شكلت الحرب الكيماوية جزءا من العمليات العسكرية التي قامت بها مختلف الدول الأوربية خلال فترة ما بين الحربين ضد المدنيين في كل من أفغانستان، العراق، ليبيا وإثيوبيا، حيث قام الجيش البريطاني، الإسباني، والإيطالي بإلقاء مواد كيماوية ذات أضرار بالغة على النساء، الأطفال والعجزة، دون أن يعير اهتماما إلى الأوفاق الدولية التي حظرت إنتاج واستعمال هذه الغازات، رغم مصادقة هذه الدول على معاهدة فرساي، وتأخرها مدة طويلة في المصادقة على بروتوكول الغاز الذي أعقب إعلان مبادئ فرساي. ترسانة الغازات السامة الكيماوية الإسبانية لتقريب وجهات النظر حول عملية إنشاء ترسانة إسبانية لإنتاج الغازات السامة، قام Stoltzenberg، بموافقة وزارة الحرب الألمانية، بزيارة سرية إلى مدريد في نوفمبر 1921 أجرى خلالها محادثات مع رئيس الحكومة Antonio Maura(في أرشيفات Maura لا توجد أي إشارة إلى هذا الاجتماع، الذي أشارت إليه الوثائق الألمانية) ووزير المالية Francesc Cambó، لإمضاء معاهدة تتعلق بإنشاء مصنع داخل إسبانيا مختص في إنتاج غازات لأهداف حربية. وفي انتظار تركيب المصنع وبداية الإنتاج، طلبت الحكومة الإسبانية بشكل سريع تزويدها بكل المخزون المتاح لدى ألمانيا. في حين، قامت لجنة إسبانية بزيارة إلى ألمانيا للإطلاع على أساليب الإنتاج الألمانية ومقارنتها مع الأساليب الفرنسية، وأخيرا، تم إمضاء العقدة يوم 22 يونيو 1922 من طرف رئيس الحكومة José Sánchez Guerra تم بموجبها إنشاء أماكن تصنيع تقنية داخل معمل لصنع مواد وأسلحة كيماوية في مكان قريب من مدريد وأرانخويث Aranjuez بمنطقة خاراما Jarama يعرف ب La Marañosa أو «مصنع ألفونسو XIII». في هذا الإطار، حسب التقارير العسكرية المتفرقة، والمتناقضة أحيانا، الفرنسية منها والبريطانية، وحتى الألمانية، استطعنا معرفة قضية إنشاء بعض المصانع والورشات كتدعيم لملحقات مصانع La Marañosa ومليلية المعروف بLa Maestranza. ومن ثم، نتيجة لهذا التجهيز والمواد المشتراة من فرنسا وتحت مراقبة تقنيين فرنسيين لشركة صنع الأسلحة Schneider، بدئ في شهر يونيو 1922 في إنتاج قذائف معبأة بالغازات السامة كغاز fosgeno والغاز المسيل للدموع أو cloropicrina، في مصنع مليلية، إذ لم يكن قد استعمل بعد غاز الخردل Mostaza لصنع الإيبيريطا. لكن الإسبان لم ترقهم هذه الأساليب الفرنسية مما جعلهم يلجؤون إلى الألمان من أجل طلب تطوير المنشآت التقليدية للذخائر الكيماوية المنشآة بمليلية والعاملة بالمواد الفرنسية قليلة التحبيذ. كذلك، بالإضافة إلى هذا المصنع، أنشأت مجموعة من المصانع لصنع قنابل غاز الخردل داخل إسبانيا، إذ، حسب تقارير المخابرات البريطانية والألمانية، فإلى غاية سنة 1925، كان هناك بالإضافة إلى مصنع مليلية وLa Marañosa، مصنع في كوادالاخارا Guadalajara، الذي وجدت به ورشة في مبنى وزارة الحرب كانت مخصصة لتركيب قنابل كيماوية بمساعدة تقنيين ألمان ونمساويين. كذلك، كان بعضها في طور البناء لتحسين عملية إنتاج غاز الخردل، واحدة منها كانت ورشة إيليكتروكيماوية ب فليكس Flix، بجانب نهر إيبرو Ebro، في إقليم طاراكوناTarragona . مصنع آخر للبارود والمتفجرات أنشئ في غرناطة. آخر بمايوركا يسمى لا بويبلا La Puebla مختص في إنتاج غاز الكلور، كذلك، أقيم قريبا من «مصنع ألفونسو XIII» (أي La Marañosa) في أرانخويث Aranjuez مصنع آخر مختص في إنتاج الكمية المتواضعة ل50 قذيفة في اليوم التي كانت تصدر إلى مليلية لتعبئتها بغاز الخردل. في نفس الوقت، أخبرت مصالح الاستخبارات الفرنسية بإنتاج غاز الخردل ب بويك Puig في دينيا Denia، الموجودان في إقليم قريب من بلنسية. كما ذكر تقرير آخر للبريطانيين مصنعا للذخائر في بثكايا Vizcaya، وورشات بكيرنيكا ش.م (Guernica S.A)، قسم منها تحول لصنع قنابل غاز الخردل. هذه كانت فاتحة لمفاوضات جديدة مع ممثلين عن شركات ألمانية أخرى من أجل تركيب مصنع للأقنعة الواقية من الغاز. شفرات قنابل X لقد وقع تعتيم كبير على استعمال إسبانيا لقنابل الغازات السامة ضد منطقة شمال المغرب، حيث ما زالت هناك وثائق محفوظة حتى اليوم في الأرشيف العسكري الإسباني والتي تشير إلى هذه القنابل بواسطة الشفرات حتى تخفي محتوياتها الكيماوية ل«تلك القنابل» أو «القنابل الخاصة» أو «قنابل X»، إذ كان كل اسم يدل على محتوى ووزن كل واحدة. أما بالنسبة لأرشيف الأركان العامة للجيش الألماني، فإن هذه الأسرار لم تخرج إلى الوجود إلا سنة 1990، مع العلم أن الأرشيفات الألمانية لا زالت تحتفظ بأسرار هذه الحرب الكيماوية. فإذا كان الأمر هكذا مع الجمهورية الألمانية المتورطة بشكل غير مباشر في هذه الحرب القذرة، ماذا يكون الأمر بالنسبة للأرشيف الإسباني، الذي بدأت بعض محاولات الفضولية تتسلل عبره ابتداء من سنة 1999. إذ لا زالت إسبانيا حتى اليوم تتحاشى الكشف عن هذه الفترة الحالكة من تاريخها المشترك مع المغرب، بحيث في لب الحديث عن تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل، أطلعت على مقال بمجلة تصدرها وزارة الدفاع الإسبانية تحت عنوان: «شبح الأسلحة الكيماوية»، لرومان د. أورطيث، يتحدث فيه عن الرعب الذي أحدثه العراق في العالم بامتلاكه لأسلحة الدمار الشامل خلال حرب الخليج، ومن ثم، لم يفته التحدث عن استعمال الدول الأوربية، الأسيوية والأمريكية للأسلحة الكيماوية منذ الحرب العالمية الأولى حتى الآن دون أن يلمح، للعجب، بأدنى إشارة إلى استعمالها من طرف إسبانيا ضد السكان في منطقة الحماية الإسبانية بشمال المغرب. رغم ذلك، فإن بعض المؤرخين المهتمين بالموضوع استطاعوا فك مفاتيح مختلف أنواع هذه القنابل الكيماوية التي هي على الشكل التالي: C- 1 (iperita de 50 Kg); C- 2 (iperita de 10 Kg); C- 3 (fosgeno de 26 Kg); C- 4 (cloropicrina de 10 Kg), C- 5 (iperita de 20 Kg). إلى جانب هذه، كانت هناك مفاتيح قنابل أخرى تتعلق بحرف A (من A-1 إلى A-3) لم تكن غازية بل انفجارية شديدة متكونة من مادتي Trilita وAmatol. الفصل الثاني: السم الذي نزل من السماء: منطقة شمال المغرب كميدان تجريب: استعمال الغازات بواسطة قذائف المدافع: حول بداية استعمال هذه الغازات في الجبهات الحربية، يشير Jean Marc Delaunay اعتمادا على وثائق اكتشفها في ربائد González Hontoria موجودة بأرشيفات وزارة الخارجية الفرنسية، إلى مقال نشر بجريدة La Depêche Marocaine (الصادرة بطنجة) مؤرخة بيوم 27 نوفمبر 1921 يؤكد استعمال إسبانيا للغازات السامة في ضواحي طنجة ألقيت بواسطة المدافع. حيث، إلى غاية هذا التاريخ لم تكن تستعمل سوى قنابل معبأة بغازات مثل fosgeno وcloropicrina، أما غاز الخردل أو Gas Mostaza فلم يكن قد استعمل بعد، إذ تشير المصادر إلى أن تاريخ أول استعمال له يعود إلى معركة تيزي عزة يوم 15 يوليوز 1923، حين تم إلقاؤه بواسطة المدافع. وقد اكتشف المؤرخ الإسباني Juan Pando في كتابه «التاريخ السري لأنوال» وثائق تدل على أن المقيم العام المدني الوحيد Luis Silvela أخبر في نفس يوم المعركة الوزير Aizpuru الرعب الذي خلفه «التمرين البسيط بواسطة القذائف في تيزي عزة» (38). كما أنه من حسن الصدف، استطعت مؤخرا الحصول بمحض الصدفة على مصدر مغربي فريد يؤكد هذه المعلومات، وهو مخطوط لمؤلف مغربي يدعى اليعقوبي، حيث يشير: « بعث إليهم (بني ورياغل) المخزن الشريف يخبرهم بأن غدا يوم الأربعاء كونوا مستعدين بقوتكم واضربوا على بلدكم فإن المخزن غدا يوصل