اهتمت الصحف القريبة من الحماية الفرنسية بواقع المدن الكبرى المغربية، الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، خلال ثلاثينيات القرن الماضي. ومن بين هذه الصحف، نجد جريدة «السعادة» التي كانت تصدر من الرباط. كيف عالجت هذه الصحيفة قضايا الشأن المحلي لمدينة الدارالبيضاء، العاصمة التجارية للمغرب، في ثلاثينيات القرن الماضي؟ وكيف كانت تدار شؤون هذه المدينة قبل 80 سنة من الآن؟ بلغ عدد سكان مدينة الدارالبيضاء، حسب إحصاء سنة 1931، حوالي 163 ألف نسمة. وقدر عدد الأوربيين آنذاك بحوالي 58 ألف نسمة، أي ثلث سكان العاصمة التجارية للمغرب آنذاك. وكشف إحصاء 1931 أن عدد سكان المغرب بالمناطق التابعة لنفوذ السلطات الفرنسية يزيد على 4 ملايين و700 ألف نسمة، من بينهم 212 ألف أجنبي من جنسيات أوربية مختلفة. هذا في الوقت الذي لم يتجاوز فيه عدد سكان مدينة فضالة (المحمدية) 5721 نسمة، من بينهم 1303 أجانب. واحتلت مدينة الدارالبيضاء، حسب الإحصاء نفسه، الصف الثاني ضمن المدن ذات المصالح البلدية والبالغ عددها 18 مدينة، وراء مراكش الحمراء التي بلغ عدد سكانها 195 ألف نسمة (بينهم 8788 أوربيا)، فيما بلغ سكان مدينة أكادير 3998 نسمة، من جملتهم 1665 أوربيا. أما بالنسبة إلى بلدية الرباط، فإن نصف سكانها، البالغ عددهم 55 ألف نسمة، يتكون من الأجانب. وبضواحي البيضاء، لم يتجاوز عدد سكان مدينة سطات 12 ألف نسمة وخريبكة 8135 نسمة وفضالة 5721 نسمة من بينهم 1303 أجانب، فيما لم يصل عدد سكان مدينة برشيد إلى 622 نسمة. بتاريخ 9 مايو 1931، ذكرت جريدة «السعادة» أن حوالي 5881 نسمة تقطن بمدينة مولاي بوشعيب أزمور، إضافة إلى 127 أجنبيا، مقابل 9127 نسمة في سنة 1926. وكان يقطن بمدينة الجديدة حوالي 19159 نسمة، ضمنها 18699 مغربيا و1902 من الأوربيين. أما مدينة الصويرة، فكانت تستقر بها آنذاك 14423 نسمة، ضمنها 13584 مغربيا و839 أجنبيا، مقابل 18401 نسمة في سنة 1926. وفي الأخير كانت تقطن بمدينة أكادير 3692 نسمة، ضمنها 2233 مغربيا و1459 أوربيا مقابل 1742 في سنة 1926. أطلق على مدينة الدارالبيضاء، حسب موقع «ويكيبيديا»، لقب «مدينة من دون تاريخ». وهذه العبارة أطلقها كثيرون على هذا المركز الحضري الذي كان يصنف ضمن المدن ذات المصالح البلدية. وذكر الموقع أن المدن تنشأ وتتطور، ومنها ما يُهجر ويندثر، مثل تاهرت ونفيس وسجلماسة، أما مدينة الدارالبيضاء فلها وضع خاص، إذ استمرت لفترة تاريخية طويلة دون أهمية تذكر إلى أن جاء عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله، حيث أخذت اسمها الحالي وتم تجديدها. واستمرت المدينة على هذا الحال مدينة للتجارة تحيط بها ضيعات فلاحية، إلى أن حل أول مقيم عام فرنسي بالمغرب، وهو الجنرال ليوطي، حيث تحولت إلى أكبر مركز اقتصادي في المغرب. الموقع ذاته قال إن مدينة الدارالبيضاء أو أنفا، أنافا، أنفال، أنفي، وكلها أسماء وردت في كتب ومصادر التاريخ، يكتنف أصلها الغموض، فبعض المؤرخين يرجعونه إلى القرطاجيين الذين حلوا بالسواحل المغربية حوالي 12 ق.م، ومنهم من يرجعه إلى عهد الرومان، وهذا رأي الحسن الوزاني في كتابه «وصف إفريقيا»، أما أندري أدام فيربطها بإمارة برغواطة التي كانت بين أبي رقراق وأم الربيع في ما كان يعرف بتامسنا في القرن التاسع الميلادي، وذلك لانعدام أدلة أثرية سابقة لهذه الفترة. وما يهمنا في هذا كله هو أن المدينة ضاربة في القدم، فوجودها يزيد على 33 قرنا كحد أقصى وعلى 12 قرنا كحد أدنى.