الحلقة السابعة عشر : عندما غادرت صحيفة «الجمهور» في 12 يونيو 2002 مطروداً، وعلى الرغم من المرارة التي كنت أشعر بها، ألحت على خاطري فكرة هذا الكتاب كتاب يروي بالتفاصيل والوقائع، والأهم بالوثائق، تجربة العمل رئيساً لتحرير أربع صحف يومية، خاصة أنه بدا لي الكثير مما ألقي على الناس في وقت لاحق كان مجافياً لما عشته ورأيته بعيني وسمعته بأذني في زمانه ومكانه. وضعت تصوراً ذهنياً للكتاب، واخترت له عنواناً يقول «صحافة تأكل أبناءها». خلال تلك الرحلة المهنية وجدت أن معظم الذين تعاملت معهم لا يحبون الخسارة وليسوا جاهزين لها. ولا أزعم أو أدعي بأنني أحب الخسارة، لكنني كنت دائماً جاهزاً لها. بقيت فكرة الكتاب في مكانها، وفي كل مرة كانت تشغلني عنها مشاريع أخرى، ومشاغل لا تهدأ مع الحياة وتفاصيلها، والزمن وتصاريفه. من 12 يونيو2002 حتى 22 أبريل 2010، مرت حوالي ثمان سنوات. في ذلك اليوم وفي الخامسة مساء سألتقي بالأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير «المساء» ورئيس مجلس إدارة المجموعة التي تصدرها. تواعدنا أن يكون اللقاء في أحد فنادق الدارالبيضاء، على فنجان قهوة، لإغلاق صفحة وفتح صفحة جديدة. وأشهد الله أنه كان كريماً حيث طرح عدة اقتراحات على الطاولة، ثم اقترح إجراء حوار مطول ينشر في حلقات. وافقت من حيث المبدأ، إذ بدا لي أن كتاب «صحافة تأكل أبناءها» يمكن أن يخرج عبر هذه الصيغة المعدلة. كان الأخ رشيد نيني سخياً مرة أخرى، وهو يطلب تحديد المبلغ الذي ستدفعه الصحيفة لقاء هذه الحلقات. اقترح من جانبه أن يجري الحوار الزميل مصطفى الفن، وأن تتم الصياغة النهائية بالتراضي. هكذا شرعنا في العمل في مكتبي الشخصي بالرباط، وتحمل الأخ مصطفى الفن عناء التنقل من الدارالبيضاء إلى الرباط مرتين في الأسبوع وأحياناً أكثر، إلى أن اكتمل هذا العمل. في هذه الحلقات لم أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه، وإنما إلى أوراق مكتوبة في أوانها، تستعيد الوقائع كما جرت وبتفاصيلها. وأقول مجدداً إن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة. لم أرغب أن يكون هذا الكتاب نوعاً من كتابة «مذكرات» مع أني عشت الوقائع، إذ حرصت قدر الإمكان أن تكون هناك مسافة بين الوقائع والحياد المطلوب في روايتها. الثابت أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار، يصبح ليس شاهداً على وقائعها، وإنما يتحول في بعض الأحيان إلى طرف في صنعها. لم أقصد أن أكتب عن «حق» أو «باطل». وفي اعتقادي، عندما نكون على حق، لا يستوجب ذلك أن يكون رأينا مكتوباً أو صوتنا مرتفعاً. بقيت مسألة. يجب أن ينظر إلى هذه الحلقات باعتبارها مواضيع لملمها خيط ذاكرة متشعب مثل غصن استناداً إلى وثائق مكتوبة وصور موجودة وصوت مسجل. طلحة جبريل (صحافي سوداني مقيم في المغرب) [email protected]
لنتحدث الآن عن حدود معرفتك بالأمير مولاي رشيد؟ - لا أدعي معرفة بالأمير مولاي رشيد. التقينا في بعض المناسبات، لكن الأمر لم يتعد المصافحات. أول مرة التقيته كانت عام 1982، آنذاك كان يافعا. تم ذلك خلال مناسبة رياضية. في ذلك الوقت كان عبد اللطيف السملالي كاتب دولة في الشبيبة والرياضة، وكان يعمل في ديوانه الصحافي محمد علي الهواري، رحمه الله، ووجه لي دعوة لحضور مناسبة لها علاقة بالشبيبة والرياضة. فعلا ذهبت إلى هناك وصافحت الأمير مولاي رشيد فقط. بعد ذلك التقيته في عدة مناسبات ولقاءات عادية. ليست لدي معرفة بمحيطه ما عدا معرفة سطحية باثنين أو ثلاثة من الذين درسوا معه. وماذا عن معرفتك بالأمير مولاي هشام؟ - لم ألْتقِه قط. حتى عندما كنت في أمريكا؟ - كنت أسمع أنه موجود في مدينة قرب نيويورك، لكن لم تكن لدي معرفة به حتى نلتقي. طيب، لنعد إلى قصة الحوار مع الأميرة للا مريم.. - سبق أن قلت إني طلبت من الملك الحسن الثاني في يناير 1993 إجراء حوار معها ينشر في مجلة «سيدتي»، فوافق مشكورا على ذلك الطلب. وعندما حدد الموعد في أبريل 1993 مع الأميرة للا مريم ذهبت رفقة الأخ مطر الأحمدي، رئيس تحرير «سيدتي» آنذاك، وسميرة مغداد، مسؤولة تحرير «سيدتي» في المغرب، إلى حيث مقر إقامتها في حي السويسي بالرباط. كانت الأميرة للامريم قبل ذلك قد تلقت بعض الأسئلة مكتوبة، لأن الأمر كان يتطلب أجوبة دقيقة، خاصة حول المصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية. وكيف تم هذا اللقاء مع الأميرة للا مريم؟ - اتصل بنا مسؤولون من التشريفات الملكية وأبلغونا بالموعد. أتذكر أن مطر الأحمدي كان لطيفا جدا وهو يستهل ذلك الحوار بملاحظة طريفة. قال لها: «يا سمو الأميرة أنت تتكلمين في منتهى اللطف والرقة، وأنت ابنة ملك عظيم. ما الذي جاء بك إلى القوات المسلحة؟»، ضحكت الأميرة وقالت له: «هناك مكتب في القوات المسلحة هو الذي يتولى التفاصيل وأنا رئاستي من بعيد وليست لي علاقة بالعمل العسكري». بعد ذلك بدأت الأميرة للا مريم تتحدث عن اهتماماتها الحياتية وعن قراءتها، وتطرقت لتربيتها لابنها مولاي إدريس وابنتها للا سكينة، التي كانت تحظى بعطف شديد من طرف الملك الحسن الثاني، إذ كانت الحفيدة الأولى المدللة. وماذا كان دورك أنت في هذا الحوار مع الأميرة للا مريم؟ - أنا لم أشارك في الحوار. كنت فقط أستمع، وقد تولى الحوار معها كل من مطر الأحمدي وسميرة مغداد. كانت لوحدها؟ - لا، كانت معها سيدة أخرى، صافحتنا وجلست بعيدا. لا أستبعد أن تكون تلك السيدة من كتابتها الخاصة. أحضروا لنا حلويات ومشروبات وجلست معنا على نفس الطاولة. كانت الأميرة ترتدي الزي التقليدي المغربي. أعتقد بأنها المقابلة الأولى والأخيرة التي تجريها مع مطبوعة عربية أو حتى غير عربية. شخصيا، لم أسمع قط بأن الأميرة للا مريم أجرت حوارا مع أي وسيلة إعلامية. كم دام اللقاء معها؟ - دام فترة طويلة، لكن بما أن الحوار من أجل «سيدتي»، وكان هناك رئيس تحرير المجلة ومسؤولة التحرير في المغرب، لم أسجل ملاحظاتي، كما هي عادتي حتى اليوم، عندما غادرنا إقامة الأميرة للا مريم. أتذكر أنه عندما نشر الحوار لقي استحسانا وترك أصداء طيبة، خاصة أنها المرة الأولى التي يقرأ فيها المغاربة حوارا صحافيا للأميرة. وقد تعززت كثيرا الثقة في المؤسسة وإصداراتها. ننتقل الآن إلى الحديث عن شخصيات كانت حول الملك الحسن الثاني، ثم شخصيات حول الملك محمد السادس. دعنا نبدأ بعبد الهادي بوطالب؟ - تعرفت عليه عن قرب حين انتخب مديرا عاما للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (أيسيسكو) عام 1982. كان التأسيس الفعلي للمنظمة في فاس في مارس 1979، ومنذ ذلك الوقت كان معروفا أن مقر المنظمة سيكون في المغرب، وأن عبد الهادي بوطالب، الذي كان أبعد عن الدائرة القريبة من الملك الحسن الثاني، سيكون هو أول مدير عام للمنظمة، بترشيح من الملك الحسن الثاني نفسه. أوليت، شخصيا، اهتماما كبيرا بأنشطة المنظمة، وتوثقت علاقتي ببوطالب من خلال هذا الاهتمام. أجريت معه عدة حوارات. كنا شرعنا في نشر مذكراته في «الشرق الأوسط» ومقالات في صفحة الرأي، ولم تكن علاقته بالملك آنذاك على ما يرام، وهو، رحمه الله، قدر جدا تلك المبادرات. عندما توثقت علاقتي به كنت أسمع منه الكثير من الأمور التي يمكن أن تعتبر من الأسرار، خاصة أنه أصبح يحضر مجالس الملك، على الرغم من أنه لم يسترجع لقب مستشار إلا عام 1992، ولم يبق فيه سوى أربع سنوات حيث أعفي من منصبه عام 1996. ألم يتحدث إليك عبد الهادي بوطالب عن سر «التوتر» الذي شاب علاقته بالحسن الثاني؟ -على أي حال، عبد الهادي تحدث بنفسه عن علاقته بالملك الحسن الثاني في أكثر من مناسبة، كما تحدث عن هذه العلاقة في صعودها وهبوطها في مذكراته «نصف قرن في السياسة». وفي هذا الصدد أتذكر من بين الأمور التي رواها لي أنه في إحدى المرات طلب الملك الحسن الثاني رأيه في مسألة أن تكون سن ولي العهد في الدستور 16 سنة، وأبلغه أنه يعتزم الدعوة لاستفتاء في هذا الشأن، وكان رأي بوطالب معارضا لهذا التوجه، وقال للملك: «يا جلالة الملك كنت دائما ترفض اقتراح الأحزاب بأن تكون سن تصويت الناخبين هي 18 سنة، والآن ستطلب منهم أن يصوتوا على تعديل دستوري لتصبح سن ولي العهد 16 سنة. أعتقد أن في ذلك تناقضا». وروى لي بوطالب أن الملك غضب غضبا شديدا، وقال له: «أنت لم تنس قط أنك كنت مع المعارضة»، في إشارة إلى الفترة التي كان فيها بوطالب إلى جانب المهدي بن بركة في تأسيس «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية». وقال بوطالب إن غضب الملك بلغ حد أن أمره بمغادرة الديوان الملكي فورا. كما روى لي أنه في مرة أخرى قال أيضا رأيا مخالفا، وعندما غضب الملك، قال له: «اعتبرني في مرتبة والدك»، وهو ما جعل الملك يستشيط غضبا، وقال له إن لديه أبا واحدا هو الملك محمد الخامس، وطرده مجددا من مجلسه. إلى أي حد توطدت علاقتك بعبد الهادي بوطالب؟ - نعم، توطدت علاقتنا كثيرا، وتعاملنا تعاملا صادقا، وأنا شخصيا استفدت كثيرا من نصائحه. وفي كثير من الأحيان كان الملك الحسن الثاني يقول له: «اتصل بأصدقائك في «الشرق الأوسط» واطلب منهم نشر هذا الخبر أو ذاك». وأقول صادقا إن أخبارا مهمة وموثوقة حصلت عليها من عبد الهادي بوطالب. في مارس 1990، انعقد في الرباط المؤتمر التاسع للتحرير، وكان آخر مؤتمر سنوي تعقده المجموعة التي تصدر «الشرق الأوسط»، حيث دأبت المجموعة على عقد مؤتمر سنوي كل مرة في عاصمة من العواصم. وكان يحضر هذه المؤتمرات رؤساء تحرير جميع الإصدارات وكبار المسؤولين الإداريين ومدراء مكاتب المؤسسة حول العالم. أتذكر أن جميع المسؤولين في الدولة قاطعوا حفل الاستقبال، الذي نظم في فندق «هيلتون» بالرباط، بتوجيه من إدريس البصري، وكان عبد الهادي بوطالب الشخصية الوحيدة التي حضرت الحفل. كانت العلاقة به مفيدة جدا، سواء على مستوى الأخبار أو شرح الأوضاع السياسية. وكنت عندما أحتاج إلى تحليل لقضية ما تهم الدولة المغربية، ألجأ إليه فلا يبخل علي بما يعرف. نرجع إلى آخر خلاف لعبد الهادي مع الحسن الثاني؟ - كان ذلك في عام 1996 طبقا لما سمعته منه، وأعتقد أنه كتبه ورواه بعد ذلك في أكثر من لقاء. دار بينه وبين الملك الحسن الثاني نقاش حول أمر داخلي، ويبدو أنه اختلف معه في رؤيته للأمر، فغضب عليه الملك وأصدر أمرا بعزله، ونشر قرار بذلك في «الجريدة الرسمية»، وبعد فترة تراجع الحسن الثاني عن ذلك القرار، وأوفد إليه عبد الوهاب بنمنصور، رحمه الله، وأبلغه أنه إذا أراد العودة إلى منصبه فعليه أن يعلن توبته، فكان رد عبد الهادي بوطالب أن التوبة لا تعلن إلا لله، وبقيت الأمور هكذا إلى أن توفي الملك الحسن الثاني، وأبلغني أنه بعد تولي جلالة الملك محمد السادس الحكم، أوفد إليه رشدي الشرايبي ليعود إلى منصبه مستشارا، لكنه اعتذر وقال إنه سيبقى رهن إشارة الملك في أي عمل، لكن دون أن يشغل أي منصب. هل صحيح أنه طلب منه مغادرة الديوان الملكي بدون سيارة؟ - ما سمعته من عبد الهادي بوطالب أنه طلب منه مغادرة الديوان الملكي، لكن لا أعرف هذه التفاصيل. سبق لعبد الهادي بوطالب أن زار إيران؟ - أتذكر ذلك. يقال إنه جاء بوجهة نظر لم يتقبلها الملك الحسن الثاني. هل الأمر كذلك؟ - لا أعرف تفاصيل هذه الواقعة. ما أعرفه أن الملك الحسن الثاني كان يطلب من عبد الهادي بوطالب أن يقدم له ارتساماته، هذا ما سمعته من بوطالب. كان يتمتع بدقة الملاحظة، ولديه قدرة على رسم صور دقيقة جدا، وبالتأكيد كان الملك يستفيد من هذه الملاحظات. لنتحدث عن شخصيات قريبة من الملك محمد السادس. هل التقيت بياسين المنصوري عقب اللقاء الذي تحدثت عنه؟ - طبعا التقيت به كثيرا عندما أصبح مديرا عاما لوكالة المغرب العربي للأنباء، وحتى حينما كانت له مسؤولية في وزارة الداخلية التقيته أكثر من مرة، لكن كانت لقاءات عابرة. هو بطبعه إنسان خجول وودود وفي منتهى الطيبوبة. لكن منذ أن تولى مهامه مديرا لجهاز مكتب الدراسات والتوثيق (لادجيد) لم نلتق. بالطبع الوضع اختلف بعد ذلك، فهو الآن رجل دولة ولديه مسؤوليات ضخمة، وأدرك انشغالاته. أقول مجددا إن الذي وطد علاقتي بياسين المنصوري هو حسن أوريد، وما جعل هذه العلاقة متميزة هو اهتمام ياسين المنصوري بالأدب والتراث والشعر الجاهلي. أنا شخصياً مولع بالشعر الجاهلي، وفي ظني أن الذي لا يتذوق الشعر الجاهلي ولا يعرف معانيه ودلالاته، لا يعرف اللغة العربية. أنا أحب جدا المعلقات، خاصة معلقة امرئ القيس، وسميت ابني «امرؤ القيس» لهذا السبب. أثناء لقاءاتك بياسين المنصوري، ما هو النقاش الذي كان يدور بينكما؟ - دعني أحكي لك واقعة تعود إلى عام 2002. كان المنصوري وقتها مديرا عاما لوكالة المغرب العربي للأنباء، وكنت أتولى آنذاك رئاسة تحرير صحيفة «الجمهور»، فطلبت تدخله لنحصل على خدمات الوكالة بسعر مخفض، ورد علي مازحا «يا طلحة أنت لا تتعب من إصدار الصحف؟ في كل مرة بعد عام أو عامين تتصل بي من صحيفة تريد وكالة بسعر مخفض». وأجبت بدوري على المزحة قائلا: « أنا لا أتعب، لكن الذي يحدث أنهم يتعبون مني بسرعة ويطردونني، فأضطر لإصدار صحيفة جديدة». لكن الحق يقال إنه كان دائما يكن لي تقديرا ومودة كصحفي. وهل كانت لك نقاشات سياسية مع ياسين المنصوري؟ - أقول لك صراحة إنه إنسان كتوم جدا، ونقاشاتنا كانت تدور حول الثقافة والأدب والشعر وليس السياسة. أنا دائما أعرف ما هي حدود النقاش مع أي شخص، خاصة إذا كان في موقع المسؤولية. لننتقل الآن إلى حسن أوريد بعد أن تحدثنا في وقت سابق كيف تعرفت عليه. - بعد أن خرجت من «الشرق الأوسط» في أبريل عام 1996، توقف أوريد عن الكتابة في صفحة الرأي. أتذكر أني طلبت من زملاء في صحيفة «الحياة» أن يكتب معهم، قلت لهم هذا قلم جيد يمكنكم الاستفادة منه. ولماذا أوقف أوريد كتاباته في «الشرق الأوسط»؟ - لا أعرف الملابسات على وجه الدقة. سمعت أنه أرسل مقالا ولم يهتموا به، بعد ذلك انشغل بإنشاء مركز طارق بن زياد. لكن كنا نلتقي بانتظام عقب خروجي من «الشرق الأوسط». هل صحيح أنك كنت وراء زواج حسن أوريد بالصحافية نجاة فالق؟ - لست أنا، بل لعله القدر عندما ينسج مصادفاته. دعني أحكي لك القصة. بعد حوالي شهر من مغادرتي الصحيفة عملت مديرا لمكتب وكالة «يونايتد بريس إنترناشونال»، كان للوكالة مكتب في حي أكدال في الرباط، وكنا نحتاج إلى محررة خريجة أدب إنجليزي تتقن الكتابة بالإنجليزية. لذلك نشرنا إعلانا في بعض الصحف، وتقدمت مجموعة من الخريجات لشغل الوظيفة، ووقع الاختيار على شابة درست الأدب الإنجليزي ومتمكنة من الفرنسية والعربية وطبعا الإنجليزية، عملت معي محررة في المكتب في شارع الأبطال في أكدال. كان حسن أوريد يزورني بين الفينة والأخرى، ومن خلال هذه الزيارات تعرف على زميلتي نجاة فالق، وفهمت أنهما قررا الارتباط ببعضهما، وقلت له: «اخترت بنتا فاضلة جدا ومن أسرة كريمة، وهي فعلا تستحقك وأنت تستحقها»، ومن محاسن الصدف أنهما تزوجا. مؤكد أني سعدت وتحمست كثيرا لهذا الارتباط. أعتقد أن فأله كان حسنا عليهما، ولديهما حاليا ثلاثة أطفال، هم إسماعيل وسامية وخديجة. وآخر مرة التقيت بحسن أوريد كانت في ورزازات في نوفمبر من العام الماضي. كان متداولا في ذلك الوقت بأنه سيعين في منصب رفيع، وبالفعل عين بعد ذلك في منصب «مؤرخ المملكة». كما أني على اتصال بزوجته، وهي سيدة فاضلة، لكن مشاغل الحياة التي لا تهدأ لا تترك لنا متسعا من الوقت. ألم يحكِ لك أوريد قصة خلافه مع محمد بن عيسى أثناء اشتغاله في السفارة المغربية بواشنطن؟ - بكل صراحة لم يحدث ذلك. أوريد صديقي ومحمد بن عيسى صديقي، وطريقتي إذا كان هناك خلاف بين شخصين أرتبط معهما بصداقة، لا أسألهما، وإذا استطعت أن أصلح بينهما أفعل. وفي هذه المناسبة، سأروي لك واقعة طرفاها هما حسن أربعي وعبد الصمد بلكبير. كانت صحيفة «أصداء» تشن حملة شعواء ضد عبد الصمد بلكبير، وكان وقتها نائبا في البرلمان عن مدينة مراكش، وعضوا قياديا في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي سيندمج بعد ذلك في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. ربطتني علاقة صداقة مع أربعي وبلكبير، فذهبت إلى حسن أربعي وقلت له: «جئتك في وساطة وأتمنى ألا تردني خائبا»، فسألني: «ما هي؟»، قلت له: «أنت تعرف بأني سوداني وينطبق علي قول المتنبي «لا خيل عندك تهديها ولا مال»، و«تعرف أيضا أني من بلد فقير تمزقه الحروب وتعصف به الأزمات، لذلك لن تجلب لك هذه الوساطة فائدة ترجى، لكنها وساطة الفقراء لذلك هي وساطة لا ترد». واقترحت عليه أن نلتقي حول فنجان قهوة في فندق شالة بالرباط، وأبلغته بأن «عبد الصمد بلكبير الذي تشنون عليه حملة شعواء سينضم إلينا، وطلبي لك إيقاف تلك الحملة». وفعلا وفي جلسة ودية، تمت تسوية كل شيء. وراح الصديق أربعي يتفكه بهذه الواقعة ويمزح قائلا: «فلان غلبني حينما قال إن وساطة الفقراء لا ترفض، وكل من لديه مشكلة يذهب إليه ليتوسط». في السياق نفسه، أتذكر أن صحيفة «الأحداث المغربية» كانت تشن حملة ضد الصديق إدريس المريني عندما كان رئيسا لقسم الإنتاج في التلفزة، ووصلت الأمور إلى المحاكم، فاقترحت على محمد البريني تجاوز ذلك الخلاف وإلغاء المتابعات القضائية، وفعلا تجاوب مشكورا، وساعدني في تهدئة الأمور الصديقان محمد كرم وعبد الرفيع الجواهري، وتم الصلح على دعوة عشاء في «مطعم الشاطئ» بالرباط. وحضر تلك الجلسة كل من محمد البريني وإدريس المريني والأستاذين كرم والجواهري ورئيس تحرير الأحداث المغربية وقتها عبد الكريم الأمراني. لكن لماذا لم تقم بالأمر نفسه في هذا «الخلاف» بين محمد بن عيسى وحسن أوريد؟ - بعض الناس قالوا لي أنت تربطك علاقة جيدة مع محمد بن عيسى وحسن أوريد، لماذا لا تبادر، فقلت إن الأمر يتعلق بشخصيتين لهما موقعهما داخل الدولة، وهذا أمر أكبر مني بكثير. ولحسن الحظ أن ذلك الخلاف أصبح الآن في عداد حكايات الماضي. ألم يتحدث معك بن عيسى حول هذا الموضوع؟ - على الإطلاق. لم يسبق أن تحدث معي في هذا الموضوع، والأمر نفسه ينطبق على حسن أوريد، ومن جانبي لم أتطرق إليه معهما قط. هل استمرت علاقتك بأوريد بعد أن عين ناطقا رسميا باسم القصر الملكي؟ - سأقول لك شيئا لم يسبق أن تطرقت إليه من قبل. عندما عين حسن أوريد في غشت عام 1999 ناطقا رسميا باسم القصر الملكي، كان أول شخصية يعين في منصب رفيع في عهد الملك محمد السادس، ونعرف أن الذي عجل بتعيين أوريد هو تصريحات كان أدلى بها خالد عليوة، الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الشغل والناطق الرسمي باسم الحكومة، حول زواج الملك، ولأنها كانت تصريحات متسرعة وغير دقيقة، يبدو أنه تقرر أن يكون هناك متحدث رسمي باسم القصر الملكي. كانت الإشارة واضحة: يجب ألا يخوض الوزراء أو المسؤولون الآخرون في أمور تتعلق بالملك. عندما سمعت بتعيين أوريد بادرت إلى الاتصال بزوجته وعبرت لها عن سروري البالغ بالخبر، وقلت لها: «ربي سبحانه وتعالى أنصفكم الآن». وكان أوريد قبل تعيينه ناقش أطروحته لنيل الدكتوراه في كلية الحقوق بالرباط، وحضرت شخصيا تلك المناقشة. أتذكر أني اتصلت بأوريد في اليوم التالي، وعاتبني قائلا: «كنت أتوقع أن تكون من أوائل المهنئين لي»، فقلت له صادقا: «أنت الآن أصبحت تشغل منصبا رفيعا في الدولة، وأنا على يقين بأن هاتفك لن يكف عن الرنين، لذلك ارتأيت أنه من الأفضل أن أتصل بك في وقت لاحق». بعد ذلك ذهبت عنده أكثر مرة في منزله بحي الرياض، لكن بعد فترة قصيرة قدرت شخصيا حساسية الوضع. أنا صحفي واللقاء مع الناطق باسم القصر الملكي ربما تكون له حساسيته. عندما كنت ألتقي بحسن أوريد الديبلوماسي في وزارة الخارجية، كان الأمر عاديا، أما بعد ذلك فقد اختلف الوضع. كما أني قدرت انشغالات الرجل، لذلك لم نعد نلتقي كما في السابق، لكن ظلت العلاقة متصلة. كما أني حضرت له في أكثر من مرة ندواته الصحفية عندما كان ناطقا باسم القصر الملكي.