طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب    كأس إفريقيا لكرة القدم للسيدات المغرب 2024.. لبؤات الأطلس في المجموعة الأولى مع الكونغو الديمقراطية والسنغال وزامبيا    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين        الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    السجن المحلي بالقنيطرة ينفي تدوينات يدعي أصحابها انتشار الحشرات في صفوف السجناء    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال        مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجربتي مع وكالة «يونايتد بريس» كانت بئيسة للغاية.. وارتكبت حماقة ندمت عليها حتى اليوم
صمدت في وجه تقلبات الزمن بفضل أصدقاء من بينهم منصور العيسي واليوسي وأحمد بن جلون ومحمد شكري
نشر في المساء يوم 07 - 09 - 2010


‎‫الحلقة الخامسة والعشرون‬ :
عندما غادرت صحيفة «الجمهور» في 12 يونيو 2002 مطروداً، وعلى الرغم من المرارة التي كنت أشعر بها، ألحت على خاطري فكرة هذا الكتاب
كتاب يروي بالتفاصيل والوقائع، والأهم بالوثائق، تجربة العمل رئيساً لتحرير أربع صحف يومية، خاصة أنه بدا لي الكثير مما ألقي على الناس في وقت لاحق كان مجافياً لما عشته ورأيته بعيني وسمعته بأذني في زمانه ومكانه. وضعت تصوراً ذهنياً للكتاب، واخترت له عنواناً يقول «صحافة تأكل أبناءها». خلال تلك الرحلة المهنية وجدت أن معظم الذين تعاملت معهم لا يحبون الخسارة وليسوا جاهزين لها. ولا أزعم أو أدعي بأنني أحب الخسارة، لكنني كنت دائماً جاهزاً لها. بقيت فكرة الكتاب في مكانها، وفي كل مرة كانت تشغلني عنها مشاريع أخرى، ومشاغل لا تهدأ مع الحياة وتفاصيلها، والزمن وتصاريفه.
من 12 يونيو2002 حتى 22 أبريل 2010، مرت حوالي ثمان سنوات. في ذلك اليوم وفي الخامسة مساء سألتقي بالأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير «المساء» ورئيس مجلس إدارة المجموعة التي تصدرها. تواعدنا أن يكون اللقاء في أحد فنادق الدار البيضاء، على فنجان قهوة، لإغلاق صفحة وفتح صفحة جديدة. وأشهد الله أنه كان كريماً حيث طرح عدة اقتراحات على الطاولة، ثم اقترح إجراء حوار مطول ينشر في حلقات. وافقت من حيث المبدأ، إذ بدا لي أن كتاب «صحافة تأكل أبناءها» يمكن أن يخرج عبر هذه الصيغة المعدلة. كان الأخ رشيد نيني سخياً مرة أخرى، وهو يطلب تحديد المبلغ الذي ستدفعه الصحيفة لقاء هذه الحلقات.
اقترح من جانبه أن يجري الحوار الزميل مصطفى الفن، وأن تتم الصياغة النهائية بالتراضي. هكذا شرعنا في العمل في مكتبي الشخصي بالرباط، وتحمل الأخ مصطفى الفن عناء التنقل من الدار البيضاء إلى الرباط مرتين في الأسبوع وأحياناً أكثر، إلى أن اكتمل هذا العمل.
في هذه الحلقات لم أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه، وإنما إلى أوراق مكتوبة في أوانها، تستعيد الوقائع كما جرت وبتفاصيلها. وأقول مجدداً إن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة. لم أرغب أن يكون هذا الكتاب نوعاً من كتابة «مذكرات» مع أني عشت الوقائع، إذ حرصت قدر الإمكان أن تكون هناك مسافة بين الوقائع والحياد المطلوب في روايتها. الثابت أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار، يصبح ليس شاهداً على وقائعها، وإنما يتحول في بعض الأحيان إلى طرف في صنعها. لم أقصد أن أكتب عن «حق» أو «باطل». وفي اعتقادي، عندما نكون على حق، لا يستوجب ذلك أن يكون رأينا مكتوباً أو صوتنا مرتفعاً. بقيت مسألة. يجب أن ينظر إلى هذه الحلقات باعتبارها مواضيع لملمها خيط ذاكرة متشعب مثل غصن استناداً إلى وثائق مكتوبة وصور موجودة وصوت مسجل.
طلحة جبريل
(صحافي سوداني مقيم في المغرب)
[email protected]

لنتوقف قليلا عند الوساطة التي قام بها كل من محمد العربي المساري والكاتب السوداني الطيب صالح لتمكينك من استلام مستحقاتك من «الشرق الأوسط» ما هي تفاصيل هذه الواقعة؟
- عندما كان عثمان العمير رئيسا لتحرير المجلة، سعى إلى استقطاب الطيب صالح ليكون أحد كتاب المجلة، ولعبت دورا في إقناعه باقتراح العمير نظرا إلى علاقة الصداقة العميقة التي ربطت بيننا. وهكذا ظل الطيب صالح يكتب «الورقة الأخيرة» سنوات طويلة، واستمر في كتابتها حتى بعد أن تولى عبد الرحمن الراشد رئاسة تحرير «المجلة». ومن خلال هذه الإطلالة الأسبوعية، تكونت له علاقات طيبة في السعودية مع بعض الشخصيات الوازنة. حين تقررت إقالتي من مسؤولياتي في مكتب «الشرق الأوسط» كان الطيب صالح مستاء جدا من الكيفية التي تمت بها الأمور، حيث كانت أشبه ما تكون بانقلاب دبر في ليل، وعندما علم بأن جزءا كبيرا من مستحقاتي حجز عليه حتى يتسنى للمؤسسة تحصيل الإعلانات وديون «الشركة المغربية للطباعة والنشر» التي أسستها «الشرق الأوسط» في المغرب، بادر إلى الاتصال بشخصيات سعودية وازنة، وأبلغها صراحة بأن هذا الأمر يشكل له حرجا شخصيا، وأنه يفكر جديا في التوقف عن الكتابة في «المجلة»، لكن عثمان العمير اقترح عليه أن يكتب رسالة إلى الأمير أحمد بن سلمان رحمه الله، رئيس مجلس إدارة الشركة آنذاك، حول الموضوع. وفعلا، كتب الطيب صالح تلك الرسالة يطلب فيها الإفراج عن مستحقاتي، وتزامن ذلك مع مبادرة أخرى قام بها الصديق محمد العربي المساري.
وماذا فعل المساري في هذا الصدد؟
- دعني أسرد عليك الوقائع كما جرت. يوم الجمعة 14 فبراير عام 1997، أقام محيي الدين عبد العزيز خوجة، السفير السعودي في الرباط آنذاك، والذي يتولى الآن منصب وزير الإعلام، مأدبة غداء على شرف عثمان العمير، وكان من بين حضورها محمد العربي المساري. أبلغني المساري بأنه انتحى جانبا بالعمير وأبلغه باستيائي الشديد من أني أصبحت أتلقى مكالماته عبر وسطاء، وكان المساري قد سألني قبل ذلك حول علاقتي مع العمير وموضوع المستحقات وشرحت له الوضع، كان رد العمير على المساري أن ذلك لم يحدث وأنه لا يزال يعتبرني صديقا، لكنه قطع الاتصالات بي بعد أن اتخذت إجراء قانونيا ضد الشركة، وعزمت على كتابة كتاب يسيئ إلى الصحيفة. وبالطبع، كان ذلك كذبا صريحا وأقاويل يرددها المدير الإداري للمكتب. كنت أقول، عندما يسألني الناس عن الأمر: «إذا كتبت كتابا عن تجربتي مع «الشرق الأوسط»، الأمر الذي لم يكن ذلك يجول في ذهني أصلا، فإنه سيكون كتابا مشرفا لي وللصحيفة لأنها كانت بالفعل تجربة ثرة ومتنوعة». ولأن العمير صدق بدوره حكاية ذلك الكتاب الوهمي، فقد طرح على المساري سؤالا مؤداه: «إذا أراد شخص أن يتخذ إجراء ضد حزب الاستقلال فهل ستوافق عليه»؟ وكان رد المساري أنه لن يشجع على مثل هذه المبادرة، بيد أن (المساري) شدد على ضرورة فصل النزاع مع الشركة عن العلاقات الشخصية. لكن كلام العمير كان مردودا عليه لأن اتصالاته بي توقفت منذ يوليوز 1996، ولم نلتق بعدها إلا لقاء عابرا في غشت من السنة نفسها في مارينا سمير قرب تطوان. بعد ذلك سيكتب المساري رسالة في 28 فبراير 1997، يطلب فيها تسوية موضوع المستحقات حبيا، وأبلغني بالأمر واستحسنت تلك المبادرة وشكرته عليها. وفي يوم الأربعاء 5 مارس 1997، اتصل بي المساري ليبلغني بأن العمير اتصل به بعد الرسالة التي وجهها إليه وأبلغه بأنه، أي العمير، سيكون خلال تلك الأيام في الرياض، وأنه يتعهد بإيجاد تسوية للموضوع، وأنه سيستدعيني شخصيا إلى لندن لاستلام مستحقاتي، وأن الأمر لن يستغرق أكثر من أسبوع، بشرط أن أبادر إلى تهدئة الأمور وألا يطلع على هذا الأمر أي شخص باستثناء المساري والعمير، وأبلغه المساري بأن طلحة جبريل ملتزم الصمت وأن الأمر سيبقى طي الكتمان.
وهل توصلتم إلى حل بعد هذه التدخلات؟
- تطلب الأمر بعض الوقت. في 9 مارس 1997، سيتصل بي الصديق عثمان ميرغني، مدير تحرير «الشرق الأوسط»، من لندن آنذاك، ليبلغني بأن العمير قرر أن يتدخل بالفعل على أن نلتزم جميعا الهدوء والكتمان، وهذا ما حدث بالفعل.
وفي أواخر أبريل من تلك السنة، تقرر أن أسافر إلى لندن للالتقاء مع العمير وحل الموضوع. وسافر معي إلى هناك الصديق ابراهيم اليوسي، الذي كان لي خير معين في تلك الفترة وأقرضني أكثر من مرة حتى أستطيع مواجهة متطلبات أسرتي. وبعد أن وصلت إلى لندن، أخذتني من جديد العزة بالنفس، كما يقال، وقلت للأخ العمير «لم آت إلى لندن حتى ندخل في مساومات، لذلك أي مبلغ يقترحه الصديق عثمان ميرغني سأقبل به، ونطوي هذه الصفحة». وهذا ما حدث، حيث وقعت على التسوية النهائية، وعدت إلى المغرب بعد بضعة أيام في لندن أقمت خلالها على حساب الأخ العمير في فندق «ماريوت» في العاصمة البريطانية.
ما هو سقف المبلغ الذي تقاضيته في هذه التسوية؟
- لم أتقاض المبلغ في لندن، بل كان علي أن أنتظر حتى الرابع من يوليوز 1997 لاستلام شيك من الأستاذ محمد كرم، وكان وقتها محامي «الشرق الأوسط». كان مبلغ التسوية في حدود 120 مليون سنتيم. وبعد خصم بعض الديون والضمانات البنكية التي كنت حصلت عليها من «الشرق الأوسط»، استلمت فعليا مبلغا في حدود 87 مليون سنتيم.
ماذا فعلت بالمبلغ؟
- سددت به الديون التي تراكمت علي خلال سنة، واشتريت شقة صغيرة (أستديو) ما لبثت أن بيعت بالمزاد لصالح البنك المغربي للتجارة الخارجية، أي أن المبلغ كله ذرته الرياح.
بعد التسوية، هل عرفت السبب الحقيقي لفصلك؟
- سأروي لك واقعة، وأقول لك استنتاجا ردا على هذا السؤال. أما الواقعة فتفاصيلها كالتالي: التقيت يوم الخميس 26 ديسمبر 1996 مع الأخ عبد الصمد بلكبير في فندق «شالا» في الرباط . وبلكبير صديق وعلاقتنا ظل يطبعها دائما الاحترام المتبادل. أبلغني عبد الصمد بأنه التقى مع عثمان العمير بمراكش في أكتوبر من تلك السنة، أي بعد حوالي ستة أشهر من مغادرتي «الشرق الأوسط» واستفسره عن أسباب إقالتي، فقال له العمير-وكان برفقة الصحافي حسن العلوي- إن هذا السؤال يحرجه، وأضاف قوله، وأنا هنا أنقل الكلام كما جاء على لسان بلكبير: «طلحة جبريل استطاع أن ينسج شبكة من العلاقات الواسعة مع المجتمع والدولة في المغرب، الأمر الذي فرض عليه مراعاة الجميع، وأدى ذلك إلى التأثير على مردوديته، ففكرنا في أن ينتقل إلى موقع آخر. وبما أنه صحافي من طراز رفيع، فقد واجهتنا مشكلة المكان الذي يمكن أن ينتقل إليه، وخشينا إذا اقترحنا عليه مكانا ما أن يرفضه. كان الغرض أن يعمل في أي موقع آخر، وبعد ذلك يعود إلى المغرب بعد ثلاث أو أربع سنوات. لكن حين لم نجد حلا، اضطررنا إلى فصله»، هكذا حرفيا. وقال بلكبير إن العمير أبدى استغرابه لتضخيم هذا الموضوع في المغرب. وقال له أيضا «إنه يتم التعامل مع مثل هذه الأمور في الغرب ببساطة، لكن الوضع يختلف في العالم العربي»، مؤكدا «أن الصداقة قد تضر بالعمل الصحفي». هذه هي الرواية التي سمعتها، رواية سردتها كما نقلت إلي، وهي رواية كما نلاحظ تختلف عن كل الذي قيل من قبل.
لكن لماذا وقفت الصحيفة ضدك في صراعك مع المسؤول الإداري الجديد بمكتب الرباط؟
- شخصيا، أعتقد أن الصحيفة واجهت مأزقا عندما اشتد الصراع بيني وبين المسؤول الإداري في المكتب، وكان لا بد لها أن تصل إلى حل، وكان طبعييا ومنطقيا أن تكون الشركة إلى جانب المسؤول الإداري، لأنه وببساطة سعودي، ولا يمكن أن تكون إلى جانبي، حتى لو افترضنا أنني على صواب، لأنني سوداني محسوب على المغرب، وهذه حقيقة لا يمكن القفز عليها.
لنرجع إلى عملك مع «يونايتد بريس»؟
- وكالة «يونايتد بريس أنترناشيونال» من أعرق وكالات الأنباء الأمريكية، لكنها تعرضت إلى عدة نكسات. كان يملكها مكسيكي، قبل أن تشتريها عام 1995 مجموعة «إم بي سي» التي كان مقرها في لندن آنذاك، وكانت على وشك الإفلاس. في تلك الفترة، شرعت في تقديم خدمة بالعربية. وكانت الوكالة تأمل أن يتحول مكتب الرباط إلى مكتب إقليمي يزودها بالأخبار والتقارير، إضافة إلى إنتاج أخبار متلفزة كما تفعل «رويترز» حاليا. وطلب مني العمل في هذا الاتجاه، لكن ذلك المشروع الطموح لم ير النور، واقتصر الأمر على مكتب صغير.
كم كنت تتقاضى آنذاك من هذه الوكالة؟
- تقاضيت راتبا متواضعا بلغ ألف دولار (في حدود 8000 درهم)، أي أقل من ثلث راتبي في «الشرق الأوسط». كانت تجربة بئيسة للغاية. لذلك عانيت في تلك الفترة معاناة شديدة، وعانى معي أطفالي أيضا معاناة كبيرة جدا، ولم أطلب مساعدة من أي أحد. كنت مضطرا إلى بيع سيارتي، واكتفيت بسيارة صغيرة من نوع «رونو 4»، كما اضطررت إلى بيع بعض أثاث شقتي، وأشياء شخصية.
والمفارقة أن هذه الوضعية ستتكرر حتى باتت قدرا، ما إن أتولى عملا في صحيفة حتى أغادرها مع تباين الأسباب، لأجد نفسي على حافة الهاوية. وكنت أتأمل هذه الظروف الغريبة، وأزداد يقينا بأنها «صحافة تأكل أبناءها»، صحافة لا تعطي لمن ينخرطون فيها بهمة وحماس وصدق شيئا يذكر.
ما الذي فكرت فيه فيما بعد؟
- في إطار بحثي عن موارد رزق إضافية، ارتكبت حماقة أعتبرها من أخطائي الفادحة، وأنا نادم عليها حتى اليوم، كان ذلك عندما أسست مع رشيد بن عتيق، وهو شقيق عبد الكريم بن عتيق، «شركة طوب للخدمات والاستثمار» على أساس أن تعمل في عدة مجالات، من بينها النشر، لكن تلك التجربة فشلت فشلا ذريعا، وتركت في ذمتي ديونا بلا حصر.
لماذا كانت حماقة؟
- ربما كانت أكثر من حماقة، لأنه ليست لدي دراية على الإطلاق بمجال الأعمال، أنا صحافي وكاتب، هذا هو مجال عملي، وحتى عندما عملت في مجال التدريس، سواء هنا في المغرب أو خلال الفترة التي كنت فيها في أمريكا، كنت أعمل في مجالي، أي تدريس الصحافة.
وكيف واجهت مصاريف الحياة بعد فشل مشروعك التجاري مع شقيق بنعتيق؟
- بكل موضوعية وبتجرد، صمدت في وجه الحياة بفضل دعم بعض الأصدقاء الأعزاء، أولهم الصديق العزيز منصور العيسي من السعودية، الذي لم يترك فرصة لمساعدتي إلا وبادر إلى القيام بذلك، إلى حد أنه كان يسدد حتى أقساط مدارس تعليم أبنائي. هو رجل من عملة نادرة، أي أولئك الذين ينطبق عليهم القول «رجل والرجال قليل». ثم هناك الصديق ابراهيم اليوسي الذي لم يقف إلى جانبي فقط، بل بحث لي عن عمل، وسأعود إلى تفاصيل ذلك. والشخص الثالث، وربما سيندهش كثيرون عندما يعرفونه، هو الكاتب الراحل محمد شكري، رحمه الله، الذي لم يكن يتأخر أو يتردد عندما أطلب منه قرضا. وفي بعض الأحيان كان يحضر شخصيا من طنجة إلى الرباط يحمل لي شيكا. والشخص الرابع هو الصديق أحمد بن جلون، الذي لم يتوان في تقديم قرض إلي عندما شعر بظروفي السيئة، وحتى دون أن أطلب منه ذلك.
هل اقترضت أموالا من بعض البنوك؟
- بالطبع اقترضت. أكثر من هذا عرضت شقتي للبيع في المزاد العلني بعد أن عجزت عن أداء فوائد هذه القروض. ومن الذين ساعدوني في هذا الجانب، الصديق عبد الحق الريكي الذي كان مديرا لأحد فروع «القرض الفلاحي». وكانت قروضي من ذلك البنك تتراكم وهموم الريكي، جزاه الله كل خير، تزداد. وقد تحمل ذلك بكل شهامة ومروءة الرجال. في تلك الفترة، أيقنت ألا أحد يتذكر لك ماضيا أو مجدا مهنيا، وبالتالي ينفض الناس من حولك. كان هاتفي لا يكف عن الرنين، وجاء وقت كدت أن أنسى فيه رنين الهاتف، باستثناء مكالمات أصحاب الديون.
كانت لديك علاقات وطيدة مع عدد من المسؤولين، لماذا لم تحاول الاتصال بهم لمساعدتك؟
- طلبت بالفعل قرضا من ثلاثة وزراء، كنت أظن أن علاقة الصداقة بيننا تتيح لي أن أطلب منهم قرضا، ولا أقول مساعدة.
من هم؟
- عندما يتعلق الأمر بمسألة شخصية لا تتوقع مني أن أذكر لك أسماء. لن أقول الأسماء على الإطلاق، وعلى أولئك السادة أن يطمئنوا. لست أنا من يشهر بالناس، هذه ليست تربيتي، وهي قطعا ليست أخلاقي.
. ما هي ملابسات انتقالك إلى العمل مع جريدة «الحركة»؟
- سأحدثك بالتفصيل عن تلك التجربة، وربما تستغرب إذا قلت لك إنها كانت أفضل تجربة لي على الإطلاق في الصحافة الوطنية على الرغم من حالة تناقض سياسية كنت أعيشها آنذاك. أثناء عملي في «الشرق الأوسط»، كانت تربطني علاقة جيدة بالدولة وبالمعارضة، لكن في تجربة «الحركة» وجدت نفسي رئيس تحرير صحيفة تعارض حكومة معظم وزرائها من أصدقائي، أو هكذا تخيلت، وأعني حكومة عبد الرحمن اليوسفي. بعض الناس قالوا في ذلك الوقت «لماذا قبل فلان هذا العرض»، لكنهم لم يكونوا يعرفون الحيثيات. أنا لم أسرق، لم أختلس، لم أرتزق ولم أكتب لصالح أحد أو أمجد أحدا طمعا في مال، كل كلمة كتبتها كنت مؤمنا بها. أتحدى كائنا من كان إلى يومنا هذا أن يقول إني أخذت منه درهما واحدا لقاء مادة صحافية كتبتها. ما تقاضيته خارج العمل الصحافي العادي كان فقط لقاء كتبي التي كتبتها، وفي هذا الصدد تقاضيت تعويضات من «الشرق الأوسط» ومن «الحياة» ومن مجلة «الوسط» ومن غيرها، لكن فقط لقاء كتبي.
نسيت أن تذكر «المساء» أيضا...
- قطعاً لم أنس، لكن كنت أتكلم عن الماضي. تجربة «المساء» ما تزال ماثلة. نعم، تقاضيت تعويضا من «المساء» لقاء هذا الكتاب الذي ينشر بصيغة حوار. هناك كثيرون يهتمون الآن بموضوع التعويض الذي دفعته لي «المساء»، ودائما أرد عليهم، كما هو مثبت في مقدمة هذه الحلقات، ب«أن الأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير الصحيفة، كان كريما إلى أقصى حد»، ومن يريد أن يعرف كم دفعت الصحيفة عليه أن يتصل بها، لكني أقول للقارئ بوضوح إن نصف قيمة الكتاب سددت قبل أن تكتب كلمة واحدة في هذه الحلقات، وأقول للذين تستهويهم مثل هذه الأخبار إن «المساء» سددت نصف المبلغ الآخر بعد أن نشرت عدة حلقات فقط من هذا الكتاب، بل أكثر من ذلك فوجئت بأنه حتى مبلغ مستحقاتي المتفق عليه بواسطة عقد موقع كان يزيد. ودعني أقول إن المبلغ الذي اقترحته على الأخ رشيد نيني وافق عليه دون أي نقاش. ولم يناقش معي أو يساوم علما بأنه من حقه ذلك، لأنه يدير مؤسسة وليس مالا خاصا، بل لا أنسى له عباره قالها: «إذا طلبت مليارا لدفعناه». وأكرر القول إن علاقتي بالمال سيئة جدا وإن شاء الله ستبقى سيئة إلى يوم الدين. وحاليا لا أملك مترا مربعا في أي مكان في العالم، ولا أريد. أقول دائما «أنا مشغول ببناء البشر وليس ببناء الحجر»، وأستغرب لهؤلاء الذي يبددون رحلة الحياة القصيرة في بناء الدور والعمارات ويتركونها في نهاية الرحلة إلى قبر لا يزيد على مترين تحت التراب.
قبل أن تبدأ العمل مع «الحركة»، هل تلقيت عرضا من أي جهة أخرى؟
- تلقيت بالفعل عرضا من الصديق عبد الباري عطوان، رئيس تحرير «القدس العربي». كان عبد الباري زميلا عزيزا قبل أن يؤسس «القدس العربي» وبقي كذلك، عملنا سويا في «الشرق الأوسط». كان من أوائل الذين عرضوا علي العمل. كان للصحيفة مكتب في الرباط يديره الصديق محمود معروف، ولم يكن العرض هو العمل انطلاقا من المغرب، بل كان يقضي بالانتقال إلى لندن. أتذكر أنه اتصل بي هاتفيا وقال لي بالحرف: «القدس العربي مفتوحة أمامك، إذا أردت لندن مرحبا بك، إذا أردت أن تذهب إلى أي مكان مرحبا، إذا أردت أن تبقى في المغرب وتكتب لنا في صفحة الرأي مرحبا». شكرت عبد الباري وقلت له «إن الناس ستظن أني قبلت العمل معكم، وأنتم لكم مواقف ناقدة لبعض الدول، بدافع الانتقام أو شيء من هذا القبيل، وأنا لا أريد أن يقال ذلك».
أفهم من كلامك أنك رفضت الاشتغال مع عبد الباري عطوان، الذي لا يتردد في مهاجمة النظام السعودي، حتى لا يقال «إنك تريد تصفية حسابات مع الشرق الأوسط»؟
- مؤكد، كان هذا الهاجس حاضرا، لأني كنت أخشى أن تؤول هذه الخطوة من طرف بعض «أصحاب الحسنات» الذين كانوا يتمنون نهاية درامية لمشواري المهني.
وماذا كان موقف زملائك في الصحافة العربية؟
- العديد منهم، في لندن وفي غير لندن، تعاطفوا معي، وتلقيت دعوات من بيروت إلى الكتابة. وأتذكر في هذا السياق أن الزملاء في صحيفة «الحياة» بادروا إلى نشر كتابي «على الدرب مع الطيب صالح» في حلقات وسددوا إلي مبلغا يعادل ثلاثة آلاف درهم لقاء كل حلقة، كان ذلك بمبادرة من الصديق محمد علي فرحات رئيس القسم الثقافي في الصحيفة.
ألم يكن هناك عرض من المغرب من غير صحيفة «الحركة»؟
-العرض الوحيد الذي تلقيته كان اقتراحا من الصديق أحمد الحليمي، الذي كان من أكثر الوزراء نفوذا في حكومة عبد الرحمن اليوسفي، وكان قوام ذلك العرض تصميم وإطلاق موقع للوزارة الأولى على الأنترنيت بالعربية، كان الصحافي حميد برادة قد تولى الإشراف على النسخة الفرنسية. الإشكال أن ذلك العرض جاء عبر القنوات الحكومية المعتادة، وهي قنوات يهيمن عليها الجانب البيروقراطي، وبدا لي وقتها أني سأبدد وقتا طويلا في إنجاز ما طلب مني، وبما أني لست موظفا حكوميا ولا يمكن أن أكون كذلك لأسباب معروفة، فقد اعتذرت عن قبول ذلك العرض.


[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.