انتخاب عمدة طنجة، منير ليموري، رئيسا لمجلس مجموعة الجماعات الترابية "طنجة تطوان الحسيمة للتوزيع"    "الكونفدرالية" تقرر تسطير برنامج احتجاجي تصعيدي ضد التراجعات التشريعية للحكومة وإخلافها لالتزاماتها    استئنافية فاس تؤجل محاكمة حامي الدين إلى يناير المقبل    نظام الجزائر يرفع منسوب العداء ضد المغرب بعد الفشل في ملف الصحراء    نقابة تنبه إلى تفشي العنف الاقتصادي ضد النساء العاملات وتطالب بسياسات عمومية تضمن الحماية لهن    البنك الدولي: المغرب يتصدر مغاربيا في مؤشرات الحكامة مع استمرار تحديات الاستقرار السياسي    الاتحاد الإفريقي يعتمد الوساطة المغربية مرجعًا لحل الأزمة الليبية    وسط صمت رسمي.. أحزاب مغربية تواصل الترحيب بقرار المحكمة الجنائية وتجدد المطالبة بإسقاط التطبيع    برنامج الجولة الخامسة من دوري أبطال أوروبا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الشرطة توقف مسؤولة مزورة بوزارة العدل نصبت على ضحايا بالناظور    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر        الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز 'بوينغ 787-9 دريملاينر'    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر    العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    جماعة أكادير تكرم موظفيها المحالين على التقاعد    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    ياسمين بيضي.. باحثة مغربية على طريق التميز في العلوم الطبية الحيوية    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي    تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    تيزنيت: شبان يتحدون قساوة الطبيعة وسط جبال « تالوست» و الطريق غير المعبدة تخلق المعاناة للمشروع ( فيديو )        إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    لماذا تحرموننا من متعة الديربي؟!    النفط يستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين بدعم من توترات جيوسياسية    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام        مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    تصريحات حول حكيم زياش تضع محللة هولندية في مرمى الانتقادات والتهديدات    رياض مزور يترأس المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالعرائش    تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..        الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي    بسبب ضوضاء الأطفال .. مسنة بيضاء تقتل جارتها السوداء في فلوريدا    انطلاق حظر في المالديف يمنع دخول السجائر الإلكترونية مع السياح    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملك الحسن الثاني طلب من عبد الهادي بوطالب أن يسمع مني تفاصيل إقالتي
بعد خروجي الأول من «الشرق الأوسط» أبلغت بأن وزارة الإعلام ستقيم حفلا تكريميا لم يتم قط
نشر في المساء يوم 06 - 09 - 2010


‎‫الحلقة الرابعة والعشرون‬ :
عندما غادرت صحيفة «الجمهور» في 12 يونيو 2002 مطروداً، وعلى الرغم من المرارة التي كنت أشعر بها، ألحت على خاطري فكرة هذا الكتاب
كتاب يروي بالتفاصيل والوقائع، والأهم بالوثائق، تجربة العمل رئيساً لتحرير أربع صحف يومية، خاصة أنه بدا لي الكثير مما ألقي على الناس في وقت لاحق كان مجافياً لما عشته ورأيته بعيني وسمعته بأذني في زمانه ومكانه. وضعت تصوراً ذهنياً للكتاب، واخترت له عنواناً يقول «صحافة تأكل أبناءها». خلال تلك الرحلة المهنية وجدت أن معظم الذين تعاملت معهم لا يحبون الخسارة وليسوا جاهزين لها. ولا أزعم أو أدعي بأنني أحب الخسارة، لكنني كنت دائماً جاهزاً لها. بقيت فكرة الكتاب في مكانها، وفي كل مرة كانت تشغلني عنها مشاريع أخرى، ومشاغل لا تهدأ مع الحياة وتفاصيلها، والزمن وتصاريفه.
من 12 يونيو2002 حتى 22 أبريل 2010، مرت حوالي ثمان سنوات. في ذلك اليوم وفي الخامسة مساء سألتقي بالأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير «المساء» ورئيس مجلس إدارة المجموعة التي تصدرها. تواعدنا أن يكون اللقاء في أحد فنادق الدار البيضاء، على فنجان قهوة، لإغلاق صفحة وفتح صفحة جديدة. وأشهد الله أنه كان كريماً حيث طرح عدة اقتراحات على الطاولة، ثم اقترح إجراء حوار مطول ينشر في حلقات. وافقت من حيث المبدأ، إذ بدا لي أن كتاب «صحافة تأكل أبناءها» يمكن أن يخرج عبر هذه الصيغة المعدلة. كان الأخ رشيد نيني سخياً مرة أخرى، وهو يطلب تحديد المبلغ الذي ستدفعه الصحيفة لقاء هذه الحلقات.
اقترح من جانبه أن يجري الحوار الزميل مصطفى الفن، وأن تتم الصياغة النهائية بالتراضي. هكذا شرعنا في العمل في مكتبي الشخصي بالرباط، وتحمل الأخ مصطفى الفن عناء التنقل من الدار البيضاء إلى الرباط مرتين في الأسبوع وأحياناً أكثر، إلى أن اكتمل هذا العمل.
في هذه الحلقات لم أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه، وإنما إلى أوراق مكتوبة في أوانها، تستعيد الوقائع كما جرت وبتفاصيلها. وأقول مجدداً إن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة. لم أرغب أن يكون هذا الكتاب نوعاً من كتابة «مذكرات» مع أني عشت الوقائع، إذ حرصت قدر الإمكان أن تكون هناك مسافة بين الوقائع والحياد المطلوب في روايتها. الثابت أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار، يصبح ليس شاهداً على وقائعها، وإنما يتحول في بعض الأحيان إلى طرف في صنعها. لم أقصد أن أكتب عن «حق» أو «باطل». وفي اعتقادي، عندما نكون على حق، لا يستوجب ذلك أن يكون رأينا مكتوباً أو صوتنا مرتفعاً. بقيت مسألة. يجب أن ينظر إلى هذه الحلقات باعتبارها مواضيع لملمها خيط ذاكرة متشعب مثل غصن استناداً إلى وثائق مكتوبة وصور موجودة وصوت مسجل.
طلحة جبريل
(صحافي سوداني مقيم في المغرب)
[email protected]

ما الذي فعلته بعد قرار الاستغناء عنك من طرف مسؤولي « الشرق الأوسط»؟
- في اليوم التالي من مغادرتي الصحيفة، أي الاثنين 9 أبريل 1996، ذهبت إلى وزارة الإعلام، ودلفت إلى مكتب رئيس قسم الصحافة وقتها بن يونس بنكيران، وجدت عنده الزميل محمد الأزهري، فقلت له: «جئت لتسليمكم بطاقة الصحافة التي كتب عليها «طلحة جبريل مسؤول تحرير صحيفة الشرق الأوسط في المغرب». عبر بن يونس عن تعاطفه معي، وأبلغني استعداده لتقديم أي خدمة إدارية أحتاجها، حتى لو لم أعد معتمدا، فقلت له: «ربما أحتاج إلى شهادة إدارية في وقت لاحق لتجديد بطاقة إقامتي وكذا بطاقة إقامة أبنائي»، لأنهم حتى ذلك الوقت لم يكونوا قد حصلوا على الجنسية المغربية، وهي الجنسية التي سيحصلون عليها في وقت لاحق عندما قرر الملك محمد السادس أن يكتسب الأطفال الجنسية إذا كانت أمهم مغربية. كان بن يونس بنكيران إنسانا شهما، إذ قال لي: «إذا احتجت إلى شهادة إدارية للأمن الوطني من أجل تجديد بطاقة إقامتك، سأتحمل مسؤوليتي وأسلمك هذه الشهادة». شكرته على ذلك الموقف النبيل، واستفسرته عما إذا كان هناك إجراء آخر مطلوب القيام به»، فأجاب: «لا شيء».
كان صديق معنينو آنذاك الكاتب العام لوزارة الإعلام، واتصل بي مرارا مستفسرا، وكان قد أبلغ من طرف منصف السليمي بقرار إقالتي حتى قبل أن يعلن. لذلك ارتأيت من باب اللياقة، وطالما أنني في مباني الوزارة، المرور عليه. استقبلني الرجل بترحاب مبديا تجاهي عواطف حارة، وأبلغني بأنهم يفكرون في الوزارة بإقامة حفل لتكريمي، وكان الوزير وقتها هو إدريس البصري.
وهل أقيم لك حفل التكريم؟
- ذلك الحفل لم يتم قط.
لماذا؟ هل كان هناك سبب محدد؟
- لا أدري، ولم يكن ممكنا بالطبع أن أسال أحدا عن أسباب عدم تكريمي.
ولماذا لم ينشر خبر إعفائك في صحيفة «الشرق الأوسط»؟
- هذه الثقافة لا توجد للأسف في الصحافة العربية. هذه ثقافة غربية.
كيف عرف الوسط الصحافي بأنك لم تعد مسؤولا عن صحيفة «الشرق الأوسط»؟
- بثت وكالة الأنباء الفرنسية تقريرا حول قرار الإقالة، كتبه الزميل شاكر العلوي، وهو ما يزال المحرر الرئيسي في مكتب الوكالة في المغرب. سمع الناس الخبر عندما أذاعته محطة «ميدي 1»، وفيما بعد سيقول لي عبد الهادي بوطالب «إن الملك الحسن الثاني نفسه سمع بالخبر من ميدي 1»، وطلب مني بوطالب أن أزوره لأشرح له ما حدث. وبالفعل زرت بوطالب في مكتبه ورويت له كل القصة، فأبلغني بأنه سينقل جميع التفاصيل للملك، لأنه هو الذي طلب منه استدعائي، وأن يستمع مني شخصيا لتفاصيل الموضوع.
وماذا قال بوطالب بعد أن رويت له قصة طردك من الصحيفة؟
- عقب قائلا: «كنا نتوقع على الأقل أن يتشاوروا معنا».
يقصد مسؤولي «الشرق الأوسط»؟
- نعم، وأوضح لي أن «الملك إذا تدخل الآن في هذه القضية المتعلقة بفصلك من العمل سيكون أمرا محرجا، لأنه إذا أراد أن يتدخل فلن يخاطب عضو مجلس إدارة منتدبا أو رئيس تحرير أو مديرا عاما، بل سيتدخل لدى جهات عليا في السعودية، وهو أمر ليس سهلا، لأنها مؤسسة سعودية، وعليك أن تتفهم ذلك». وكان جوابي أني أتفهم الوضع، وطلبت منه أن ينقل تشكراتي لجلالة الملك الحسن الثاني، وأن يقف الأمر عند هذا الحد.
من تولى مسؤولية التحرير في مكتب الصحيفة بعدك رحيلك؟
- عينت الصحيفة صلاح سندي، وهو سعودي، في منصب مسؤول التحرير، وأتذكر أنه كان قد سألني بعد أن تولى مسؤولياته في اليوم نفسه الذي غادرت فيه المكتب، حيث قدمه سي الشيباني للمحررين، حول ما سأفعله، فكان جوابي مقتضبا: «أنا صحافي ليس لي مهنة أخرى، سأبحث عن عمل مع أي صحيفة». كان قراري ألا أتحدث مطلقا في الصحف أو وسائل الإعلام حول ما جرى.
لكن لم تلتزم الصمت بعد خروجك من «الشرق الأوسط»؟
- من عادتي أني أفضل التزام الصمت، ولا أضطر إلى الحديث إلا عندما أسمع الحكايات تنسج والادعاءات والأباطيل تروّج والاتهامات تكال. وفعلا ما كنت لأتحدث بعد خروجي من الصحيفة لولا أن صلاح سندي مسؤول التحرير الجديد ومدير المكتب عقد اجتماعا مع المحررين والإداريين، وقال إنه تقرر فصلي عن العمل بسبب اكتشاف «اختلاسات وأخطاء إدارية». بعد أن سمعت هذه الأقاويل، اتصلت مرارا بمكتب عضو مجلس الإدارة المنتدب محمد معروف الشيباني لأتحدث معه، وأبلغه أن ما يقال يسيء كثيرا لسمعتي المهنية، وهو أمر غير صحيح، لسبب بسيط، لأنه كانت تزور مكتب الصحيفة سنويا لجنة تسمى «لجنة الرقابة المالية» وتعد تقريرا يوقع عليه مدير المكتب، ويشتمل على جميع الملاحظات، سلبية كانت أو إيجابية، وفي كل مرة كانت تلك اللجنة تزور المغرب، كانت تسلمني شهادة نسميها «شهادة براءة ذمة»، وهي تعني أن مدير المكتب لم يرتكب أي خطأ مالي أو إداري. كنت أود أن أقول له إما أن تلك اللجان، وعلى مدى سنوات كانت متواطئة معي، أو أن أعضاء تلك اللجان من المحاسبين ليسوا أكفاء، وفي الحالتين هذه مصيبة، بل كنت سأقترح عليه إذا كان الأمر يتعلق باختلاسات أن نذهب إلى القضاء.
ثم أختلس ماذا؟ كانت هناك ميزانية سنوية لها بنود صرف واضحة، من مرتبات ومصاريف إدارية، أي مصاريف الكراء والهاتف والنقل وما إلى ذلك. أما المداخيل، سواء كانت مداخيل مبيعات أو إشهار، فكانت تحول مباشرة إلى حساب الشركة.
بعد أن سمعت تلك الاتهامات التي قيلت في اجتماع مع المحررين والإداريين، لم أجد خيارا سوى الحديث. وقد تحدثت بالفعل إلى عدة وسائل إعلامية مغربية وأجنبية. ولم أتحدث فقط عن نفسي، بل حتى عما كان يجري مع الصحافيين، إذ راح منصف السليمي يتآمر على الجميع، وعلى سبيل المثال، استهدفوا بعد خروجي حاتم البطيوي، وكان البطيوي قد تعرف على عثمان العمير، رئيس التحرير، فاستطاع العمير ترتيب نقله بسرعة إلى لندن بعد أن تعرض إلى عقوبة إدارية قبل عملية التنقيل.
وهل اتصلك بك عثمان العمير بعد مغادرتك الصحيفة؟
- نعم، اتصل بي في اليوم التالي، وقلت له على الهاتف: « يا أستاذ عثمان، الصداقة التي بيني وبينك كانت تحتم عليك أمرين، إما أن تبلغني وتقول لي إن الشركة قررت فصلك بسبب كذا وكذا، حتى أستطيع أن أدافع عن نفسي، ولا يفاجئني الأمر بهذا الشكل، أو على الأقل كنت أتوقع منك على مستوى آخر أن تعترض لأنك تعرف عني كل شيء وتدرك بأني لم أرتكب أخطاء إدارية ولم أختلس سنتيما ولم أقبض رشوة في يوم من الأيام». وطلبت منه أن يساعدني في إيجاد عمل، لكنه لم يفعل، واكتفى بالوعود.
ماذا كان موقف الصحافيين مما قيل حول هذه التهمة ب«الاختلاس»؟
- ما سمعته أنهم التزموا الصمت عندما قيل ذلك الكلام. ولم أكن ألوم أحدا على ذلك، وكما يقال: «الله يرحم ضعفنا».
هل تحدثت معهم حول ذلك؟
- بعد خروجي في السابع من أبريل 1996، لم أبق عاطلا لفترة طويلة، حيث تعاقدت مع وكالة «يونايتد بريس إنترناشونال» الأمريكية، في أول مايو من تلك السنة، لإدارة مكتب للوكالة في المغرب. وبالفعل استأجرنا مكتبا بشارع الأبطال في حي أكدال في الرباط، وأتذكر أن محمد بوخزار زارني في مكتب الوكالة، وكنت سمعت بأنه كان يقول وسط الزملاء «إن الشركة لم تكن تفصلني لو لم تكتشف مخالفات مالية»، ووجهت له السؤال مباشرة، وقلت له: «يا سي محمد تعرفني جيدا. هل تعتقد أني اختلست وأنت تعرف بأنني في أكثر من مرة كنت أقترض منك؟».
كنت تقترض من بوخزار؟
- نعم. وقلت له إن «ما يقال الآن في حقي عيب. أنتم الآن لا تعرفون ظروفي. هذا الكلام الذي يروج، يسيء إلى سمعتي الشخصية والمهنية، لأنه من الذي سيقبل بتوظيف شخص متهم بالاختلاس. عليكم فقط مراعاة هذا الجانب». والمفارقة أن بعض الزملاء كانوا يقولون إن فلانا انتهى مهنيا، وهو ما سيقال في كل مرة يتم فصلي، سواء عندما فصلت من «الصباح» أو «الجمهور»، لأنه بالنسبة لصحيفتي «الحركة» و«المنعطف» أنا الذي قدمت استقالتي منهما ولم أفصل.
وماذا كان موقف عثمان العمير من هذا الذي حدث؟
- كما قلت، اتصل بي الأخ العمير هاتفيا بعد خروجي بيوم من «الشرق الأوسط» ودارت بيننا مكالمة طويلة، وفي تلك المكالمة وعدني بأنه سيزور المغرب قريبا، ليشرح لي كل شيء. كما وعدني بأن يجد لي عملا، يتناسب وإمكانياتي المهنية. كان ذلك بالطبع قبل أن أتعاقد مع وكالة «يونايتد بريس إنترناشونال».
هل أوفى بوعده؟
- بالنسبة للعمل كما أسلفت كان مجرد وعد لتهدئة الخواطر، لكنه فعلا جاء إلى المغرب والتقينا.
ماذا قال لك بعد مجيئه؟
- يوم الأحد 21 أبريل 1996 اتصل بي عثمان العمير هاتفيا وأبلغني بأنه وصل إلى المغرب، ويقيم في فندق «لانفتريت» في الصخيرات، أعني الفندق القديم، وليس الفندق الحديث الذي سيشيد بعد ذلك على أنقاض الفندق القديم.
أبلغني العمير، الذي كان قد جاء للمشاركة في اجتماعات الأكاديمية الملكية المغربية، أن معه بعض الضيوف وبالتالي سيتعذر أن نلتقي في نهار ذلك اليوم، مشيرا إلى احتمال أن نلتقي في المساء، وفي كل الأحوال، حسب قوله، يمكن أن نتناول الغداء سويا، ووعدني بالاتصال لاحقا، لكنه لم يتصل بعد ذلك.
اتصل بي في منتصف نهار اليوم التالي، أي الاثنين 22 أبريل، وأبلغني أن لديه ارتباطات ستحول دون أن نلتقي على وجبة الغداء، وأكد أنه يفضل أن يكون اللقاء في المساء بالصخيرات في فندق «لانفتريت».
قال لي: «ما رأيك أن نلتقي في السادسة مساء؟» فأجبته: «لا مانع. أنت تعرف أنني عاطل حاليا عن العمل ولا توجد لدي أي ارتباطات». اتفقنا على اللقاء في السادسة مساء، على أن نتناول العشاء سويا بعد ذلك. ثم تلقيت منه اتصالا هاتفيا على الهاتف المحمول الذي اعتدنا الحديث من خلاله منذ أن دخلت هذه الخدمة المغرب عقب انعقاد مؤتمر الغات في مراكش عام 1994، واقترح بأن أمر عليه أمام فندق «هيلتون»، حيث انعقدت اجتماعات الأكاديمية الملكية المغربية، في حدود الساعة الخامسة والربع على أن ننتقل سويا في سيارتي بعد ذلك إلى الصخيرات. أمام مدخل الفندق كان يوجد العمير في الموعد تماما، فقد ظل دائما دقيقا في مواعيده. وبعد أن صعد السيارة، كان مشغولا بإجراء مكالمة هاتفية مع أحد المسؤولين في الرياض، لكن ذلك لم يحل بينه وبين إطلاق تعليقات ظريفة حول اجتماعات الأكاديمية.
انطلقنا بعد ذلك نحو الصخيرات على الطريق السيار الذي يربط بين الرباط والدار البيضاء. وشرع العمير يتحدث عن الملابسات التي أدت إلى فصلي من العمل. كان كلاما مختصراً لم يشف غليلي. قال العمير: «حدثني محمد معروف الشيباني عن أن بعض الأمور الإدارية جعلتهم يقررون فصلك عن العمل». واستطرد: «بذلت جهودا مضنية لإلغاء القرار، لكني لم أستطع، خاصة أن الأمور التي ذكروها لا علم لي بتفاصيلها»، مشيرا إلى أنهم جاؤوا من نقطة وجد نفسه فيها ضعيفا. وأضاف «اقترحت عليهم إبقاء علاقتك مستمرة بالشركة وأن تعمل مستشارا لها في المغرب». وقال إن الشيباني وافق على الاقتراح، لكن الناشر محمد علي حافظ لم يوافق على ما تم مع الشيباني. وعلى حد رأيه، ف«إن طلحة جبريل أمضى فترة طويلة مع الشركة، ويعرف الكثير من الأسرار، لذلك لابد من بتر علاقته نهائيا بالشركة». كان رد العمير على الناشر بأنه سيمتثل للقرار، لكنه يرغب دائما في عدم قطع علاقاته بالآخرين.
وماذا كان ردك أنت على العمير؟
- قلت له: «ما يهمني وأود التأكد منه أنه ليست هناك جهة من خارج الشركة ساعدت على اتخاذ قرار الفصل»، فقال لي إن» ذلك لم يحدث على الإطلاق». قلت له: «إن الذي آلمني في الموضوع برمته هو أني التقيت الشيباني في الرباط في سبتمبر عام 1995، وأبلغته صراحة بأنني لم أعد أستطيع الاستمرار في العمل نظرا للأجواء السائدة في مكتب المغرب. لذلك أود تقديم استقالتي، لكنه رفض وإذا به يفاجئني بعد سبعة أشهر بقرار الاستغناء عني، أو ما أسماه يومها بطي صفحة العلاقة الوظيفية مع الشركة»، فلم يعلق العمير.
حضر اللقاء في فندق «لانفتريت» الأخ حسن العلوي، الذي سيصبح من أصدقاء العمير، وكنت أنا الذي عرفته به قبل سنوات. سلمت العمير صورة من الاتفاق الذي وقعته مع الشيباني، لكن رفضت بعد ذلك توثيقه. وأبلغني بأنه حاول كثيرا مع الشيباني الإفراج عن مستحقاتي التي حجزت حتى تسدد بعض الوزارات المغربية قيمة إعلانات كانت قد نشرتها في «الشرق الأوسط»، لكنه لم يستطع، على أساس أن الشركة لابد أن تضمن مستحقاتها المالية، فقلت له: «إذن سأتدبر أمري».
انضم بعد ذلك إلى جلستنا كل من صلاح سندي وحاتم البطيوي وصديق كان قد جاء مع العمير.
ولم نعد نتحدث عن موضوع قرار الاستغناء عني. سألني العمير «ماذا ستفعل؟». كنت لا أرغب الدخول في نقاش أمور تهمني لوحدي، فقلت له: «ذلك أمر يهمني ولا علاقة لكم به». ثم تحدثت مع صلاح سندي عن المضايقات التي بدأ يتعرض لها بعض العاملين في المكتب، فقلت له: «إني أطلب منك بكل ود حماية الذين يعملون تحت إمرتك، لأنه لا ذنب لهم. لقد كنت أنا المستهدف، وطالما أن علاقتي انتهت مع الشركة فلا داعي أن يتحمل البعض مخلفات الفترة السابقة». والحق يقال إنه وعدني خيرا وقال لي كلاما طيبا. كنت في حالة من الاستياء الشديد، لذلك لم أتناول العشاء. ودعت العمير وقلت له: «أتوقع منك اتصالا»، فكان رده: «اتصل أنت». فهمت من هذه الجملة المقتضبة أن الرجل يريد أن يتحرر من عبء علاقة قد تسبب له إحراجا داخل الشركة.
وكيف سارت الأمور بعد هذا اللقاء مع العمير؟
-في اليوم الموالي أيقظتني مكالمة هاتفية من جدة، وكان على الخط سمير أمين ملا، المدير المالي للشركة آنذاك، الذي يبدو أنه كلف بمتابعة تسديد أموري العالقة مع الشركة، فأبلغته بقراري: «إما الإفراج عما تبقى من مستحقاتي أو سأسلك جميع السبل المتاحة والقانونية للحصول على تلك المستحقات». وعلى الرغم من أن المكالمة استغرقت أكثر من ساعة، كان خلالها سمير ملا لطيفا ولبقا في حديثه، فإننا لم نصل إلى اتفاق.
اتصلت بعد ذلك بالأخ صلاح سندي ورجوته التدخل للإفراج عن أرشيف قصاصات المواد التي كتبتها في الصحيفة، و بدا لي واضحا وقتها أن هناك اتجاها لعرقلة تسليمي هذا الأرشيف. وعدني صلاح سندي بأن الأمر ستتم تسويته. وعلى الرغم من ذلك اتصلت سكرتيرة مدير المكتب لتقول لي إنه لا يوجد أحد يمكنه إحضار القصاصات إلى شقتي، فطلبت من الأخ علي أنوزلا أن يتكلف بهذه المهمة. بعد الظهر جاءني الزميل أنوزلا إلى الشقة، وهو يحمل جزءا من القصاصات، سلمني إياها، وهو يقول مازحا: «أخيرا تقرر الإفراج عن وثائق البنتاغون». دخلنا في دردشة عامة، وسألني عن لقاء الأمس مع العمير، فقلت له: «أصارحك القول. كان لقاء مخيبا للآمال»، وقلت له أيضا: «بدأت أشعر بأني سأفقد صديقا عزيزا بسبب ملابسات مغادرتي الشركة».
وأبلغني أنوزلا بأن نادي الصحافة في المغرب، الذي يترأسه أحمد الزايدي، قرر دعوتي للمشاركة في ندوة حول الكيفية التي تناولت بها الصحافة المغربية والدولية موضوع حملة مكافحة المخدرات في المغرب، فطلبت منه إبلاغ تشكراتي للأخ الزايدي وأعضاء نادي الصحافة.
اعتذرت عن المشاركة في الندوة؟
- نعم.
وماذا حدث بشأن مستحقاتك؟
- ظل الأمر يراوح مكانه. هم يقولون لابد من أن تسدد جميع مستحقات الإشهار، الذي نشر عندما كنت مسؤولا، وأنا كنت أقول إن ذلك غير منطقي. وأتذكر أني استعملت منطقا بسيطاً، مؤداه إذا وقع وزير مالية بلد ما اتفاقية لمنح قرض لبلد آخر، هل سيطلب منه بعد إعفائه أن يلتزم بضمان تسديد القروض التي وقعها وهو وزير.
وكم دام انتظارك قبل أن تتوصل بمستحقاتك؟
- لم أتلق مستحقاتي إلا في يوليوز عام 1997، وبعد تدخلات سأعود إلى تفاصيلها. لكن قبل ذلك دعني أتوقف عند لقاء ثان مع محمد معروف الشيباني، عضو مجلس الإدارة المنتدب، وهو اللقاء الذي تم في 29 نوفمبر 1996، حيث التقيت بالشيباني بناء على طلب مني وإلحاح في فندق «هليتون» في الرباط، وقد دام اللقاء أكثر من ساعة.
قلت له إني أصررت على هذا اللقاء لتوضيح بعض الأمور، ومن بينها لماذا تراجعت عن الاتفاق الذي تم بيننا، أي التسوية النهائية، وقال لي إنه سيكون دقيقا في تعابيره حتى لا أستغل ذلك، في إشارة إلى الأحاديث الصحفية التي أدليت بها، فقلت له إنني لم أسرب شيئا للصحافة، ولكنني تحدثت باسمي وصورتي وأنا مسؤول عن كل كلمة قلتها، فقال لي نحن نعرف بأنك سربت أخبارا للصحف حتى عندما كنت تعمل مع المؤسسة، وقال أيضاَ «إن لديهم ورقة بخط يدي قدمها لهم حاتم البطيوي، تؤكد أنني سربت بعض الأخبار للصحف»، ورددت على تلك التهمة بأن الأمر ليس صحيحاً على الإطلاق لأن الذي يريد تسريب خبر للصحافة لا يكتبه بخط يده.
وأثرت معه موضوع التجاوزات المالية، فقال لي إنه لم يتحدث شخصيا عن تجاوزات، فأشرت إلى أن مدير المكتب هو الذي تحدث عن ذلك، فقال إنه ليس مسؤولا عما يقوله الآخرون، وأنه شخصيا يبرئ ذمتي المالية، ولكنه يعتقد بأني ارتكبت أخطاء إدارية. ولم يكن الشيباني في الواقع متحمسا للدخول في التفاصيل.
واتسم نقاشنا في بعض فتراته بالحدة، خاصة عندما قال لي «إنني شخص طيب يتم استغلالي من طرف آخرين». في ذلك اللقاء، قدمت له اقتراحا بحل المشكلة ودية عن طريق محامي الشركة مع إمكانية بحث تفويضي لاستلام الإعلانات، وكان رده أنه سيدرس هذا الموضوع، لكنه قال إنه لن يعدني بأي شيء.
هل صحيح أنك أعربت للشيباني عن استعدادك للعمل في الصومال؟
- نعم، كانت هذه رغبتي، وأتذكر أني قلت له بالحرف خلال النقاش الذي دار بيننا: «طالما أنكم وجدتم بأنه يجب وضع حد لعملي في المغرب، فلماذا لم تقترحوا نقلي إلى الصومال مثلا؟»، فرد قائلا إنه لا يتذكر الأفكار والبدائل التي طرحت آنذاك، ثم اقترح في ذلك اللقاء أن نفكر في المستقبل، ومن ذلك مساعدتهم في تصفية «الشركة المغربية للطباعة والنشر» وبيع قطعة الأرض التي كان يفترض إنشاء مطابع فوقها. كانت خلاصة ذلك الاجتماع عدم التوصل إلى أي نتيجة. وظلت الأمور معلقة هكذا إلى أن تدخل في الأمر صديقان عزيزان، هما الطيب صالح رحمه الله، ومحمد العربي المساري.


[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.