على مدى الخمس وعشرين سنة الماضية، لم يبرع أحد في نشر أسرار المشاهير والنجوم وشخصيات المجتمع العالمية كما فعلت الإعلامية الأمريكية أوبرا وينفري، التي اعتبرها البعض أكثر الشخصيات الإعلامية تأثيرا في تاريخ التلفزيون... استطاعت الإعلامية ذات الأصول الإفريقية أن تشق طريقها، بنجاح مبهر، لتجعل مشاهير العالم يكشفون عن أسرار حياتهم العاطفية ويميطون اللثام عن ماضيهم المؤلم، بل ويعترفون حتى بأخطاء ماضيهم ويواجهون أكبر هواجسهم. وفي المقابل، كانت أوبرا منفتحة دوما مع جمهورها حول تفاصيل قصة حياتها والاعتداءات الجنسية التي تعرضت لها، في صغرها. كما كانت صريحة جدا في ما يتعلق بعلاقاتها العاطفية، ومشاكل وزنها الزائد ومعتقداتها الدينية وحتى تبرعاتها الخيرية ورؤيتها للعالم، ككل. في هذه الحلقات المشوقة، تقوم الكاتبة والمحققة الإعلامية المثيرة للجدل، كيتي كيلي، بسبر أغوار قصة حياة أوبرا وينفري ومسيرة نجاحها المهني، من خلال كتابها المثير «أوبرا: سيرة حياة»، مستقصية، بحس نقدي عالٍ، القصصَ التي ترويها أوبرا عن تفاصيل حياتها وعلاقاتها بأفراد أسرتها وشركاء عملها. وباختصار، سيكتشف القارئ، من خلال هذا الكتاب، وجهاً آخرَ لحياة الإعلامية المشهورة، يؤكد أن أوبرا لم تُلقِ بعدُ بكل ما في جعبتها من أسرار... بالإضافة إلى براعتها في استخدام الحكايات التي ترويها عن الفقر والعوز الذي كانت تعيشه في بيت جديها، قبل أن تلتحق ببيت والدتها في «ميلواكي»، كانت أوبرا وينفري بارعة جدا في استخدام ورقة العِرْق واللون أيضا، لإمتاع جمهورها من المتفرجين وتوسيع قاعدتهم... فقد قالت أوبرا عن مكان ولادتها في 29 يناير 1954 في ولاية ميسيسيبي، إنه أكثر بقعة تواجه مشكلة العنصرية العرقية في أمريكا. وكانت تقول عن ترعرعها في بلدة «كوسكيسكو» في ولاية ميسيسيبي: «كانت بلدتنا صغيرة جدا إلى درجة أنه يمكنك أن تبصق وتغادر البلدة قبل أن تصل البصقة إلى الأرض، من شدة صغرها»... كان عدد سكان البلدة يبلغ 6700 نسمة، وقد ولدت أوبرا وينفري في منزل جديها الخشبي خارج حدود المحافظة هناك. كانت أوبرا تقول إنه كان هناك الكثير من الملونين الذين يعيشون خارج حدود المدينة، حيث لا توجد مياه جارية للشرب. وقد كان هذا يعني أن عليهم جلب المياه من الآبار من أجل الشرب والاستحمام. وكانت تروي كيف أنها كانت، كل ليلة، تصلي لله لكي يهبها قَصّة شعر مصفَّفة، مثل شيرلي تيمبل -وهي ممثلة أمريكية صغيرة شقراء حينها- «كنت أريد لشعري أن يكون مثل شعرها، بدل الزيت الذي كان يوضع في شعري لتسهيل عمل الضفائر». وقد اعترفت أوبرا، في إحدى المرات، أمام المذيعة المشهورة باربرا والترز: «نعم أعترف... لقد كنت أود فعلا أن أصبح طفلة بيضاء البشرة. وبما أنني ترعرعت في ولاية ميسيسيبي، فقد اعتقدت أن الأطفال البيض كانوا محبوبين أكثر وأنهم كانوا يحصلون على أكثر مما يحصل عليه الأطفال السود والملونون، حتى إن آباءهم كانوا يتعاملون معهم بلطف أكثر. وكنت أرغب، بشدة، في هذا النوع من الحياة»... غير أن أخت أوبرا، باتريسيا لويد، نفت في ما بعدُ أسطورةَ الفقر المدقع الذي كانت أوبرا تدّعي أنها عاشت في أوحاله، فقد قالت للصحافيين: «بالطبع لم نكن أغنياء في ذلك الوقت، ولكن أوبرا بالغت كثيرا في وصف وضعنا، ربما لتكسب تعاطف المشاهدين وتوسع نطاق جمهورها.. لم يكن لدى أوبرا صرصاران تربيهما كحيوانات أليفة، كما كانت تحكي، بل كان لديها كلب وقطة بيضاء أيضا وسمكة «أنقليس» موضوعة في حوض من السمك، بل وببغاء كانت تسميه «بو- بيب» وتحاول تعليمه كيفية النطق»!.. في عام 1997، كانت أوبرا وينفري التي بلغت حينها ال43 عاما، قد أجرت حوارا مع مجلة «لايف» الشهيرة، وخلال المقابلة، انهارت أوبرا وبدأت تبكي، متأثرة بالطفولة المأساوية التي عايشتها، مما دعا الصحافية التي أجرت المقابلة إلى كتابة المقدمة التالية: «كانت أوبرا طفلة مهيضة الجناح بين قريناتها من الفتيات، فقد وُلدت هذه الطفلة الفقيرة، نتيجة علاقة غير شرعية، في الجنوب المعزول في مزرعة في بلدة صغيرة في ولاية ميسيسيبي. وقد قضت سنواتها الست الأولى هناك، حيث تخلت عنها أمها الحقيقية».. لم يكن الجميع في عائلة أوبرا راضين عن هذا التصوير المأساوي لحياة أوبرا بينهم. فقد كانت والدة أوبرا، فرنيتا لي، تقول عندما تُسأل عن ميل أوبرا الواضح نحو تأزيم ماضيها: «نعم.. أوبرا تتعمد المبالغة قليلا، في ما يتعلق بماضيها!».. أما مؤرخة العائلة، كاثرين كار إسترز، ابنة عم أوبرا التي كانت تدعوها «العمة كاثرين»، فلم تتّسم بدرجة التسامح التي امتازت بها والدة أوبرا، فقد كانت صارمة في نفي أي معلومات اعتقدت أن أوبرا كانت تكذب أو تبالغ بشأنها. تقول كاثرين: «مع أخذ كل شيء في الاعتبار، فإن تلك السنوات الست التي قضتها أوبرا مع جديها كانت أروع شيء يمكن أن يحدث لفتاة من أسرة فقيرة... لقد ترعرعت أوبرا بيننا وكانت الطفلةَ الوحيدة، ولهذا فقد كانت مركز اهتمام كل أفراد العائلة: جديها وخالاتها وأعمامها وحتى أولاد عمومتها، وطبعا، أمها التي لا تذكر أوبرا أبدا أنها كانت إلى جانبها يوما بيوم على مدى أربع سنوات ونصف بعد ولادتها، قبل أن تسافر إلى مدينة ميلواكي لإيجاد فرصة عمل أفضل... لا أعرف من أين أتت أوبرا بكل هذا الهراء حول كونها تربّتْ بين الأوساخ والقاذورات؟! ليس لدي أدنى فكرة.. لقد كان بيت جدتها شديدَ النظافة، دوما، وكان بيتا خشبيا يحتوي على ست غرف، مع غرفة معيشة كبيرة في منتصفها مدخنة وكراس هزّازة. كما كان البيت يحتوي على ثلاث نوافذ كبيرة مغطاة بستائر بيضاء على الطراز القديم. وكانت غرفة الطعام مليئة بالأثاث المصنوع على الطراز الإنجليزي»... في سن التاسعة والسبعين، كانت كاثرين كار إسترز تجلس على الكرسي المقابل لبيتها الصيفي في بلدة «كوسكيسكو» في عام 2007 مع صديقتها جويت باتل، وهي تسترجع سنوات أوبرا وينفري الأولى في ميسيسيبي: «عليك أن تعرفي أنني أحب أوبرا وأحب كل الأعمال الخيِّرية التي تقوم بها من أجل الآخرين، لكنني غير قادرة على فهم الأكاذيب التي ترويها.. لقد استمرت في الكذب لسنوات حتى الآن!».. كانت صديقة كاثرين، السيدة باتل، تقول: «حسنا.. إن قصص أوبرا فيها جزء من الحقيقة، غير أنني اعتقد أنها تقوم بتغيير الوقائع في القصص لكي...».. بيد أن كاثرين سرعان ما تقاطعها قائلة: «إنها ليست قصصا.. إنها أكاذيب. أكاذيب محضة.. أوبرا تقول لمشاهديها طيلة الوقت إنها وابنةَ المغني المشهور إلفيس بريسلي، ليزا ماري، ابنتا عمومة وهذه كذبة فاضحة... نعم لدينا في العائلة أفراد من عائلة بريسلي ولكنهم لا يمتُّون بصلة إلى إلفيس بريسلي.. وأوبرا تعرف ذلك، غير أنها تصر على أنها وإلفيس بريسلي أبناء عمومة لكي تغير من حقيقة ما هي عليه».. كانت السيدة إسترز مُصرّة على تصحيح كل ما تعتبره تحريفا لتاريخ عائلة أوبرا وينفري وما تعتقد أنه أمور اختلقتها من أجل جذب الجمهور والمشاهدين والتنكرللحقيقة...