جرت العادة في حروب الصحراء أن يكون لنزول الآلة الحربية (دبابات، قذف مكثف للصواريخ والطائرات...) كلمة الحسم السريع في المعارك. ولنا في حروب الخليج عبرة في ذلك. في المواجهة التي تجمع، منذ حرب أفغانستان، قوات التحالف وتنظيم القاعدة، تغيَّر منطق الحرب وتغيرت أساليبه. فالمواجهة أصبحت أقرب إلى حرب العصابات منها إلى حروب خاطفة ومدمرة في الزمان والمكان. في منطقة الشمال الإفريقي، استورد «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» هذا التكتيك الأفغاني، تارة لضرب الجيوش داخل أدغال المدينة (مثل الهجومات على ثكنات العسكر الجزائري في بلاد القبائل) أو لقنص الرهائن الأجانب ونقلهم إلى عمق الصحراء حتى يسهل تحريكهم و«تسريبهم» على تخوم الحدود الشاسعة. ولربما نسي أو تناسى الجيش الموريتاني والمساعدون التقنيون الفرنسيون والجزائريون الذين قدموا له الدعم اللوجيستيكي هذه القاعدة الذهبية لَمّا هبوا لمواجهة عناصر شبحية متشرذمة في ربوع الصحراء بين مالي، موريتانيا والجزائر... لتحرير الرهينة ميشيل جيرمانو، الذي تم اختطافه في شمال النيجر في ال19 من أبريل الماضي. وكانت النتيجة كارثية، ليس على الرهينة الذي اختطف تنظيم القاعدة روحه يوم السبت الماضي بعد فشل العملية، فحسب، بل على صورة فرنسا، التي تصرفت في سرية لتحرير الرهينة، لأغراض بالكاد إنسانية، لكنها لا تخلو في الواقع من خلفيات سياسية واستراتيجية: فتح وتوفير مظلة الحماية الفرنسية للأنظمة التي توجد في مجابهة مع «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». فبناء على معلومات وفرتها المخابرات الأمريكية حول وجود مخطط للهجوم على موريطانيا، تدخلت فرنسا، من خلال وزارة الدفاع وعناصر من المخابرات لاستقطاب الموقف وتقديم الدعم اللوجيستيكي (عبر الإدارة العامة للأمن الخارجي وذرعه المسلح -مصلحة التدخلات والطيران المسماة GAM-56)، الذي ساهمت فيه الجزائر بدورها، على اعتبار أن العملية تمت على بعد 60 كلم من حدودها. غير أن التواجد العسكري الفرنسي في المنطقة ليس بطارئ ولا بجديد، بل تتواجد منذ أشهر في التراب الموريطاني في منطقة عطار، غرب البلاد، وحدات من قيادة العمليات الخاصة تعنى بتقديم تداريب للوحدات الخاصة الموريطانية. وليست هذه هي المحاولة الأولى لتنظيم القاعدة الذي يتألف من 400 مقاتل، لاختطاف وتصفية الرهائن الأجانب، فقد سبق له أن صفى الرهينة البريطاني إدوين ديير منذ عام، كما يحتجز منذ ثمانية أشهر رهينتين من جنسية إسبانية، هما ألبير فيلاتا (35 سنة) وروكي باسكوال (50 سنة). إن فشل هذه العملية هو فشل لاستراتيجية الدعم التي أرادت فرنسا من خلالها ضرب شبكة وقائية في وجه تنظيم «القاعدة». وعليه، يتبين أن فرنسا، مثلها مثل أمريكا، قد تتعرض، في حال انغماسها في رمال الصحراء الإفريقية، لأعراض وأمراض «الأفغنة»، التي تعاني منها القوات الأمريكية.