«الجبناء يموتون عدة مرات قبل موتهم، فيما الشهم لا يذوق الموت إلا مرة واحدة»، الكاتب المسرحي والشاعر البريطاني وليام شيكسبير (1564-1616). هناك مناطق في المغرب مخفية وراء الخرائط لا تسمع عنها خبرا،.. هناك قرى كبرت مع الزمن واتسعت حتى تحولت إلى مدن قروية لا نشاهدها في التلفزيون ولا يصلها وزراء حكومة عباس الفاسي ولا نقرأ عنها أخبارا في الصحف، فقط لأنها مناطق تتسع وتكبر في حكم الزمن المنسي بنفس صور البؤس والفقر الذي يكبر ويشيب ولا يموت حتى تتوارثه الأجيال. لدينا قرى لا يصح بعد اليوم نعتها إلا بالمدن العشوائية، فقرى المغرب القديم لم تكن تشتم فيها روائح المياه العادمة،.. كانت قرانا لا روائح فيها غير روائح الخبز والفرن والزيتون والزبدة البلدية،.. اليوم اتسعت القرى وتحولت، بسبب النمو الديموغرافي، إلى مدن عشوائية تتجمع فيها برك «الواد الحار» في كل اتجاه وتتكدس فيها مطارح الأزبال فتصير كالتلال، ورؤساء الجماعات بها لازالوا يضعون «الرزة» على رؤوسهم افتخارا بأميتهم التي تتيح لهم تسيير شأن السكان كما يديرون شأن الدجاج. بقرى المغرب، هناك مشاهد تعاند الواقع وتكبل أحلام البسطاء والأطفال.. تجد بنيات تحتية في حكم الخراب ومياها للشرب مخلوطة بالتراب، وبينهما أطفال حفاة يجرون واقعهم بلا ذنب، لا ألعاب بأيديهم ولا دمى يحدثونها ويضحكون معها.. لازالوا، حتى وقد فتحت نوادي الأنترنيت بقراهم وانتشرت الصحون الفضائية فوق بيوتهم المصنوعة من تراب، يقبضون العصي في أيديهم ويتجولون مع البهائم، محرومين من ذلك الباب الذي يُفتح عادة في الطفولة كي يترك للمستقبل شرف المرور. هذه المشاهد، على من يشتاق إلى رؤيتها أن يخرج من مدن المغرب التي تمر أسماؤها يوميا في النشرة الجوية ونقرأ عنها في الصحف والمجلات، بها ملاعب الغولف والكازينوهات والفيلات الفاخرة التي يتفاخر أصحابها المغاربة بأفرشة بيوتهم ومجوهراتهم ومسابحهم في قناة «لوكس تيفي»،.. هناك مغاربة، مثلا، في سبت جزولة (25 كلم جنوب شرق آسفي) لا يفهمون كيف أن قريتهم الكبيرة، التي تضم 30 ألف نسمة، حولوا اسمها من جماعة قروية إلى بلدية دون أن تلبس لباس البلد وتخلع عنها ثوب البؤس والفقر والتهميش والإحساس الكبير لدى الأجيال الصاعدة بها أنهم مغاربة منسيون. في جزولة، التي لم يخلعوا عن اسمها يوم السبت الذي اقترن تاريخيا بيوم انعقاد السوق، لو أراد فقراؤها وبسطاء الفلاحين بها أن يقابلوا منتخبيهم في المجلس البلدي، المنتمين إلى حزب الاستقلال، فإنه يكون عليهم أن يطرقوا أبواب هؤلاء ليس في «الدوار» وإنما في الفيلات الفخمة والفسيحة بآسفي،.. وفي جزولة، التي لا يجد الأطفال بها ماء صالحا للشرب في أيام الحر الحالية، هناك في البلدية من يجد 30 مليونا من أموال دافعي الضرائب ليرميها في فم جمعية لم تتأسس سوى لحدث سعيد أسموه المهرجان. مهرجان جزولة انعقد والمجلس البلدي في غاية الحبور بالرغم من تأسفه على احتراق بعض الخيام.. فيما لا أحد تحدث وترحم وعزى في طفلة فقيرة لم تتجاوز السادسة من عمرها خرجت تتفرج على «التبوريدة» فأسلمت الروح لباريها جراء لسعات عقارب معروفٍ تعايشُها بكثرة مع البشر في بلدية تجد ما يكفي من أموال الشعب لتصرفه على علف الخيول وتعلقها على صدر «الشيخات»، فيما وفاة طفلة فقيرة في المهرجان عندهم أشبه بموت دجاجة رومية لسعها عقرب جوعان على حافة الطريق.