أكدت فرح ديبا، أرملة شاه إيران، الذي مات بالقاهرة سنة 1980، أنها تتمنى أن تنقل جثمان زوجها الراحل إلى بلاده، واعتبرت أن إيران سبعينيات القرن العشرين أفضل بكثير من إيران اليوم. كما تحدثت بحسرة شديدة عن الطريقة التي عوملت بها وزوجها طيلة 18 شهرا من المنفى، من يناير 1979 إلى يوليوز 1980، وشددت على أن أحكام الإيرانيين عن عهد الشاه آخذة في التغير، قائلة إن من الإيرانيين من يقول «ليرحمه الله» أو «طيب الله ثراه» دون ذكر الشاه بالاسم. - كنت، قبل أيام، في القاهرة، لتخليد الذكرى الثلاثين لوفاة زوجك. ما الذي يميز تخليدك ذكرى رحيله هذه السنة؟ السابع والعشرون من يوليوز من كل سنة تاريخ مهم بالنسبة إلي. لم أفوت أبدا هذا الموعد. صحيح أنني لا أتوقف عن التفكير في زوجي، لكني أحس، في 27 يوليوز، بأنه يجب علي أن أتنقل إلى حيث يرقد جثمانه لأخلد ذكراه وألتقي بمواطني، الذين يأتون من كل أنحاء العالم، وأحيانا من إيران، من أجل تخليد ذكراه. يكون يوم الذكرى، دائما، حزينا، لكنني أعتقد أن الله سبحانه وتعالى أراد، بدون شك، ألا يكون بين ظهرانينا حتى لا يشاهد ما وقع منذ وفاته، خصوصا أوضاع إيران في الوقت الراهن وما يكابده مواطنونا يوميا، بالإضافة إلى اختفاء ابنتنا ليلى عن عمر يناهز 31 سنة. - كيف تقضين يوم الذكرى؟ عادة ما يرافقني أبنائي وأحفادي إلى مصر لتخليد هذه الذكرى، غير أنهم لم يتمكنوا، للأسف، من الحضور هذه السنة. عموما، نحرص جميعا على الالتقاء في البيت الذي وضعته الحكومة المصرية رهن إشارتي منذ ثلاثين سنة. يبدأ يوم الذكرى بزيارة قبر الرئيس المصري الراحل أنور السادات، الذي كان رئيس الدولة الوحيد الذي استقبلنا في ظرفية جد عصيبة من منفانا، وبفضله استطاع الملك أن يموت بعد فترة وجيزة بسلام في القاهرة. لا تفارقني أرملة السادات في هذا اليوم. ثم نتوجه بعد ذلك إلى مسجد الرفاعي الذي يرقد فيه جثمان الملك. نقيم احتفالا دينيا صغيرا، فيما يلقي بعض الأشخاص، مباشرة بعد الصلاة، خطبا وشهادات عن الراحل. تمكنني هذه المناسبة من مقابلة إيرانيين يأتون من إيران خصيصا لمشاركتنا تخليدنا لهذه الذكرى. - حكمت عشرين سنة إلى جانبه، وقاسمته كذلك معاناة 18 شهرا في المنفى، أليست الفترة التي قضيتموها معا من تاريخ مغادرتكم إيران في يناير 1979 إلى يوليوز 1980 أكثر تأثيرا في حياتك مقارنة بفترة الحكم والجاه؟ بكل تأكيد. كنا نتنقل من بلد لآخر، وكنا نقضي الوقت كله معا أكثر من أي وقت مضى. الطريقة التي تعاملت بها معنا كثير من الدول في تلك الفترة العصيبة عصية على التصديق. أعرفه جيدا مثلما أعرف نفسي وكنت على يقين تام وإيمان راسخ بأننا لم نكن نستحق ما وقع لنا. لقد كانت حياته أحسن بكثير من حياتي، لأنه عرف كيف يبقى فوق المؤامرات ويتغلب على الخيانات. أنا على يقين، اليوم، من أن تلك الفترة لم تكن سوى الفترة التي يمر منها كل إنسان في مرحلة معينة من حياته، كما أن تجربتنا اكتسبت إشعاعا مهما بحكم سياقها التاريخي. - كنت تبدين في مراسيم الجنازة مذهولة وبعيدة عن الموكب الجنائزي... لا يزال ذلك اليوم راسخا في ذاكرتي. كانت درجة الحرارة مرتفعة جدا في العاصمة القاهرة على غرار عدد من العواصم الشرق أوسطية. ورغم أن النساء في الشرق الأوسط لا يمشين خلف الجنازة من منطلق ديني، فإني التمست من الرئيس السادات أن يسمح ذلك. قبل السادات ذلك، فتبعت الموكب الجنائزي رفقة ابنتي وزوجة السادات. انطلق الموكب الجنائزي من قصر عابدين ومشينا وراءه زهاء ساعتين إلى أن وصلنا إلى مسجد الرفاعي، كانت مدة طويلة، لكن آلامي خفت قليلا برؤيتي إياه يحظى بمراسيم جنازة تليق برئيس دولة من مستواه. اصطف عشرات الآلاف من الأشخاص على طول مسار الموكب، واقتنعت بعد أشهر من الحزن والمعاناة بضرورة أن أفتخر وأنه ليس هناك ما يمكن أن أخجل منه. - نِمت في ذلك اليوم مع جميع أبنائك في غرفة واحدة؟ باتت ريزا وفرحناز وليلى معي في غرفتي فيما اختار علي ريزا النوم في غرفته. كانت تلك لحظات رهيبة بالنسبة إليهم وكنت واعية وأصبحت رعايتهم من مسؤولياتي لوحدي. كنت أرسلتهم، بعد أيام قليلة من وصولنا إلى مصر، إلى مدينة الإسكندرية ليروحوا عن أنفسهم قليلا، قبل أن ينصحني الأطباء باستدعائهم بعدما تدهورت صحة أبيهم. كان ذلك مهما بالنسبة إليهم ليتقبلوا، نفسيا، وفاة أبيهم. مات الملك في العاشرة صباحا وقد قضينا الليلة الأخيرة في الغرفة التي كان يرقد فيها بالمستشفى رفقة الأميرة أشراف وابني البكر، وبعض الأشخاص المقربين منا. كانت ابنتي البكر فرحناز حاضرة كذلك بالمستشفى وحرصت طيلة تلك الليلة على وضع يدها في يدي لتوحي إلي بأنها واعية بما يحدث، وكما كانت راحتي كبيرة كذلك عندما طلب ابني البكر علي ريزا من أخيه البكر النزول معا إلى القبر الذي سيدفن فيه والدهما. - إلى ماذا تشتاقين في زوجك بعد مرور ثلاثين سنة عن رحيله؟ آراؤه ورضاه. كثيرا ما كنت أتساءل عما إذا كان راضيا عن بعض القرارات التي أتخذها. يكون هذا التساؤل عفويا. عندما كان يهم بالدخول إلى غرفة العمليات بأحد مستشفيات نيويورك في دجنبر 1979، للخضوع لأول عملية جراحية، طلب مني أن أعتني بأبنائنا. لا زلت أبحث منذ 30 سنة عن رضاه وشرعت في تنفيذ وتلبية طلبه منذ الليلة الأولى التي أعقبت مواراته الثرى، حيث جلست على جانب السرير الذي كان ينام عليه وسألته: «هل كنت في مستوى انتظاراته؟». لكن الأوان كان قد فات على سؤال من هذا القبيل. - ما الذي لا يزال يقوي ارتباطك بهذه الذكرى؟ الظلم الذي كان ضحية له، وتكفي مقارنة إيران سبعينيات القرن العشرين وإيران اليوم لنعي إلى أي حد تمت الإساءة إلى ذكراه. جزء كبير من الشعب الإيراني يعيش تحت عتبة الفقر رغم توفر إيران على ثروات مهمة من البترول، دون أن أتحدث عن الحيف الذي تعاني منه النساء، وقد حكم أخيرا على امرأة بالرجم حتى الوفاة. ثمة أسف كذلك على عدم تمكن أبنائه من العيش معه والاستفادة من دعمه في أصعب لحظات ومراحل حياتهم. إجمالا، لا أزال مرتبطة بشكل وثيق بذكرى زوجي ووالد أولادي والملك. - هل تعتبرين أن التاريخ لم ينصفه؟ لا علم لي بما سيكتبه التاريخ عنه، ولكني أتأسف، في أحايين كثيرة، على عدم بقائه على قيد الحياة، حتى يسمع ويطلع على الشهادات الإيجابية التي أتلقاها من إيران من حين لآخر. فرغم القمع ومحاولات غسل الدماغ، فإن أحكام الإيرانيين عن عهد زوجي آخذة في التغير. وآخر الواجبات التي يجب أن أقوم بها تجاهه يتمثل في إعادته إلى بلده بنقل رفاته من مصر إلى إيران. كما أن كثيرا من الناس يقول في إيران «ليرحمه الله» أو «طيب الله ثراه» دون أن يذكروه بالاسم. أتمنى أن أنقل رفاته يوما إلى إيران. عن مجلة «لوبوان» الفرنسية
صورة الشاه تغيرت لدى الإيرانيين قالت فرح دبيا، أرملة شاه إيران، إنها تتمنى أن تنقل رفاته إلى بلاده، وأكدت أن أحكام الإيرانيين عن عهد الشاه آخذة في التغيير، إلى درجة أن بعضهم أصبح يقول «ليرحمه الله» و»طيب الله ثراه» دون أن يذكر الشاه بالاسم. وأرجعت ديبا هذا التغيير في صورة الشاه لدى الإيرانيين إلى تدهور أوضاع إيران، معتبرة أن أحوال بلاد فارس في سبعينيات القرن الماضي أفضل بكثير من أحوالها اليوم، بالنظر إلى أن «جزءا كبيرا من الشعب الإيراني يعيش تحت عتبة الفقر رغم أهمية الثروة البترولية التي تتوفر عليها البلاد، بالإضافة إلى «الحيف الذي تعاني منه النساء من قبيل الحكم عليهن بالرجم حتى الوفاة». كما تأسفت على عدم تمكن أبنائه من العيش معه والاستفادة من دعمه في أصعب لحظات ومراحل حياتهم، وإن كانت سعيدة بعدم حضوره حادث اختفاء ابنته ليلى في سنة 2001. واستحضرت ديبا بكثير من المرارة والأسى، في حوار مطول خصت به مجلة «لوبوان» معاناة الثمانية عشر شهرا التي قضتها في المنفى مع الشاه من يناير 1979 إلى يوليوز 1980 متنقلين من بلد إلى آخر، وقالت إن «الطريقة التي تعاملت بها معنا كثير من الدول في تلك الفترة العصيبة عصية على التصديق. أعرفه جيدا مثلما أعرف نفسي وكنت على يقين تام وإيمان راسخ بأننا لم نكن نستحق ما وقع لنا». ورفضت عدة دول كانت تعتبر صديقة لنظام الشاه قبل الإطاحة به، استقباله، وظل يتنقل بين العديد من العواصم إلى أن وافق الرئيس المصري الراحل أنور السادات على استضافته في مصر، وخصص له قصرا في العاصمة القاهرة، لم يقض به إلا أسابيع قليلة، حيث توفي في 27 يوليوز 1980. وقد اعتادت أرملته فرح ديبا أن تخلد في السابع والعشرين من يوليوز من كل عام ذكرى وفاته، وتقوم في يوم الذكرى، مرفوقة بأبنائها وأحفادها، بزيارة قبره في مسجد الرافعي بالعاصمة المصرية القاهرة، ويتخلل هذه الزيارة إلقاء شهادات في حق الشاه، بحضور أصدقائه ومواطنين إيرانيين، بعضهم يأتي من إيران خصيصا للمشاركة في تخليد ذكرى الشاه.