تعريف الإمامية عرّف الشيخ أبو الحسن الإمامية بما أجمعت عليه، فقال: «هم مجمعون على أن النبي (ص) نص على استخلاف علي بن أبي طالب باسمه، وأظهر ذلك وأعلنه، وأن أكثر الصحابة ضلوا بتركهم الاقتداء به بعد وفاة النبي (ص)، وأن الإمامة لا تكون إلا بنص وتوقيف، وأنها قرابة، وأنه جائز للإمام في حال التقية أن يقول إنه ليس بإمام. وأبطلوا جميعا الاجتهاد في الأحكام، وزعموا أن الإمام لا يكون إلا أفضل الناس، وزعموا أن عليا رضوان الله عليه كان مصيبا في جميع أحواله، وأنه لم يخطئ في شيء من أمور الدين». وكذلك قال الشهرستاني: «هم القائلون بإمامة علي رضي الله عنه بعد النبي (ص) نصا ظاهرا، وتعيينا صادقا، من غير تعريض بالوصف، بل إشارة إليه بالعين. قالوا: وما كان في الدين والإسلام أمر أهم من تعيين الإمام، حتى تكون مفارقته الدنيا على فراغ قلب من أمر الأمة، فإنه إنما بعث: لرفع الخلاف وتقرير الوفاق، فلا يجوز أن يفارق الأمة ويتركهم هملا: يرى كل واحد منهم رأيا ويسلك كل واحد منهم طريقا، لا يوافقه في ذلك غيره، بل يجب أن يعين شخصا هو المرجوع إليه وينص على واحد هو الموثوق به والمعوّل عليه. وقد عين عليا رضي الله عنه، في مواضع: تعريضا، وفي مواضع: تصريحا». وهذا التعريف ظاهره أن كل قائل بالنص الجلي على علي (ض) يعتبر إماميا. والأمر ليس كذلك، لذلك استدرك الشهرستاني بذكر ما يميز الإمامية، زيادة على قولها بأن الإمامة أصل ديني، وهو سوقها الإمامة إلى جعفر الصادق، قال: «ثم إن الإمامية لم يثبتوا في تعيين الأئمة بعد الحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، رضي الله عنهم، على رأي واحد، بل اختلافاتهم أكثر من اختلافات الفرق كلها.. وهم متفقون في الإمامة وسوقها إلى جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه، ومختلفون في المنصوص عليه بعده من أولاده، إذ كان له خمسة أولاد، وقيل ستة.. ومن ادعى منهم النص والتعيين: محمد وعبد الله وموسى وإسماعيل، ثم منهم من مات ولم يعقب، ومنهم من مات وأعقب، ومنهم من قال بالتوقف والانتظار والرجعة، ومنهم من قال بالسوق والتعدية». وتوجد فرقتان إماميتان كبيرتان ضمن القائلين بسوق الإمامة إلى جعفر الصادق: الإسماعيلية والاثنا عشرية، لذلك فإن بعض الإماميين -خاصة من الاثني عشرية- يضيفون قيدا آخر، هو سوق الإمامة إلى علي الرضا.. وهذا في الواقع تضييق لمصطلح الإمامية وحصر له في فرق معينة، وإن كان العرف المتأخر سار على التسوية بين الاصطلاحين: الإمامية والاثني عشرية. قال الشيخ المفيد: «أما السمة للمذهب بالإمامة ووصف الفريق من الشيعة بالإمامية فهو علَم على من دان بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان، وأوجب النص الجلي والعصمة والكمال لكل إمام. ثم حصر الإمامة في ولد الحسين بن علي -عليهما السلام- وساقها إلى الرضا علي بن موسى -عليهما السلام- لأنه وإن كان في الأصل علَما على من دان من الأصول بما ذكرناه دون التخصيص لمن قال في الأعيان بما وصفناه، فإنه قد انتقل عن أصله لاستحقاق فرق من معتقديه ألقابا بأحاديث لهم بأقاويل أحدثوها، فغلبت عليهم في الاستعمال دون الوصف بالإمامية، وصار هذا الاسم في عرف المتكلمين وغيرهم من الفقهاء والعامة علما على من ذكرناه». مصطلح الرافضة الرفض هو الترك في اللغة، ويقال أيضا للتفرق: أرفض القوم إذا تفرقوا.. قال الكفوي: الروافض كل جند تركوا قائدهم. والرافضة: الفرقة منهم. والرافضة أيضا فرقة من شيعة الكوفة انفضّوا عن الإمام زيد، فتركوه ورفضوه وانفضّوا عنه. والنسبة رافضي. وقال قوم: كان المغيرة بن سعيد يزعم أن محمدا الباقر أوصى إليه، أو أنه حي وسيظهر، فتبعه قوم سُموا بالمغيرية، وأطلق على الذين رفضوا دعوته: الرافضة. لكن الذي عليه أهل التاريخ وكُتاب المقالات وكثير من أصحاب المذاهب أن أصل التسمية يعود إلى الإمام زيد. وبهذا يقول الزيدية أيضا، قال المقبلي: «والزيدية تزعم أن تسمية الإمامية بالرافضة بسبب أنهم طلبوا من زيد بن علي رضي الله عنه أن يتبرأ من أبي بكر وعمر، فرفع من شأنهما وقال: نبرأ ممن تبرأ منهما. فقالوا: رفضناك، يعنون لست بإمامنا ولا نخرج معك. فقال: أنتم الرافضة». ويقال أيضا لكل من غلا في مذهبه، وأبغض السلف، رافضي. لذلك قال ابن تيمية: إن بغض أبي بكر وعمر أو سبهما هو علامة الرافضة عند العلماء. ثم أصبح لقب الرافضة يُطلق خاصة على الإمامية، على سبيل الترادف، لذلك فالرافضي في أكثر كتابات المتأخرين هو الإمامي، كما أن الباطني هو الإسماعيلي. والغالب في إطلاق كلمة الرافضة إرادة الذم، فهو مصطلح للقدح.. كما يطلق بعضهم على أهل السنة اسم الحشوية، أو كما يُسمى المعتزلة بالقدرية، والإباضية بالخوارج.. ونحو ذلك من الألقاب التي لا يراد بها التمييز، بل الذم. وهذا لا ينفي ورود كلمة الرفض أو الرافضة على لسان بعض العلماء أو المؤلفين لغرض تمييز الفرقة عن غيرها، فيكون استخداما عن حسن نية، لا قصد فيه للإساءة، لا قليلا ولا كثيرا. لكن لما كان اسم الرافضة قدحيا في الأكثر، فإني أدعو إلى عدم استعماله أو إطلاقه على الإمامية، فهذا من التنابز بالألقاب الذي نهى عنه القرآن الكريم. لذلك ألتزم في ما أكتبه بعدم ذكر هذا اللقب، وأسمي القوم دائما بالأسماء التي يرضونها لأنفسهم: إمامية أو جعفرية أو إثنا عشرية. وما يجده القارئ في سلسلتي هذه من اسم الرافضة، أو الرافضي.. فليعلم أنه ليس من قِبلي، بل لأنني أنقل نصوصا عن العلماء والمؤلفين، ولا أستجيز أن أتصرف في ما نقلته بالحرف، فالنقل ينبغي أن يكون أمينا لا تغيير فيه، حتى لو كان بسيطا.. والإمامية يتأذون من هذا اللقب، ويعتبرونه شتما. هذا ظني بالقوم، وإن كانوا أحيانا يظهرون الرضى به، كما قال الرازي الإسماعيلي: «الرافضة لا تنكر هذا اللقب، ويزعمون أنهم رفضوا الباطل وتبعوا الحق، ويريدون أن ينفوا عن أنفسهم ذم هذا اللقب، كما قالت القدرية: إن المجبرة هم القدرية. وأرادوا أن يتنصلوا من ذم هذا اللقب». وهذا عندي إنما كان على سبيل العناد لا الاقتناع أو القبول، ذلك أن الناس لما أكثروا وصف الإمامية بالرفض، قابلهم هؤلاء بتأويل اللقب وأنه مدح لهم لا ذم.. هذا كله -إن شئت وصفه باللغة المعاصرة- نوع من الحروب النفسية بين أهل المذاهب والفرق. وقد عقد المجلسي في بحاره بابا في «فضل الرافضة ومدح التسمية بها»، أورد فيه بعض الأخبار عن الباقر وابنه جعفر. منها هذا الأثر: عن سليمان الأعمش قال: دخلت على أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، قلت: جعلت فداك إن الناس يسمونا روافض، وما الروافض؟ فقال: والله ما هم سمَّوْكموه، ولكن الله سماكم به في التوراة والإنجيل على لسان موسى ولسان عيسى عليهما السلام، وذلك أن سبعين رجلا من قوم فرعون رفضوا فرعون ودخلوا في دين موسى، فسماهم الله تعالى الرافضة، وأوحى إلى موسى أن أثبت لهم في التوراة حتى يملكوه على لسان محمد (ص) ففرّقهم الله فرقا كثيرة وتشعبوا شعبا كثيرة، فرفضوا الخير، فرفضتم الشر، واستقمتم مع أهل بيت نبيكم (..) فأبشروا ثم أبشروا فأنتم المرحومون، المتقبل من محسنهم والمتجاوز عن مسيئهم.. ويوجد لبس في بعض كتابات الأقدمين حين يعرضون للحديث عن الإمامية والرافضة، بحيث يختلف الاصطلاح، والمراد منه، بحسب السياق، أو عادة المؤلف، أو روح العصر.. ونحو ذلك من العلل. والخلاصة أن العرف بين المتأخرين هو التسوية بين هذه الاصطلاحات كلها، فالإمامية هم الاثنا عشرية وهم الجعفرية. يتبع...