شكلت الحرب الكيماوية جزءا من العمليات العسكرية التي قامت بها مختلف الدول الأوربية خلال فترة ما بين الحربين ضد المدنيين في كل من أفغانستان، العراق، ليبيا وإثيوبيا، حيث قام الجيش البريطاني، الإسباني، والإيطالي بإلقاء مواد كيماوية ذات أضرار بالغة على النساء، الأطفال والعجزة، دون أن يعير اهتماما إلى الأوفاق الدولية التي حظرت إنتاج واستعمال هذه الغازات، رغم مصادقة هذه الدول على معاهدة فرساي، وتأخرها مدة طويلة في المصادقة على بروتوكول الغاز الذي أعقب إعلان مبادئ فرساي. الحرب الكيماوية الإسبانية كانت إذن تتم بطريقة تقليدية، بحيث إن هذا النوع الجديد من الحرب حمل الطيارين الإسبان مسؤولية كبيرة نظرا لكونهم كانوا متمرسين في استعمال قنابل T.N.T والقنابل الحارقة، وليس لهم أي تجربة مع قذائف وقنابل غاز الخردل الخطيرة. فقد كانت القنابل تلقى بشكل عشوائي لإحداث أكبر عدد ممكن من الخسائر حتى تظن أن الطيارين الإسبان هم أطفال صغار يقومون بتوزيع منشورات. وهذا ما جعلهم في أحيان عدة يخطؤون أهدافهم لتسقط القنابل في الاتجاه المعاكس. فقد أشار القنصل البريطاني بطنجة خلال شهر مارس من سنة 1925 أن طيارين إسبان في إحدى الغارات بقنابل الإيبيريطا أحدثا العديد من الجرحى أو خسائر جانبية، كما يقال اليوم، بسبب انحراف قنبلة إيبيريطا بفعل الرياح لتسقط فوق القوات الإسبانية. كما أن قنبلتين انفجرتا عند هبوط طائرتين مخلفة إصابة رقيب (سارخينطو) بجروح خطيرة في إحداها، ووفاة عريف (كابو) ورقيب (سارخينطو) بالأخرى. نفس الشيء أشارت إليه الأرشيفات العسكرية، حيث كانت القنابل في أحيان عدة تخطئ أهدافها لتسقط فوق قبائل حليفة للجيش الإسباني. لهذا السبب، أرسلت مذكرة يوم 31 مارس إلى جميع القياد (commandants) والطيارين تمنع عليهم فيها الإغارة على أي منطقة دون ترخيص من القيادة العامة، والمعتمدة بالأساس على إشارة العقيد المكلف بالعلاقات مع الأهالي (indígenas)، والمطلع بشكل دقيق على مواقع القبائل الصديقة. بل إن الأخطاء المرتكبة من لدن الطيارين الإسبان أصابت حتى جنود الجيش الفرنسي، حيث اشتكى بعض قواد الجيش الفرنسي يوم 28 ماي من سنة 1926 من مسألة إلقاء الطائرات الإسبانية قنابل الغاز فوق المناطق التي توغلت فيها كتيبة فرنسية. في نفس الوقت الذي نجا فيه فيلق تحت قيادة الجنرال كباث مونطيس Capaz Montes بأعجوبة من قنابل ألقاها طيارون إسبان في شهر شتنبر. في هذا الإطار، أصبح الربابنة في جميع الطائرات يصطحبون مساعدين لهم، ملازم أول (طينيينطي/ ليوتنان) أو رقيب (سارخينطو/ سارجان)، الذي كانت مهمته تتحدد في استعمال الرشاش أو إلقاء القنابل بيديه أو عبر صحن ذي مقابض (Palanca/ Palanque/Levier) حين تعطى له الإشارة من طرف الطيار. كما أن خطة الطيران على مستوى منخفض كانت تعرض أكثر حياة الطيارين الإسبان للخطر بفعل سهولة إصابة الطائرات ببنادق المجاهدين. لهذا، رغم محاولة ملء فراغ المساحة الصغيرة الممكنة داخل مقصورة القيادة، صدرت تعليمات من القيادة العليا في بداية سنة 1924 تلزم الطيارين باستعمال الصدرية الواقية داخلها ( مقصورة القيادة). كذلك، أعلم الطيارون بأنه في حالة إصابة الطائرة تجب محاولة التوجه نحو البحر والارتماء في الماء، بحيث يكون هناك زورق سريع في انتظارهم، ثم وضعت مع كل طيار رسالة باللغة العربية وحوالة ب 5.000 بسيطة تعطى نقدا لحاملها في حالة تسليمه الطيار حيا إلى إحدى المواقع الإسبانية. من جهة أخرى، أخبر مراقب أمريكي خلال إقامته بقبيلة مطالسة في سنة 1924 أن الطائرات كانت تأتي دائما في نفس الساعة من الصباح والمساء. أما خلال يوم الأحد تظهر فقط طائرة واحدة، وباقي الأسبوع تأتي طائرتان في اليوم، فقط ترسل ثلاثة طائرات يوم الخميس الذي يقام خلاله السوق. بالإضافة إلى هذا، تشير المصادر العسكرية، في أغلبها متفرقة، إلى أنه بشكل متكرر لم تكن القنابل والقذائف الكيماوية الملقاة بواسطة الطائرات أو المدافع تنفجر، لهذا، كان المغاربة يقومون بجمعها في عربات التبن، بعد إشعال فتيلتها، ثم يتم دفعها نحو المواقع الإسبانية. وقد كان الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي يدفع بسيطتين مقابل كل قنبلة غير منفجرة. أما القنابل الكيماوية غير المنفجرة الملقاة بواسطة المدافع، فكان يتم جمعها لإعادة إلقائها على المواقع الإسبانية. وهناك مثال إلقاء بعضها على مدينة تطوان بواسطة مدفع غنموه من الفرنسيين. في نفس السياق، تفنن المغاربة في صنع المفرقعات الغازية، إذ يؤكد في هذا الصدد وزير الحربية في الجمهورية الريفية السيد محمد أزرقان: «لقد تفنن المعلمون الحدادون الريفيون في الحرب أيام الأمير ابن عبد الكريم في استعمال المفرقعات الغازية اليدوية بما يغتنمونه (كذا) من الغاز الخانق الموجود في المعاقل التي استولوا عليها، ومن العدد الكثير من القنابل التي ترميها الطيارات عليهم ولم تنفجر وبقيت على هيئتها من غير انفجار، وعملوا لذلك معامل صناعية اشتغل بها بعض المعلمين يفتحونها ويخرجون منها المواد الفتاكة، ويجعلونها في ظروف من قزدير، يرمونها باليد على العدو [ص.7] فتنفجر في جموعهم، فعظم الخطب على أعدائهم، ولم يعرفوا أنهم إنما يرمونهم بحجارتهم. وقد استعان الريفيون باليهود العارفين بتهيئة المفرقعات اليدوية والكي عليها بالقزدير والرصاص المذاب. وغالب العدة التي قابل الريفيون بها عدوهم مأخوذة منه لا من غيره؛ لأنهم لم يجدوا من الأجانب من يساعدهم على إمدادهم بالمدد الخارجي». من جهتهم كذلك، كان الإسبان مهتمين بشكل كبير بجمع بقايا أو شظايا القنابل الكيماوية، حيث كانوا يدفعون درهمين على كل شظية، وهذا راجع حسب نظرنا لممارسة تعتيم على جريمة استعمال هذه الأسلحة المحظورة دوليا. من جانب آخر، حسب تقرير المدير البريطاني للأبحاث حول الحرب الكيماوية في نونبر من سنة 1925، فإن قيادة الجيش الإسباني لم تعر أي اهتمام لحماية جنودها خلال عمليات التوغل: «يمكن أن يلاحظ ضعف دراسة الجيش الإسباني لتكتيك الحرب الكيماوية، بحيث إذا كان مرتقبا القيام بعملية توغل سريعة، يكون من اللازم عدم استعمال غاز ملوث لفترة طويلة كغاز الخردل في هذا الميدان، لأنه سيعرقل بشكل جدي تحرك القوات المهاجمة، إذ يجب الحفاظ على هذا الغاز للأهداف التي سيتم احتلالها، على الأقل، خلال أسبوع واحد». لهذا، فقد تضررت فرق الجنود في تدخلها لقمع انتفاضة قبيلة أنجرة بسبب تحويل الرياح لاتجاه الغازات (محتمل غاز الكلوروبيكرينا cloropicrina) الملقاة بواسطة الطائرات، فقط سقطت هذه القنابل عليهم بعد تدخلهم بقليل.. كما أشار تقرير سري لضابط في الطيران البريطاني H.Pughe Lloyd، الذي زار المغرب الإسباني، إلى وزير الدفاع البريطاني، إلى أن استعمال السلاح الكيماوي لم يلق ترحيبا بين الجنود، نظرا لعدم تجهيزهم بالأقنعة الواقية ضد الغازات، مما نتج عنه حدوث خسائر ضمن صفوفهم: «لقد شرح لي عقيد بالتفصيل بأن الإيبيريطا (Iperita/Yperite) (غاز الخردل) لم يكن ينظر إليها بعين الرضى، ذلك أنه خلال هجوم الجيش على إحدى القرى، التي كانت قد تعرضت ثلاثة أسابيع من قبل إلى غارات بالغازات السامة، وقعت خسائر كبيرة ضمن الجنود الإسبان بفعل تعرضهم لإشعاع هذه الغازات». لهذا، ممكن أن يكون اقتراح Despujols استعمال كمية كبيرة من غاز الخردل في احتلال الحسيمة لم يؤخذ بعين الاعتبار عندما تحولت الخطة نحو الإنزال، أو على الأقل، تخفيض الكمية المقترحة من لدنه.