مجموعة IGMA SCHOOL بالجديدة تحتفي بالمتخرجين وذكرى 30 سنة على تأسيسها    وصول 30 مهاجرا ينحدرون من الريف الى ألميريا    لقاء يجمع عامل إقليم الحسيمة مع ممثلي قطاع الطاكسيات    اصطدام بين دراجتين ناريتين على الطريق بين امزورن وتماسينت يخلف إصابات    الترتيب ونتائج البطولة الاحترافية الدورة ال16    نتانياهو سيخضع لعملية جراحية لاستئصال البروستاتا جراء عدوى أصابته في المسالك البولية    داخل جمعية!!.. محاولة فتاتين وضع حد لحياتهما بمادة سامة تستنفر السلطات بطنجة    الماص يقلب الطاولة على الوداد في البطولة الاحترافية    منتخب الكراطي يحصد 20 ميدالية في البطولة العربية    بعد لقاء الملك محمد السادس والرئيس الموريتاني.. الرباط ونواكشوط يتجهان لإحياء اللجنة العليا المشتركة بينهما    بوتين يعتذر عن حادثة تحطم الطائرة الأذرية دون تحميل روسيا المسؤولية    إحداث 7912 مقاولة في جهة الرباط    ارتفاع مفرغات الصيد البحري بميناء الحسيمة    الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان تؤدي مهمتها على أكمل وجه    زياش يشترط على غلطة سراي مستحقاته كاملة لفسخ العقد    حيار: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة لا تتعدى حدود الشريعة الإسلامية    بحضور أزولاي.. لقاء ثقافي بالصويرة يبرز أهمية المكان في تشكيل الهوية    خنيفرة تحتضن المهرجان الدولي للقصة القصيرة    وفاة ملاكم بعد أسبوع من فوزه باللقب الذهبي لرابطة الملاكمة العالمية    القضاء يدين محمد أوزال ب3 سنوات ونصف حبسا نافذا    الكعبي ينهي سنة 2024 ضمن أفضل 5 هدافين في الدوريات العالمية الكبرى    عملية أمنية تنتهي بإتلاف كمية مخدرات بوزان    المغرب داخل الاتحاد الإفريقي... عمل متواصل لصالح السلم والأمن والتنمية في القارة    حملة مراقبة تضيق الخناق على لحوم الدواجن الفاسدة في الدار البيضاء    قوات إسرائيلية تقتحم مستشفى بشمال غزة وفقدان الاتصال مع الطاقم الطبي    تأجيل تطبيق معيار "يورو 6" على عدد من أصناف المركبات لسنتين إضافيتين    الداخلة : اجتماع لتتبع تنزيل مشاريع خارطة الطريق السياحية 2023-2026    غزة تحصي 48 قتيلا في 24 ساعة    "العربية لغة جمال وتواصل".. ندوة فكرية بالثانوية التأهيلية المطار    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    ارتفاع ليالي المبيت بالرباط وسط استمرار التعافي في القطاع السياحي    اليابان.. زلزال بقوة 5.1 درجة يضرب شمال شرق البلاد    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون موضوع مراجعة مدونة الأسرة    حصيلة الرياضة المغربية سنة 2024: ترسيخ لمكانة المملكة على الساحتين القارية والدولية    حجم تدخلات بنك المغرب بلغت 147,5 مليار درهم في المتوسط اليومي خلال أسبوع    مطالب بإنقاذ مغاربة موزمبيق بعد تدهور الأوضاع الأمنية بالبلاد    ترامب يطلب من المحكمة العليا تعليق قانون يهدد بحظر "تيك توك" في الولايات المتحدة    فرح الفاسي تتوج بجائزة الإبداع العربي والدكتوراه الفخرية لسنة 2025    مجلس الأمن يوافق على القوة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام في الصومال    عائلة أوليفيا هاسي تنعى نجمة فيلم "روميو وجولييت"    دراسة: أمراض القلب تزيد من خطر اضطراب الخلايا العصبية    مبادرة مدنية للترافع على التراث الثقافي في لقاءات مع الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب    استثناء.. الخزينة العامة للمملكة توفر ديمومة الخدمات السبت والأحد    وفاة زوج الفنانة المصرية نشوى مصطفى وهي تناشد جمهورها "أبوس إيديكم عايزة ناس كتير تيجي للصلاة عليه"    البرازيل: ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار جسر شمال البلاد إلى 10 قتلى    اقتراب مسبار "باركر" من الشمس يعيد تشكيل فهم البشرية لأسرار الكون    يامال يتعهد بالعودة أقوى بعد الإصابة    المدونة: قريبا من تفاصيل الجوهر!    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انزعج البصري كثيرا عندما كتبت خبرا حول تنامي التيارات الإسلامية في الجامعات المغربية
طلب مني مرافقته في سيارته من الداخلية إلى القصر الملكي وتركني هناك لأواجه مأزقا حقيقيا
نشر في المساء يوم 08 - 09 - 2010


الحلقة السابعة والعشرون‬ :
عندما غادرت صحيفة «الجمهور» في 12 يونيو 2002 مطروداً، وعلى الرغم من المرارة التي كنت أشعر بها، ألحت على خاطري فكرة هذا الكتاب
كتاب يروي بالتفاصيل والوقائع، والأهم بالوثائق، تجربة العمل رئيساً لتحرير أربع صحف يومية، خاصة أنه بدا لي الكثير مما ألقي على الناس في وقت لاحق كان مجافياً لما عشته ورأيته بعيني وسمعته بأذني في زمانه ومكانه. وضعت تصوراً ذهنياً للكتاب، واخترت له عنواناً يقول «صحافة تأكل أبناءها». خلال تلك الرحلة المهنية وجدت أن معظم الذين تعاملت معهم لا يحبون الخسارة وليسوا جاهزين لها. ولا أزعم أو أدعي بأنني أحب الخسارة، لكنني كنت دائماً جاهزاً لها. بقيت فكرة الكتاب في مكانها، وفي كل مرة كانت تشغلني عنها مشاريع أخرى، ومشاغل لا تهدأ مع الحياة وتفاصيلها، والزمن وتصاريفه.
من 12 يونيو2002 حتى 22 أبريل 2010، مرت حوالي ثمان سنوات. في ذلك اليوم وفي الخامسة مساء سألتقي بالأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير «المساء» ورئيس مجلس إدارة المجموعة التي تصدرها. تواعدنا أن يكون اللقاء في أحد فنادق الدار البيضاء، على فنجان قهوة، لإغلاق صفحة وفتح صفحة جديدة. وأشهد الله أنه كان كريماً حيث طرح عدة اقتراحات على الطاولة، ثم اقترح إجراء حوار مطول ينشر في حلقات. وافقت من حيث المبدأ، إذ بدا لي أن كتاب «صحافة تأكل أبناءها» يمكن أن يخرج عبر هذه الصيغة المعدلة. كان الأخ رشيد نيني سخياً مرة أخرى، وهو يطلب تحديد المبلغ الذي ستدفعه الصحيفة لقاء هذه الحلقات.
اقترح من جانبه أن يجري الحوار الزميل مصطفى الفن، وأن تتم الصياغة النهائية بالتراضي. هكذا شرعنا في العمل في مكتبي الشخصي بالرباط، وتحمل الأخ مصطفى الفن عناء التنقل من الدار البيضاء إلى الرباط مرتين في الأسبوع وأحياناً أكثر، إلى أن اكتمل هذا العمل.
في هذه الحلقات لم أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه، وإنما إلى أوراق مكتوبة في أوانها، تستعيد الوقائع كما جرت وبتفاصيلها. وأقول مجدداً إن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة. لم أرغب أن يكون هذا الكتاب نوعاً من كتابة «مذكرات» مع أني عشت الوقائع، إذ حرصت قدر الإمكان أن تكون هناك مسافة بين الوقائع والحياد المطلوب في روايتها. الثابت أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار، يصبح ليس شاهداً على وقائعها، وإنما يتحول في بعض الأحيان إلى طرف في صنعها. لم أقصد أن أكتب عن «حق» أو «باطل». وفي اعتقادي، عندما نكون على حق، لا يستوجب ذلك أن يكون رأينا مكتوباً أو صوتنا مرتفعاً. بقيت مسألة. يجب أن ينظر إلى هذه الحلقات باعتبارها مواضيع لملمها خيط ذاكرة متشعب مثل غصن استناداً إلى وثائق مكتوبة وصور موجودة وصوت مسجل.
طلحة جبريل
(صحافي سوداني مقيم في المغرب)
[email protected]


راج وسط الصحافيين أيضا بأن طلحة جبريل كان يكتب تقارير لإدريس البصري. ما هو تعليقك على هذه القضية؟
- لكن لم يقولوا حول ماذا كانت تلك التقارير يا ترى؟ حول ثقب الأوزون أم مشكلة دارفور التي كانت في رحم الغيب؟
صحيح، كثيرا ما تم الترويج لمثل هذه الأباطيل، لكن هؤلاء المروجين يعرفون جيداً أنني لم أقدم له أي تقارير، سواء كانت شفوية أو كتابية، لأن الصحافي يكتب تقاريره للقراء وليس للوزراء. هكذا يفترض، وهكذا أفهم مهنتي ومهمتي.
ألم يحدث أن طلب منك البصري معلومات حول مسألة ما؟
- هذا الأمر لم يحدث قط. ثم كيف يطلب مني معلومات وتحت امرته أجهزة دولة قادرة على جمع المعلومات حتى عن دبيب النمل. ما كان يهم إدريس البصري هو نشر الأخبار التي يرغب في نشرها، وأن يقال الكلام الذي يعجبه، وكتابة التحليلات التي يوحي بها، وهو أمر مفهوم، وأن يروج بعض المستفيدين من الصحافيين ما يريد ترويجه في الساحتين السياسية والإعلامية. عليك أن تصبر علي حتى نأتي لواقعة سبتمبر 2002 الموثقة كلمة وصورة وشهودا وتسجيلا لتدرك الحقيقة.
دعني الآن أروي لك واقعة طريفة حدثت في ليلة إعلان نتائج انتخابات يونيو 1993. كنت مع الزميل بنعيسى الفاسي. جلسنا بعيدا عن المكان الذي كان يتابع منه الصحافيون إعلان النتائج، وكنا ندردش حول الخروقات التي شابت تلك الانتخابات، وأبلغ إدريس البصري بذلك، فقيل له «إننا لا نكترث بنتائج الانتخابات»، بل أكثر من ذلك قيل له «إننا نسخر منها»، والواقع أن الذي كان يقوم بذلك هو بنعيسى الفاسي، وكنت أضحك على «قفشاته»، حيث كان، رحمه الله، لاذعا في تعليقاته. كان الوقت في حدود الواحدة صباحا، حين استدعانا البصري إلى مكتبه، وطلب منا أن نتحدث في إطار البث المباشر الذي كانت تقوم به القناتان الأولى والثانية. وفعلا تحدثت شخصيا إلى القناة الأولى وتحدث بنعيسى إلى القناة الثانية. كان البصري يقصد «بهدلتنا» لأننا لم نكن، وبكل موضوعية، نستطيع أن نقول ما كنا نتحدث عنه خارج الأستوديو. تلك كانت بعض أساليب البصري.
هل تتذكر مناسبة أخرى أزعجت البصري بسبب مقالة من مقالاتك؟
- نعم. كان ذلك حول تنامي تيارات «الإسلاميين» في الجامعات المغربية. إذ نشرت تقريرا حول الموضوع في الصفحة الأولى من «الشرق الأوسط». أعتقد أن ذلك كان عام1987. ويبدو أن ذلك التقرير أزعج كثيرا الملك الحسن الثاني رحمه الله. كما يبدو أنه كان حادا مع إدريس البصري، والرواية التي سمعتها، وبكل أمانة لم تكن رواية موثقة، تقول إن الملك قال لإدريس البصري: «كيف تقول لي إنه لا توجد تيارات إسلامية في الجامعات، و«الشرق الأوسط» تكتب أن أعدادهم تتزايد؟!». كنت استندت في كتابة ذلك الخبر على مصدرين. أولا، كنا نتلقى بيانات لا حصر لها من التيارات الإسلامية مكتوبة بخط اليد وترسل إلى مكتب «الشرق الأوسط» في شارع أبو فارس المريني بالرباط، فيما المصدر الثاني كان صحيفة «البيان» التي تحدثت في خبر مقتضب عن نمو التيارات الإسلامية داخل الجامعة. والحقيقة أني وجدت في خبر «البيان» فرصة للكتابة عن الموضوع، ونشرت تقريرا مطولا حول الأمر.
وما الذي وقع بعد نشرك لهذا الخبر حول تنامي التيارات الإسلامية؟
- اتصل بي إدريس البصري، وكان في قمة الغضب، وسمعت منه كلاما حادا. كان نهارا رمضانيا، وكانت لغته عنيفة للغاية.
ماذا قال لك بالضبط في هذه «اللغة العنيفة»؟
المهم أنه تفوه بكلمات غاضبة خرجت عن المألوف، غير أني لم أقل شيئا، كتمت غيظي، لكن كنت في غاية الاستياء. بعدها، اتصل بي صديق معنينو، مدير الإعلام في وزارة الإعلام آنذاك، وقال لي «إن الوزير يريد أن يراك في منزله بعد الإفطار»، مشيرا إلى أنه يقيم حاليا في فيلا بزنقة بني ملال، بالقرب من الإذاعة، وعلمت لاحقا أن أشغالا كانت تجرى في منزله بطريق زعير، لذلك انتقل إلى تلك الفيلا. قال لي معنينو «بما أن الفيلا تقع بالقرب من الشقة التي تسكن فيها، سأمر عليك ونذهب سويا لتلتقي بالوزير في داره المؤقتة».
ذهبنا بعد الإفطار إلى هناك ودخلنا صالونا جانبيا، في حين كان الصالون الرئيسي يعج بالناس. إذ اعتاد البصري استدعاء عدد كبير من الرسميين وغير الرسمين، يتركهم ينتظرون فترات طويلة، ثم بعد ذلك يأتي ويتحدث في بعض الأحيان مع كل واحد لدقائق أو لبضع ثوان. أتذكر أن أحد مساعديه جاء عندي وسمعت منه كذلك تقريعا شديدا، وقال لي: «ما هذه الأخبار المفبركة التي تكتبها؟»، وووجه لي كلاما قاسيا جدا وشديد اللهجة. لم أقل شيئا، تلك هي طريقتي عندما أسمع توبيخا أو إساءة.
هل تم هذا «التقريع» يتوجيهات من إدريس البصري؟
-أكيد، كانت هذه هي طريقة إدريس البصري عندما يريد أن يبهدل أحد الصحافيين. يأتي عندك أحد مساعديه، ويكيل لك السباب. بعد فترة جاء البصري وكان يدخن وأنا أجلس وحدي مع صديق معنينو. ورحب بي بحرارة وقال لي: «الغزال.. طلحة ديالنا». ثم خرج على أساس أن يعود بعد فترة قصيرة.
خلال ذلك قال لي معنينو: «لا داعي أن تدخل في نقاش مع الوزير. لاحظت كيف رحب بك». وفعلا عاد البصري من جديد، وقال لي: «نحن نعتبرك مغربيا، كيف تكتب مثل هذه الأخبار التي تزعج سيدنا؟». كنت أعتزم أن أقول له «لا يعقل أن أتعرض لسيل من الشتائم، لمجرد أنني كتبت تقريرا إخباريا». المهم أنه تحدث معي بكل لطف، وقال لي: «أنا أعطيتك رقم هاتفي، وقلت لك إذا أردت التأكد من أي خبر عليك الاتصال بي حتى أستطيع أن أؤكد لك أي معلومات تريدها». وزاد «كنت أتوقع أن تتصل بي. على أي حال، حاول أن تعالج الأمر وتقول «لا صحة للخبر الذي نشر». سألته «هل أنسب الأمر إلى مصدر حكومي». قال: «اكتب فقط مصادر». وبالفعل كتبت خبرا أقول فيه إن مصدرا في الرباط قلل من أهمية المعلومات التي أشارت إلى تنامي التيارات الإسلامية في الجامعات المغربية. كان لابد من ذلك التصحيح، خاصة حين علمت أن الملك انزعج من الخبر، ولم يكن منطقيا أن أثير حفيظته بسبب خبر.
هل تعتقد أن إدريس البصري كان حريصا على صورته كأقوى رجل في الدولة؟
- أكيد. كان عندما لا يجد طريقة لإبعاد شخصه عن تهمة ما، يلصقها بالآخرين. أتذكر في هذا الصدد واقعة كان طرفاها المحجوبي أحرضان والصحافي الإسباني دومينغو ديلبينو، مراسل «البايس» خلال الثمانينيات والتسعينيات في المغرب. كان المحجوبي أحرضان مغضوبا عليه لسنوات من طرف الملك، ويبدو أن أحرضان أراد أن يرسل رسالة قوية إلى الملك الحسن الثاني. ربطتني علاقة طيبة مع دلبينو مراسل «البايس». والواقع أنه بسبب قلة عدد المراسلين آنذاك في المغرب، كنا جميعا نعرف بعضنا بعضا. إضافة إلى ذلك كانت هناك رابطة للمراسلين المعتمدين، يرأسها الراحل ستيف هيوز، وكنت نائبه في تلك الرابطة، كما كانت هناك رابطة للمراسلين العرب، وكان عددهم آنذاك معقولا، قبل أن يتناقصوا لأسباب وظروف متباينة. لذلك كنا نلتقي باستمرار، سواء أثناء تغطية أنشطة رسمية أو حزبية، وكثيرا ما نتبادل الأخبار والمعلومات. أبلغني دلبينو أنه أجرى حوارا مهما مع المحجوبي أحرضان ونشره في شكل قصة خبرية في صحيفة «البايس»، وعلمت منه أن الصحيفة منعت من دخول المغرب. كان دلبينو يتحدث الإنجليزية بطلاقة إلى جانب الإسبانية وبالطبع الفرنسية. لذلك كنا دائما نتبادل أطراف الحديث عندما نلتقي، خاصة أنه كان يعرف المنطقة العربية، إذ سبق له أن عمل في بيروت.
علمت من دلبينو أن المحجوبي أحرضان قال في ذلك الحوار إن الكوارث ستأتي لهذا البلد، أي المغرب، من أحمد رضا اكديرة، مستشار الملك الحسن الثاني، ومن إدريس البصري وزير الداخلية، وقال أيضاً: «إذا تعرضت الملكية لأي تهديد سيذهب هؤلاء إلى سويسرا حيث توجد حساباتهم السرية، في حين سنصعد نحن إلى الجبل للدفاع عن النظام». كانت مثل هذه الأخبار تستهويني، اعتقادا مني أن الصحافة هي تدفق المعلومات، لذلك نشرت خبرا حول منع صحيفة «البايس»، وقلت «إن سبب المنع يعود الى تصريحات أدلى بها أحرضان». ولأن القراء المغاربة لم يطلعوا على «البايس»، قرأ الناس الخبر في «الشرق الأوسط» . كانت مثل هذه الأخبار تعزز رصيد الصحيفة لدى القارئ المغربي. انزعج إدريس البصري انزعاجا شديدا من ذلك الخبر، حيث كان حريصا على صورته في وسائل الإعلام، لكنه هذه المرة لم يستدعني مباشرة ليصب علي جام غضبه كما كان يحدث عادة، بل اتصل بي عبد الجليل فنجيرو، مدير عام وكالة المغرب العربي للأنباء آنذاك، وطلب مني المرور عليه في مكتبه، وكان مقر الوكالة وقتها في زنقة اليمامة، قرب محطة القطار.
هل أخبرك بدواعي هذا الاستدعاء؟
-أبلغني أن هناك توضيحا يريد أن يقدمه لي، وإن كان بالإمكان نشره في «الشرق الأوسط». فعلا ذهبت للقاء فنجيرو، وكان شخصا مهذبا. استفسرني في البداية عن المصدر الذي استقيت منه تصريحات المحجوبي أحرضان، وقال «إن أي وكالة لم تبث مقاطع من ذلك الحوار». وبالطبع افترض أنني لم أطلع على «البايس» لسببين: لأنها لم توزع في المغرب، وثانيا لأني لا أعرف الإسبانية، وهي بالمناسبة لغة أحب جدا موسيقاها الداخلية، وحاولت أن أتعلمها عندما كنت في أمريكا، لكن لفترة قصيرة جدا، إذ هي هناك اللغة الثانية، لكن كما يقال «الإنجليزية لا تقبل معها ضرة».
قلت لفنجيرو إن المصدر الذي استقيت منه الخبر إسباني ولم أشأ الدخول في تفاصيل. لم يركز سي فنجيرو كثيرا على هذه المسألة، لكنه قال لي «إنك أخطأت في نقل تصريحات أحرضان»، وسحب ورقة كان مكتوبا عليها ترجمة كاملة لتقرير «البايس»، وقال إن التقرير لم يقل «وزير الداخلية»، بل قال «الإدارة الداخلية». وعدته أن أصحح الخطأ، وأتاح لي ذلك فرصة جديدة لنشر أجزاء أخرى من تقرير «البايس»، حيث كتبت أن مصادر وثيقة الاطلاع في الرباط قالت إن المحجوبي أحرضان لم ينتقد إدريس البصري وزير الداخلية، بل انتقد «الإدارة الداخلية»، ورحت بعد ذلك أنقل فقرات جديدة من تقرير دومينغو دلبينو. أي أن التصحيح كان أسوأ بالنسبة لوزارة الداخلية، لأني عدت للقصة كاملة.
ألم تتصل بالمحجوبي أحرضان حول هذا الموضوع؟
-لعل من المفارقات أنني لم أتحدث معه طوال سنوات، لكن عندما التقيته في مناسبة اجتماعية في يونيو الماضي، خلال حفل زفاف ابنة البرلماني إدريس السنتيسي، كنت أود التأكد من معلومة أخرى تتعلق باعتقال تعسفي لمهندسين من البريد، من بينهم عبد السلام أحيزون، وتطرقنا إلى ذلك الموضوع، فأكد لي المعلومات التي نشرتها قبل سنوات.
وما هي حكاية اعتقال أولئك المهندسين؟
- عندما وقع انشقاق في الحركة الشعبية، في أكتوبر عام 1986، وانعقد مؤتمر استثنائي في الرباط، أطلق عليه في الصحف آنذاك «مؤتمر مسرح محمد الخامس» أقيل المحجوبي أحرضان في ذلك المؤتمر من منصبه وانتخبت قيادة جماعية من ثمانية أشخاص، من بينهم محند العنصر. كان أحرضان عرضة لغضب شديد من طرف الملك الحسن الثاني، لأسباب لا أعرفها. اعتقل بعض المهندسين البارزين الذين كانوا يعملون تحت امرة أحرضان في وزارة البريد، من أجل نبش ملفات الوزارة، بحثا عن أي مخالفات يمكن أن تدين أحرضان، كما أكد لي هو نفسه في يونيو الماضي كما أسلفت.
هل كانت قضية تعلق باختلاسات مالية؟
- لم تكن هناك سرقة ولا اختلاسات. كانوا يريدون أن يعرفوا إذا كانت توجد مخالفات ضد المحجوبي أحرضان، ومن بين الذين اعتقلوا آنذاك عبد السلام أحيزون والجيلالي العنتري وآخرون. وقد تعرضوا لمعاملة قاسية وتعذيب أثناء فترة اعتقالهم، وكتبت خبرا عن تلك الواقعة عندما حدثت. كانوا من المهندسين الأكفاء، واعتقلوا وتعرضوا للتعذيب حتى يلفقوا تهمة ضد المحجوبي أحرضان. وعلى الرغم من أن علاقة وطيدة جدا ربطتني مع عبد السلام أحيزون بعد ذلك، فإنه إلى يوم الناس هذا لم أتطرق معه لهذا الموضوع .
كيف تعرفت على أحيزون؟
- تعرفت عليه عندما اقتنينا جهاز فاكس في مكتب «الشرق الأوسط» في عام 1986، كنا نواجه بعض المشاكل لاستعماله. كان أحيزون مهندسا يتولى إدارة تقنية. مكتبه في أكدال قرب قاعة ابن ياسين. ذهبت عنده وشرحت له المشكلة، وتفضل بمرافقتي إلى مقر مركز الاتصالات الهاتفية خلف شارع محمد الخامس لحل تلك المشكلة، ثم تعززت علاقتنا، خلال رحلة جوية إلى ليبيا، في غشت 1989، حيث كان هو المهندس المسؤول عن الاتصالات في الباخرة الملكية التي استعملها الملك الحسن الثاني في زيارته للعاصمة الليبية طرابلس. بعد ذلك لم نعد نلتقي كثيرا، إذ عين وزيراً للبريد عام 1992، وبعدها تولى إنشاء شركة «اتصالات المغرب» في آواخر التسعينيات. أصبحت للرجل مهام متعددة، أما أنا فكنت أنتقل من صحيفة الى أخرى، منشغلا بهمومي وإدارة أزماتي.
هل كانت لك بعض الوقائع الطريفة مع إدريس البصري؟
- بلا حصر. أتذكر واحدة منها، كانت بعد الانتخابات التي جرت في سبتمبر 1993، حيث دأب البصري على عقد ندوة صحفية بعد إعلان نتائج الانتخابات. وعادة ما يحضر تلك الندوة عدد كبير من الصحافيين، من داخل وخارج المغرب. كنت كتبت تقريرا مفاده أن المال استعمل بكثرة في تلك الانتخابات، وهو ما كانت أحزاب المعارضة تطلق عليه «المال الحرام». في تلك الندوة جلست في الصفوف الخلفية. كنت بعيدا جدا عن المنصة الرئيسية، كان يحضر تلك الندوة الصحافية عدد من الصحافيين الأفارقة. بقيت رافعا يدي مدة طويلة، وتجاهلني البصري، ثم بعد أن منح الفرصة لعدد كبير من الصحفيين، توجه نحوي وقال: «الآن الفرصة لصديقي السنغالي»، قالها بالفرنسية. وقفت وتحدثت لأول مرة بالفرنسية على تواضع معرفتي بها، وقلت له: «Monsieur le ministre je ne suis pas sénégalais, je suis soudanais»
لماذا قال «إنك سينغالي» رغم أنه يعرف جنسيتك؟
- ربما كان الأمر يدخل في إطار الاستهزاء، أي أن يتعمد القول بأنه لا يعرفني. بعد انتهاء تلك الندوة الصحفية، وقف البصري عند باب القاعة يصافح الصحافيين، وعندما صافحته قال لي: «أنا لم أعرفك، لكن قل لي كيف تكتب أن الانتخابات عرفت استعمال المال؟». قال ذلك وهو يهمس في أذني. والتقط مصور «الشرق الأوسط» عدة صور لهذا المشهد، من بينها صورة يبدو فيها الوزير يتكلم معي في أذني أمام الصحفيين، ويقف إلى جانبه عبد الجيل فنجيرو، المدير العام لوكالة المغرب العربي. هذه الصورة ستختفي بعد ذلك من مكتبي في ظروف غامضة، وتيقنت بأن هناك جهة ما دخلت المكتب بدون علمي وأخذت تلك الصورة، لأن الصور الأخرى ما تزال موجودة في أرشيفي. المهم أن تلك الصورة اختفت تماما، والمؤكد أن الصحافيين عندما لاحظوا أن البصري يهمس في أذني اعتقدوا بأنه طلب مني أن أنشر أمرا محددا.
وماذا عن بعض المواقف المحرجة التي وجدت نفسك فيها مع البصري؟
- أتذكر أنه بعد إعلان نتائج الانتخابات البلدية والقروية في يونيو 1992، عقد إدريس البصري ندوة صحافية حاشدة، كالعادة. وبعد انتهاء الندوة الصحفية جاء سائقه قرب مدخل القاعة التي عقد فيها الندوة الصحافية في وزارة الداخلية، ونادى البصري علي من وسط جميع الصحافيين، وطلب مني أن أركب معه السيارة. قال لي ذلك أمام الملأ. كان في طريقه من وزارة الداخلية إلى القصر الملكي للقاء الملك. شاهد جميع الصحافيين أني ركبت معه في السيارة، لكنهم قطعا لم يعرفوا السبب. ونحن على متن السيارة قال لي: «أنا الآن ذاهب للقاء الملك. أريد منك أن تكتب غدا في «الشرق الأوسط» وفي الصفحة الأولى، إنه لم ينتصر هذا الحزب أو ذاك، لكن انتصرت الديمقراطية الحسنية، وساخبر الملك بأنك ستكتب هذا العنوان». قلت له «يا معالي الوزير تعبير «الديمقراطية الحسنية» تستعمله مجموعة لوماتان».
هل أفهم من كلامك أن البصري كان يملي عليك ما تكتب في الصحيفة؟
- ليس الأمر بهذا الشكل، بل يتعلق بطريقة البصري في التعامل مع الصحافيين لتوظيفهم في أجندته. المهم أني قلت له «حتى لو كتبت «الديمقراطية الحسنية»، فلا أعتقد أن «الشرق الأوسط» يمكن أن تنشر هذا التعبير، لكن سأرى كيف أتصرف»، وبينت للبصري أنه سيكون هناك تناقض بين نشر موقف المعارضة التي تحدثت عن تزوير، إلى درجة أن عبد الرحمن اليوسفي، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، غضب آنذاك من عمليات التزوير، وقرر الاستقالة ومغادرة البلاد. لكن كان رده بضرورة أن تكتب «الشرق الأوسط» بأن الديمقراطية انتصرت في المغرب.
لنرجع إلى الموقف الحرج الذي وضعك فيه البصري بعد أن طلب منك مرافقته على متن سيارته للقاء الملك؟
أتذكر أنه دخل القصر الملكي، وأبلغ أن الملك في انتظاره، وما كان منه إلا أن تركني في الباحة الداخلية للقصر واتجه على عجل إلى حيث يوجد الملك. تركني هناك ولم يقل لي شيئا. طلبت من سائقه إعادتي إلى مكتب الصحيفة في وسط الرباط، لكنه قال لي إنه لا يستطيع ذلك في غياب تعليمات من البصري. وجدت نفسي في مأزق حقيقي، إذ كيف سأخرج من القصر، ولم يكن ممكنا أن أنتظر داخل السيارة. طلبت من السائق أن يتحرك على الأقل حتى باب القصر ويعود بعد ذلك إلى الباحة الداخلية، لكنه رفض.
وهل بقيت في السيارة في انتظار عودة البصري؟
-لا، لأني خشيت أن يطول انتظاري، ولهذا خرجت من القصر راجلا، وعندما وصلت إلى مكتبي، اتصل بي الزميل محمد إبراهيم من وكالة الأنباء الإسلامية، وكان قد جاء المغرب لتغطية تلك الانتخابات، فأبلغني أن الصحافيين، بعد أن ركبت مع البصري في سيارته، راحوا يتهامسون بأني «عميل لوزير الداخلية». قلت له: «دعهم يقولوا ما يشاؤون»، وشرحت له ما حدث ولماذا طلب مني البصري أن أرافقه، وحكاية «الديمقراطية الحسنية»، وقلت له مازحا «أتمنى لهم جميعا أن يجربوا هذه العمالة».
وهل كتبت في «الشرق الأوسط» ما طلبه منك إدريس البصري؟
- لا، بل كتبت تغطية متوازنة حول نتائج الانتخابات، نشرت في الصحيفة وقلت «إن ديمقراطية الحسن الثاني تتقدم» ونسبت ذلك إلى مراقبين تابعوا الانتخابات. اتصل بي البصري في اليوم التالي، وكان مرتاحا للتقرير الذي كتبته.

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.