن تحويل بيروت إلى مركز جوي سيفيد الاقتصاد اللبناني حتى من رحلات «الترانزيت» وما قد ينفقه المسافر الأجنبي، الذي سيتوقف في المطار اللبناني ولو بضع ساعات، على حاجاته الصغيرة. لكن شركتنا الوطنية، في نظر معظم أفراد الجالية المغربية في أمريكا وكندا، لا تفكر في فتح خطوطها نحو نيويورك ومونتريال أمام المنافسة المربحة للجميع لأن تلك الخطوط تعد بمثابة الدجاجة التي تبيض لها ذهبا، لكنها تعمل على خنق الدجاجة نفسها. أسعار «لارام» وصلت أرقاما غير مسبوقة في صيف هذا العام، على الرغم من تراجع أسعار الوقود مقارنة بسنوات أخرى، وعلى الرغم من عرض شركات أخرى أسعارا أقل بكثير عن طريق بعض العواصم الأوربية، مما صب زيوتا إضافية على نار الغضب المتقد أصلا، خاصة على الأسر متعددة الأفراد، التي تحتاج إلى «سرقة بانكا»، كما قال أحد المعلقين، إذا رغب أفرادها جميعا بالذهاب إلى المغرب. لكن الأسعار لم تكن لوحدها سبب هذا الغضب العارم، فالتأخير في مواعيد الرحلات وعدم التواصل مع الركاب وإبلاغهم بما يحدث كما تفعل أصغر شركات العالم، بالإضافة طبعا لما يصفونه بالخدمات الرديئة وحتى المتعالية لبعض المضيفين والمضيفات وكأنهم «يعطونك التيكيتة فابور» كما قال آخر. مستوى الحنق ووجود خيارات بديلة وإن كانت طويلة ومتعبة-عبر باريس أو مدريد أو أمستردام وغيرها- حملت الكثيرين هنا على الدعوة إلى مقاطعة «لارام» نهائيا بعد أن أعيتهم الشكوى والوعود التي لاتحترم، والغرور الذي يبدو السمة الطاغية في تعامل «لارام» مع زبنائها في أمريكا وكندا. مغاربة أمريكا الشمالية كباقي الكنديين والأمريكيين تعودوا في حياتهم اليومية أن ينتبه التجار وعملاء الشركات والمتاجر والمطاعم ويستمعوا إلى تبرمهم وشكواهم من سوء الخدمة أو عدم جودة البضاعة وتلقي رسائل جوابية وحتى الاعتذار، لكنهم لم يجدوا حتى الآن على الأقل من شركتهم الوطنية، كما يجمعون، سوى الآذان الصماء والخدمات التعيسة والأسعار المرتفعة. يأس بعض أفراد الجالية من أي تفهم من الشركة أو الوزارة الوصية دفعهم إلى رفع شكواهم إلى الديوان الملكي بعد أن أصبح شعار الشركة في اعتقاد حسن ماسكي هو «لاتغيير ولا أحد يكترث» مصطفى الشطايني حاول من سان فرانسيسكو الدفاع عن الشركة في رد مطول، لكنه وجد نفسه صوتا نشازا في خضم الصخب الغاضب وأجمعت كل التعليقات التي كتبت تحت رده-حتى كتابة هذه السطور- على الاختلاف معه في الصورة الوردية التي رسمها للشركة الوطنية. بالنسبة إلى سوء المعاملة والخدمات، حمل السيد الشطايني بعض المسافرين المغاربة مسؤولية التصرف السيء على متن الخطوط المغربية بطريقة لايأتون بمثلها على متن خطوط غربية. قد يكون ذلك صحيحيا في بعض الأحيان، لكنه ليس القاعدة. كما أن سوء خدمات الشركة ليس قاعدة عامة، لكن الأسعار وارتفاعها المهول يبقى المصدر الرئيسي لسخط مغاربة المهجر على شركتهم الوطنية. في النقاش المحتدم حول الأسعار جرت المقارنة بين الخطوط المغربية ونظيرتها التركية، حيث لايتعدى سعر الرحلة إلى إسطنبول من نيويورك 650 دولارا، في حين تجاوز سعر رحلة نيويوركالدارالبيضاء حاجز 1200 دولار صيف هذا العام، بل تعداه بكثير، على الرغم من أن الدارالبيضاء أقرب بكثير من نيويورك مقارنة بإسطنبول. السيد الشطايني عزا انخفاض أسعار الشركة التركية لكونها تقل 700 ألف سائح أمريكي سنويا إلى تركيا، لكنه لم يشرح ما إذا كانت شركتنا الوطنية ستنجح في منافسة الشركة التركية في عدد السياح الأمريكيين الزائرين لبلدنا بأسعارها المرتفعة وفي ظل أزمة اقتصادية خانقة. منتقدو شركة الخطوط الملكية المغربية على كثرتهم يقرون بأنها موجودة من أجل الربح، لكنهم يجادلون بأن الربح غير الشريف لايكلفها زبناءها القدامى والجدد وينال من سمعتها فحسب، بل يكلف الوطن غاليا حتى بمنطق الربح والخسارة البارد، ويخلق شعورا مريرا لدى أفراد الجالية هنا بأنهم غير مرحب بهم في وطنهم. ....