عصبة كرة القدم النسوية تعقد جمعها العام    توقيف شخص بطنجة متورط في حادثة سير عمدية والفرار من مسرح الجريمة    شفشاون تتصدر مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    بعد فضيحة حزب أخنوش.. تحذير من استخدام سيارات الجماعات لأغراض سياسية    الركراكي يتحدث عن مستقبل حكيم زياش مع المنتخب الوطني المغربي    مندوبية السجون تكشف حقيقة حجز شحنة من مادة "الشباكية" كانت موجهة إلى السجن المركزي مول البركي بآسفي    الملاحة البحرية بين المغرب وإسبانيا تعود بحذر بعد توقف بسبب الطقس    الحسابات الفلكية ترجح حلول عيد الفطر بالمغرب يوم الاثنين 31 مارس    رئيس المحكمة لدفاع الناصيري: "اليوم الجمعة ورمضان.. الإنسان لا يجب أن يكذب"    سفراء الموسيقى الأندلسية المغربية في فرنسا يلهبون حماس الجمهور الباريسي خلال أمسية احتفالية وروحانية    مدرب المنتخب المغربي يوضح "تردد" لاعبين في حمل القميص الوطني    المغرب ‬و ‬إسبانيا :‬ تفاهم ‬تام ‬و ‬تطابق ‬مصالح ‬أساس ‬لشراكة ‬استراتيجية    طنجة: توقيف شخص متورط في حادثة سير عمدية مع الفرار    إصابة 12 شخصا بعد اندلاع النيران في طائرة أمريكية بمطار دنفر    أعمال تخريب ضد تسلا في الولايات المتحدة تتواصل بعد صعود ماسك    وفد درزي سوري يتوجه إلى إسرائيل    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    المغرب يستضيف وزراء المالية الأفارقة    العشرات من الشبان يحاولون الوصول سباحة إلى سبتة وسط الأمواج العاتية    الطقس يستقر بعد زوال يوم السبت    الذهب فوق 3000 دولار للمرة الأولى    المؤتمر الوطني للحماية الاجتماعية بالمغرب: استثمار في الإنتاجية والربحية    المغاربة ‬يبدعون ‬في ‬أشكال ‬التصدي ‬للارتفاعات ‬المهولة ‬في الأسعار    بلباو ولاتسيو إلى دور الربع وروما وأياكس يغادران الدوري الأوروبي    واشنطن تدرس مراجعة اتفاقية التجارة الحرة مع المغرب    شبهة تضارب المصالح تطيح بحكومة البرتغال    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    السلطات الموريتانية تتغلب على تسرب للغاز من حقل مشترك مع السنغال    أهمية الفحوصات الطبية خلال شهر رمضان    إصابة إلياس شاعر تثير المخاوف .. والمدرب : نترقب نتائج الفحوصات    ندوة نقاشية في العيون تسلط الضوء على رحلة تمكين المرأة من التحرر إلى صنع القرار    ندوات    جماعة العرائش تنظم الدورة الأولى من رمضانيات السماع والمديح    منع مشجعي الوداد البيضاوي من التنقل إلى طنجة لمساندة فريقها    السلطات الصينية والأمريكية تحافظ على التواصل بشأن القضايا التجارية (متحدث صيني)    الصين تبدأ رسميا في انتاج هيدروجين عالي النقاء بنسبة 99,999 بالمائة    الفرجة الرمضانية بين النقد السريع والنقد المدفوع    نيويورك.. وقفة في برج ترامب تندد باعتقال طالب بجامعة كولومبيا مؤيد للفلسطينيين واعتقال 98 شخصا    ماذا قال المدرب البرتغالي بعد الإقصاء … ؟    التحديات المالية للجمعيات الرياضية بطنجة: بين ارتفاع التكاليف والتسعير غير العادل    مستجدات مشروع قانون المسطرة الجنائية    خبراء: تحديات تواجه استخدام الأحزاب للذكاء الاصطناعي في الانتخابات    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم يتعلق بإحداث منطقة التصدير الحرة طنجة طيك    عقار جديد يوقف الخصوبة لدى الرجال ويعيدها بعد التوقف عن تناوله    "ألف يوم ويوم".. سيمون بيتون تحكي الحاج إدمون عمران المليح    سباق التسلح في مجال الطائرات المسيّرة.. المغرب ضمن تحالفات جديدة وتنافس دولي متصاعد    ظاهرة فلكية نادرة مرتقبة فجر يوم غدٍ الجمعة    قالها ملك البلاد‮: ‬أحزاب‮ ‬تستعجل القيامة‮..!‬    جديد دراسات تاريخ الأقاصي المغربية: التراث النوازلي بالقصر الكبير    فضل الصدقة وقيام الليل في رمضان    يسار يعرض "لمهيب" في مركب محمد الخامس    عدوى الحصبة تتراجع في المغرب    ماذا يحدث للجسم إذا لم يتناول الصائم وجبة السحور؟ أخصائية توضح    أداء الشعائر الدينيّة فرض.. لكن بأية نيّة؟    دراسة: الوجبات السريعة تؤدي إلى تسريع الشيخوخة البيولوجية    بوحموش: "الدم المشروك" يعكس واقع المجتمع ببصمة مغربية خالصة    أوراق من برلين .. قصة امرأة كردية تعيش حياة مليئة بالتناقضات    بنكيران .. القرار الملكي لا يدخل ضمن الأمور الدينية وإنما رفع للحرج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أن نتعلم
نشر في المساء يوم 24 - 07 - 2010

كنت صغيرا حين اختلف الناس في نصر أبوزيد. وكنت أعرفه شخصيا وأحبه إنسانا، وكان يكلمني وأنا طفل كما يكلم الكبار، إلا أنني لم أكن قد قرأت كتبه بعد، والأهم أنني لم أكن قد قرأت كتب التاريخ التراثية وعلم الكلام، خاصة في باب الإمامة، وغيرها.
واليوم وقد فارقنا نصر أبوزيد، أسأل: هل كان مهاجموه قرؤوها، ولا أعني كتبه، بل كتبنا، كتب تاريخنا ونظرياتنا السياسية تلك. إن المتابع اليوم للخطاب السياسي في العالم العربي يجد مصطلحات ربما لن يفهمها إن لم يقرأ تلك الكتب.
فبعض السلفيين يسمون الحكام العرب بالمرجئة، وبعض الحكام العرب يصفون السلفيين بالخوارج، وبعض المفكرين الإسلاميين يسمون أنفسهم بالمعتزلة الجدد فخرا بالاعتزال أو يسمهم بذلك خصومهم كراهية له.
وبعد غزو العراق، اشتد في الفضائيات وعلى شبكات المعلومات، كما في بعض الخطابات السياسية، سباب علني طائفي لم يكن حوارا ولم يرد له أن يكون، بل أثاره من أحبوا أن يلتهي بعض الأمة ببعضها عن مواجهة عدوهم جميعا وهو يغزوهم في ديارهم، وأغلب الناس لا يعلمون ما الفروق بين المذاهب الإسلامية الكبرى إلا ما سمعوه من هذا السباب.
وفي الجهة الأخرى، يقف خطاب يكاد من اسمه أن يدين كل ما عداه ولاسيما الثقافة الإسلامية، هو ما يسميه أصحابه خطاب التنوير، فافتراض المرء أن خطابه منور يفترض ظلاما يحتاجه. وفي القول بالتنوير لكنة تبشيرية، والتبشير، حتى بالعلمانية، لا يبرأ من صبغة تكفيرية ما برح المنورون يعيرون بها المتدينين، فأن تسمي خصمك ظلاميا مساوٍ لأن يسميك خصمك كافرا، كلاهما استعلاء لا يدع للحوار مكانا.
أقول إن من أدانوا نصر أبوزيد لقوله إن تأويل القرآن وتفسيره هو عمل المفسرين، وإنهم بشر يصيبون ويخطئون، وإنهم يتأثرون بالمناخ السياسي في أماكنهم وأزمانهم، لم يقرؤوا كثيرا من تاريخ علم الكلام الإسلامي، وإن كانوا قرؤوه فهم لا بد يدينون أغلبية علماء الإسلام وأئمته. وأقول أيضا إن من يستغلون فكر نصر أبوزيد العميق لكي يدينوا الإسلاميين جميعا في بلادنا يقعون في ما يذمونه.
واعتقادي، الذي أظن فيه الصواب ويحتمل الخطأ، أن في كل المذاهب الإسلامية خيرا كثيرا، ولا يعقل أن يؤمن الناس بها وأن تنظم حياتهم مئات السنين ثم لا يكون في كل منها فضل.
ولا أستطيع في هذا المقال أن أشرحها كلها، ولكني سأضرب مثلا بما اختلف عليه المسلمون وسلوا فيه السيوف ولم يسلوها في غيره، وهو أمر الحكم والإمامة وأزعم أن كل مذهب على اختلاف نظريته السياسية إنما يعتنق أفكارا وجيهة تصلح للتنظيم السياسي والحكم.
وما كنت لأجرؤ على الكلام فيه لولا أنه مجال دراستي، ولذلك فأنا أقصر كلامي على جانبه السياسي الدنيوي دون سواه. فالإسلام مفترق في باب السياسة على ثلاثة أفرع كبرى، هي مذاهب السنة والشيعة والخوارج، ومنها تفريعاتها. والثلاثة تفترق على باب العصمة، فبينما يرى الشيعة العصمة للإمام، يرى السنة العصمة لإجماع الأمة، ويرى الخوارج العصمة للنص.
فأما السنة ففي موفقهم مرجعية للناس وتمكين لهم، ويجوز أن تخرج من فكرهم السياسي نظم عادلة تسلم للناس أمورهم وترده شورى بينهم. وإن كانت التجربة التاريخية، في معظمها، لم تنتج الكثير من تلك النظم العادلة فإن نموذج الحاكم العادل، الذي يتولى الحكم عن شورى من الناس، بقي قائما. وقد حافظ الخلفاء على صورة البيعة كلما مات خليفة، فلم تكن البيعة وراثة تلقائية ولا صحت لابن عن أبيه أو أخ عن أخيه حتى يبايعه الناس أو رؤوسهم. والبيعة، وإن كانت شكلية، فإن التزام الجميع بها دليل على اعتقادهم أن الشرعية يجب أن تأتي من الناس وأن عليهم أن يفتعلوا البيعة حتى يحصلوا عليها.
أما الشيعة، فيؤمنون بالنص والتعيين، أي أن الله اختار للأمة ولاتها المعصومين. إلا أنهم يؤمنون أيضا بأن الله أراد ألا يجبر الناس على اتباعهم رغم قدرته على ذلك، لأنه لم يرد أن يحمل الناس حملا على الإيمان بالحق، بل بينه لهم وترك لهم الخيار.
ولو كان الأئمة ملوكا لزعم الزاعم أن في النظرية الشيعية السياسية القائلة بعصمتهم ما يعين على السلطة المطلقة، وهذه ربما كانت عونا على الطغيان. أما والأئمة معارضون، فإن العصمة تكون مسؤولية ودفعا للكمال في الدنيا والترفع عن شرها ليكونوا أمثله للناس يتبعونها، لا سلطة مطلقة مغرية لصاحبها. وعليه، فقد أسس الفكر الشيعي للمعارضة وإمكانية الكمال في البشر، ووجوب مخالفة السلطان الجائر.
أما الخوارج، فهم القائلون إن العصمة لا تكون لفرد كائنا من كان، بل ولا تكون لجماعة، لأن الجماعة قد تضل، والخوارج يرون الحق حقا مطلقا، لا يحتاج إلى تأويل وتفسير، لأن التأويل لا بد له من مؤول، والمؤول بشر يصيب ويخطئ، إنما معنى النص واضح فيه لا يحتاج المرء، لفهمه، إلا إلى معرفته بلغته وقواعدها.
والخير عند هؤلاء في قولهم بوجوب الخروج على الحاكم إذا جار حتى إذا طاوعته الجماعة أو سكتت عنه، وقد جعل بعضهم من القعد، أي القاعدين عن قتال الحاكم الظالم، شركاء له في ظلمه. وهو مبدأ لو علمه موظفو الدولة في بلادنا لغير الكثير من تاريخنا.
إن ما سبق ليس درسا معمقا، بل فرضية مبسطة ومثلا مضروبا على أن من أراد أن يرى في مذاهبنا ومدارسنا الفكرية إمكانياتها في مجال النظرية السياسية وجدها. وقد اختلف الشيعة والسنة والخوارج، وجرت بينهم الدماء على مر التاريخ، إذ إن ذلك كان من عيوبهم هم لا من عيوب مذاهبهم من حيث هي أفكار، فالفكرة كالسلاح لا تقتل إلا إن أراد لها حاملها أن تقتل.
أقول إن اختلاف المسلمين لم يزل خيرا لهم ما أغمدوا سيوفهم عن أخوتهم، فالمسلمون ما زالوا يفكرون ويجتهدون في أمورهم على مر التاريخ، واختلاف أفكارهم أثراهم، أما اختلاف سيوفهم فأضعفهم، فلا يجوز أن يسل امرؤ على امرئ سيفا أو أن يدعو الآخرين إلى سل سيوفهم عليه لفكرة اعتقدها أو اجتهاد اجتهده.
بل الأجدر أن نتعلم فكر آبائنا ثم نرى فيه رأينا. والمؤلم فيما جرى على نصر أبوزيد وغيره أن قضاياهم تحولت إلى قضايا رأي عام. والرأي العام، أي أنا وأنت، لم نكن درسنا، في مراحل تعليمنا الأساسي أو الثانوي، شيئا عن تاريخنا الفكري. وكان ذلك سياسة متعمدة من حكامنا والقائمين على التعليم في بلادنا، لا لشيء إلا لأن تاريخنا الفكري هو تاريخ سياسي وإسلامي، والحكومات في زماننا تخاف من هذين. أقول لا بد أن يدرس الفكر السياسي الإسلامي بمعناه الواسع، سنيا وشيعيا، مرجئيا ومعتزليا وأشعريا، جنبا إلى جنب مع الفكر السياسي لأمم الأرض في المراحل الأساسية والثانوية من التعليم، وألا يخاف الناس من تدريس التاريخ السياسي لصدر الإسلام بما فيه الفتنة الكبرى.
ولو أدى هذا إلى أن يغضب الناس على بني أمية وأن يحبوا الحسين بن أبي طالب فما يخيف الحكومة؟ وإن كان هواهم مع علي أو عثمان فما يخيف الحكومة؟ وإن رأوا أن عليهم الطاعة أو أن عليهم الخروج عليها فعلى الحكومة، لو كانت شرعية، أن تحترم إرادتهم. ثم بعد ذلك إذا جاءهم مجتهد قدروه حق قدره، وإن اختلفوا معه، ولم يسلوا عليه سيوفهم. فإن السيوف لا أمان لها، وقد اتهم الناس عبد الصبور شاهين بالكفر بعد أن اتهم هو نصر أبوزيد بالكفر، وهذا أمر يطول إن سمحنا به.
وكثير من الناس يتبع ما يسمع ولا يتحقق، فكانوا كأهل الكوفة حاربوا الخوارج وراء مصعب بن الزبير حين كان عبد الملك بن مروان ينافسه الملك في الشام، فكان الخوارج يسألون جند الكوفة: «ما تقولون في بن الزبير؟»، فيقولون: «إمام هدي»، فيسألهم الخوارج: «فما تقولون في عبد الملك؟»، فيقولون: «ضال مضل». فلما انهزم الزبيريون وتم الأمر لابن مروان، سأل الخوارج أهل الكوفة: «ما تقولون في بن الزبير؟»، فقالوا: «ضال مضل»، فسألهم الخوارج: «فما تقولون في عبد الملك؟»، قالوا: «إمام هدي».
وإن أمير المؤمنين عليا بن أبي طالب رفض أن يقتل عبد الرحمن بن ملجم رغم أن الناس سمعوا عبد الرحمن يعلن نيته في قتل أمير المؤمنين. لأن ابن عم النبي لم يكن ليعاقب رجلا على نية أو قول لم يتعده إلى فعل الجرم، فكيف برجال اجتهدوا للناس وأرادوا أن يعلموا دينهم ويعلموه. إن خير ما نفعله إكراما لعلمائنا هو، ببساطة، أن نتعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.