اختتمت فعاليات منتدى أصيلة بتنظيم حفل توزيع «جوائز على أشخاص وجمعيات بمدينة أصيلة، سجلت حضورا في المجال الاجتماعي والمهني والبيئي والدراسي. وتم خلال هذا الحفل تسليم جوائز «الأم المثالية»، و»المرأة العاملة»، و«صياد السمك»، و«رياضي المدينة» و«البيئة»، وجائزة أحمد ماهر (وزير الخارجية المصري السابق) في مجال العمل الاجتماعي، وجائزة الدكتور إبراهيم عويس (أستاذ الاقتصاد البارز) للمتفوقين في الباكالوريا، وجائزة «مشغل كتابة وإبداع الطفل»، فضلا عن جائزة تمت إضافتها خلال الدورة الحالية للموسم، تتمثل في «جائزة الطفل». كانت الدورة ال32 لموسم أصيلة الثقافي الدولي شهدت عددا من الندوات في إطار الدورة ال25 لجامعة المعتمد بن عباد الصيفية، تناولت مواضيع متعددة من ضمنها، على الخصوص، الطاقات المتجددة، على اعتبار أن العالم يعرف سباقا محموما في ميدان الطاقات المتجددة، التي يعتبر الخبراء أنها ستكون لها انعكاسات مباشرة على مختلف أوجه حياة البشرية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. كما ناقش المنتدى موضوع الهندسة المعمارية الخضراء، حيث عرض في هذه الندوة تاريخ تقنية البناء بالطين والتقنيات المتصلة بها، وأيضا الخصائص المختلفة التي تجعل من الطين مادة تتلاءم مع كثير من أنواع البنايات، وعرجت الندوة أيضا على ما تتميز به البنايات الطينية من جمال وخصائص عازلة وصديقة للبيئة. وتطرق المنتدى في نسخته ال32 إلى موضوع حوار الثقافات العربية، الذي أصبح اليوم من بين الأسئلة الأكثر مطارحة واستقطابا لاهتمام الجميع، مفكرين ومثقفين وكتابا ومسؤولين ورأيا عاما. وناقش مفكرون ومهتمون طيلة يومين واقع الثقافات العربية بين المنظور القومي والمنظور القطري والإقليمي، وحوار الثقافات بين المراكز والأطراف، والثقافة العربية في مواجهة العولمة. نقاشات المنتدى تطرق الخبراء إلى هذا الموضوع من زاوية التأكيد على الدور اللافت، الذي تلعبه الثقافات الوطنية في خلق تقارب وتواصل بين الشعوب والقوميات وفي دحض سياسات التفريق والتباعد التي تتبناها السياسات والإيديولوجيات المضادة لفعل التغيير والتواصل والتطور في تهديداتها المتزايدة للثقافة العربية ولخصوصياتها. واستعاد المنتدى ذكرى المفكر العربي المغربي محمد عابد الجابري، من خلال إعادة قراءة مشروعه الفكري الضخم، الذي أثار جدلا واسعا داخل الأوساط الفكرية والفلسفية، ومن ثم إعادة تمثل سيرته الذاتية والفكرية. ذلك أن الجابري سيظل للجميع قدوة فكرية ونموذجا إنسانيا وأملا للمستقبل. وكان الفن المعاصر في ضوء الأزمة المالية الحالية من ضمن الندوات التي شدت اهتمام عدد من الفنانين والمهتمين بمجال الفن عموما، حيث خلصوا إلى أن الفنون التشكيلية والفنون البصرية تميزت بسلاسة وليونة جعلتها تتلقى الأزمة وتمتصها امتصاصا من غير أن تترك لها مجالا للتأثير المدمر عليها كما كان الحال مع قطاعات أخرى متعددة. من جهة أخرى، فتح منتدى أصيلة لهذه السنة موضوع الدبلوماسية الثقافية، حيث ناقش المفكرون والدبلوماسيون والسفراء موضوع الثقافة باعتبارها الحلقة المفقودة في العلاقات الدولية. وتناول المتدخلون على مدى يومين الدراسات التي تبين كيف أن الدبلوماسية الثقافية تشكل جسرا للتفاهم المتنامي بين الشعوب بما في ذلك حالات التقلب وإعادة البناء. موضوع آخر حظي بنقاش مستفيض في منتدى أصيلة، يتعلق بموضوع «الهجرة وحكم القانون بأوروبا»، حيث تم التطرق إلى الهجرة بالعالم العربي، والمشاكل، إضافة إلى التحديات التي تطرحها في ظل الأزمة المالية الحالية. الموسيقى في عالم الإسلام، وكيف نحافظ على التراث الموسيقي؟ كانا أيضا من بين الأسئلة التي طرحتها دورة منتدى أصيلة، إذ تطرق المشاركون في هذه الندوة إلى المخاطر التي تهدد موسيقى العالم الإسلامي وكيفية مواجهتها، وأيضا الوقوف على عدد من الممارسات الموسيقية التي تتعرض للاندثار وتتطلب تدخلا عاجلا لإنقاذها والحفاظ عليها. وكان الروائي السوداني الراحل الطيب صالح حاضرا في هذا المنتدى بكتاباته وطرائفه، حيث استعاد أدباء وروائيون ونقاد سيرة الطيب صالح وأعماله الأدبية المتميزة. المشهد الأدبي في الإمارات العربية المتحدة كان أيضا حاضرا، من خلال مناقشة العوامل التي ساهمت في تطور الأدب الإماراتي، مما جعله يحتل مكانة مرموقة ولافتة في المشهد الأدبي العربي بشكل عام، ويحظى باهتمام النقاد والباحثين العرب وغيرهم. وتميزت هذه الدورة بالإعلان عن الفائز بجائزة محمد زفزاف للرواية العربية (دورة 2010)، التي عادت إلى الروائي السوري حنا مينة. كما تم خلال هذه الدورة تنظيم العديد من المعارض والورشات في مجالات الفنون التشكيلية، وكذا أمسيات شعرية، وسهرات فنية أحياها فنانون من داخل المغرب وخارجه، كالفنانة الهندية فيديا شاه، والفنانة الإماراتية فاطمة زهرة العين، وعازفي القيثارة الإسبانيين، مارغاريتا غارسيا إيسكاربا، وميغيل تراباغا، إضافة إلى فرق موسيقية من الإمارات العربية المتحدة والأردن والمغرب. فرق موسيقية جادة وراقية قدم منتدى أصيلة الثقافي الدولي في نسخته الثانية والثلاثين برنامجا موسيقيا متنوعا لفنانين وفرق موسيقية وطنية ودولية، أمتعت جمهور وزوار مدينة أصيلة طيلة فعاليات المنتدى. وافتتح منتدى أصيلة فعالياته بتقديم الفرقة الوطنية للفنون الشعبية الإماراتية، بساحة عبد الله كنون، عروضا فنية متنوعة، تجسد نماذج من الرقص الشعبي الإماراتي من مختلف مناطق البلاد، عبر أهازيج شعبية ورقصات فلكلورية. كما كان جمهور أصيلة على موعد مع عازفي القيثارة القادمين من إسبانيا، وهما مارغاريتا غارسيا إيسكاربا وميغيل تراباغا، في حفل فني قدم كل فنان من خلاله معزوفات كلاسيكية تحن إلى عوالم الإبداع المتعددة مشاربه، وقد أبهرت الفنانة مارغاريتا إيسكاربا الحاضرين برشاقة أدائها قطعا موسيقية مستوحاة من تراث أرض الأندلس. وفي ليلة مغربية بامتياز قدمت فرقة «ليالي النغم»، برئاسة الفنان عبد السلام الخلوفي، باقة متنوعة من الأغاني الشعبية التراثية، ممزوجة بنغمات موسيقية أندلسية، نالت إعجاب الجمهور الذي تفاعل معها بشكل قوي. وتسير مجموعة «ليالي النغم» في طريق فني صلب يهدف إلى الحفاظ على التراث الموسيقي الشمالي بشكل خاص، والتراث الموسيقي المغربي عموما، وهي مجموعة تستطيع في أي مناسبة أن تبهر جمهورها قطعة بعد قطعة. كما نجحت مجموعة «نوازن ثلاثي خوري» القادمة من الأردن في تقديم معزوفات موسيقية بواسطة آلات موسيقية مختلفة، مثل القانون والكمان والعود. وساعدت خبرة الثلاثي خوري الواسعة في المهرجانات الدولية في دمج الآلات الشرقية والموسيقى المشرقية مع أصناف الموسيقى العالمية كالجاز والفلامينكو والكلاسيكي وغيرها. الموسيقى الإماراتية كانت حاضرة مرة أخرى، لكن هذه المرة مع المايسترو «هاروت فازليان» قائد فرقة شهرزاد للموسيقى الكلاسيكية. ويعتبر أعضاء الفرقة الموسيقية، التي أدت ببراعة النسخة المقتبسة البديعة لمعزوفة «شهرزاد»، من أمهر الموسيقيين والعازفين المنفردين في الشرق الأوسط وأوروبا. وفي توزيعه لمعزوفة «شهرزاد»، يمزج قائد الفرقة «فازليان» بمهارة الآلات الشرقية (العود والناي والقانون) وإيقاعات الطبول العربية مع سباعية وترية وتقاسيم ارتجالية مع الحفاظ على الحركات الأربع للمقطوعة الأصلية ل«ريمسكي كورساكوف». من جهة أخرى، استطاع ثنائي الكمان والبيانو «سوزان فان غوتزايت» و»يوهانس فلهلم» القادم من النمسا شد انتباه جمهور أصيلة، من خلال مقطوعات موسيقية صفق لها الجمهور بحرارة. وكشف الثنائي عن مهارة عالية في العزف وعن تنسيق وانسجام تام بين الكمان والبيانو، في أداء المقاطع الموسيقية في جو رومانسي جميل. وفي حفل فني استقطب جماهير من عشاق الفن الأصيل من مختلف الجنسيات، أدت فرقة «أهل أصيلة للمديح والسماع» وصلات في الموسيقى والسماع الصوفي الأندلسي المغربي. وعلى مدى ساعتين، صدح أعضاء الفرقة ال15 بقصائد وأشعار مغناة لكبار الصوفية من المغرب والمشرق، طافحة بمعاني الوجد والحب والتآخي. يذكر أن جمعية «أهل أصيلة للمديح والسماع» تأسست في دجنبر 2002 بالزاوية القادرية بمدينة أصيلة بدعم عشاق الفن الصوفي، وتجمعها شراكة ب«شباب قرطبة»، الأوركسترا المكونة من طلبة من المعهد الوطني للموسيقى بطنجة. وكانت الحضرة الشفشاونية حاضرة في أماسي منتدى أصيلة، بقيادة الفنانة ارْحوم البقالي، التي قدمت ليلة الخميس سهرة حضرها جمهور غفير، وقدمت الفرقة لجمهورها وصلات من فن المديح والسماع. وتواصلت العروض الموسيقية نهاية الأسبوع، مع ثلاثي إدريس الملومي، الذي قدم معزوفات على العود، وهي معزوفات تحمل الكثير من الإبداع الذي يصل درجة الإدهاش، خصوصا عندما تتمازج نقرات العود مع إيقاع ممتع يسير بدقة ساعة سويسرية.