في تصرف ليس الأول من نوعه، عمدت دورية بحرية تابعة للحرس المدني الإسباني، يوم الجمعة الماضي، إلى إلقاء ثمانية مهاجرين أفارقة غير شرعيين في عرض البحر، بعيدا عن شاطئ بليونش، أثناء محاولتهم الوصولَ بحرا إلى الشواطئ الإسبانية. وذكر المهاجرون الثمانية في تصريحات ل»المساء»، ساعة بعد وصولهم إلى قسم المستعجلات في مستشفى محمد السادس في الفنيدق، أن عناصر الحرس المدني الإسباني اعترضوا زورقهم في عرض البحر، حيث أقلَّتهم دوريتهم، قبل أن ترميهم في عرض البحر، بمبرِّر بُعد المسافة عن الشاطئ، مما عرَّض حياتهم لخطر والموت غرقا. وأكَّد المهاجرون الثمانية «التصرفات العنصرية الإسبانية ضدهم والتخلي عنهم في عرض البحر، ضدا على كل المواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بحماية حقوق المهاجرين غير الشرعيين والبروتوكولات القانونية الدولية ذات الصلة». وقد ندَّد المغرب بتصرف الحرس المدني الإسباني، عبر تعريض حياة مواطنين عُزَّل للموت غرفا في عرض البحر، حيث أفاد بلاغ صادر عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون بأنه «أمام هذه الوضعية الشاذة واللا إنسانية»، تدخلت السلطات الإقليمية لعمالة المضيق الفنيدق من أجل إغاثة ونقل هؤلاء المهاجرين إلى المستشفى الإقليمي لتقديم المساعدات الطبية والمستعجَلة لهم والتكفُّل بهم. كما نددت الحكومة المغربية «بكل أسف واستغراب، بهذا التصرف اللا إنساني، الذي يتنافى واحترام كرامة وحقوق الإنسان والاتفاقيات الثنائية المبرَمة بين البلدين في ميدان تدبير الهجرة»، والذي يعكس في الواقع «النزعة العنصرية التي تطبع تدخُّلات الحرس المدني الإسباني». ويضيف البلاغ الحكومي المغربي أن «حكومة صاحب الجلالة تندد، بشدة، بهذه التصرفات اللا إنسانية واللا مسؤولة». كما دعا البلاغ الدولةَ الإسبانية إلى اتخاذ كافة التدابير من أجل تفادي هذه التصرفات التي لا تخدم مصلحة البلدين الجارين. ومن جهته، ذكر مدير مستشفى الحسن الثاني في الفنيدق ل«المساء» أن قسم المستعجلات استقبل، صباح يوم الجمعة، ثمانية (8) مهاجرين من دول الساحل، في حالة صحية متدهورة، جلهم كانوا يعانون من حالة نفسية متدهورة ومن انخفاض شديد في درجة الحرارة، وثلاثة منهم مصابون بخدوش ورضوض متنوعة ويعاني اثنان من اجتفاف في الجسم. كما صرح المهاجرون بأنهم «قضوا ثلاثة أيام في عرض البحر قبل أن تعترضهم دورية بحرية تابعة للحرس المدني الإسباني ن حيث تخلصت منهم وكذا من أمتعتهم في عرض البحر على مستوى شاطئ بليونش»، مؤكدين تعرُّضَهم «لمعاملة سيئة وللشتم من قِبَل العناصر الأمنية الإسبانية». من جهتها، لم تتردد وسائل الإعلام الإسبانية في الدفاع عن تصرفات الحرس المدني الإسبانية، واصفة المغرب ب«الجار المزعج وذي المزاج المتعكر»، فيما ذكرت وكالة «إيفي» الحكومية الإسبانية للأنباء أن «الحرس المدني تفاجأ من اتهامات المغرب لهم»... من جهة أخرى وافقت الحكومة الإسبانية مؤخرا على منح مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل، الذي يرأسه الفاعل الحقوقي عبد السلام بوطيب، منحة مالية هامة لإجراء أبحاث معمقة حول المقابر الجماعية والفردية للمغاربة الذين أقحموا في الحرب الأهلية الإسبانية ما بين 1936 و1939، والذين قدر عددهم، وفق إحصائيات للمركز، ما بين 180 و480 ألفا، من ضمنهم ما لا يقل عن 9000 طفل دون سن المشاركة في خوض الحروب. وقال عبد السلام بوطيب رئيس المركز في اتصال هاتفي أجرته معه «المساء» إن «هذه المنحة المالية لم تمنح فقط للمركز، بل لمؤسسات جامعية وحقوقية مغربية وإسبانية» رافضا تحديد قيمتها بدعوى أنه» ليس الأهم في هذه الظرفية قيمة المنحة، بل الدلالات التي تنطوي عليها، من حيث هي اعتراف سياسي صريح من طرف الجار الشمالي بهذا الخطإ التاريخي». وأبرز بوطيب وهو يتحدث عن دلالات المنحة أن «إسبانيا تريد من خلال هذه المبادرة الإسهام من جانبها في معالجة مشكل إقحام المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية، الذي يؤثر بشكل سلبي على العلاقة بين الجارين، ويعمق الصورة السلبية التي نحتت في المخيال الجمعي للمغاربة حول الإسبان، والعكس» مبرزا أن تقديم هذه المنحة يمكن اعتباره اعترافا رسميا من طرف الحكومة الإسبانية بالأضرار البليغة التي نتجت عن حشر هؤلاء المغاربة في حرب لم تكن تعنيهم في شيء بأي حال من الأحوال، وهو اعتراف، في تقدير بوطيب، يمنح الانطباع بأن آليات العدالة الانتقالية بمقدورها أن تعالج المشاكل العالقة بين الرباط ومدريد. وأكد بوطيب أن «المغرب مدعو الآن إلى دعم المركز باعتباره مؤسسة وسيطة بينه وبين جاره الشمالي»، موضحا أن المركز يفكر جديا في مد جسر التعاون مع الهيئات الحقوقية الأخرى كالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وكذلك الدولة المغربية ممثلة في الوزارة الأولى ووزارة الخارجية لإيجاد سبل قويمة لمعالجة القضايا الخلافية التي تخيم على العلاقات بين البلدين. وختم بوطيب قائلا إن «المغرب مدعو، أكثر من أي وقت مضى، إلى الاجتهاد وابتداع أساليب جديدة مقرونة بأبحاث علمية رصينة لمطالبة إسبانيا بالاعتراف بمسؤوليتها الكاملة عن قصف الريف بالغازات السامة».