أيتها القارئات الفُضلَيات، أيها القراء الأفاضل، "" ما يحدث الآن هنا أكبر من مجرد اختلاف حاد في الآراء، وأكثر من مجرد حادثة اصطدام عابرة. إنه الوجه الضاج لعملية استنزاف تدمرنا في صمت ولا ننتبه. ولهذا، وعلى غير عادتي، سأتكلم اليوم باسمي شخصيا. لن أتقمص شخصا آخر غيري كما كنتُ أفعل. أريد كلامي هذه المرة مباشراً لا يقبل التأويل. فهذا التأويل اللعين هو نفسه الذي جعلني أنجرُّ إلى واحدة من المعارك السخيفة التي تراق فيها الكرامة حيث لا تسيح الدماء. أريد صدقا أن يسمعني من صار الآن خصما لي بهدوء دون تشنج، أريده أن يصل إلى عمق رسالتي كما شئتُها صافيةً صادقة. لم أكن بداية على علمٍ بكل ما يجري هنا. كانت لي أسبابي المُلحّة التي جعلتني أُحنّط حاسوبي وأقطع الاتصال بالعالم. لم أكن فعلا أعرف ما يحدث خلال هذه الأيام. وحين عدتُ، قرأت كل ما كُتب عني وضدي، وفتحتُ الرسائل فأدهشتني الحرائق التي اندلعت وما تزال مندلعة باسمي. صدقا، لا أتحمل أن أنحشر في حرب سخيفة ضد غيري. كنتُ دائما مترفعا عن مثل هذه المناوشات الهامشية التي تنتهي بقتال شوارع. كنتُ بعيدا والجميع يعرفني عن أي موقف أو مجابهة أمتثل فيها للأعراف القبَلية التي تجعلني أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب. عشتُ طويلا أعرف حجمي جيدا، وأعرف دوري جيدا، وأعي الحدود المرسومة سلفا. كنتُ أحاول جاهدا ألا أسيء إلى أحد كي لا يسيء إليّ أحد. لكنك أرغمتني على أن أكون ضدك. فتذكّر من كان المسيء أولا. تذكّر أنك ودون مقدمات وضعتني أمام القراء في صورة كاريكاتيرية، سخرتَ مني وأردتهم أن يسخروا أيضا. كأنك اخترتني أنا بالذات لتجس النبض بمكر: ماذا لو خلعتَ عني الاحترام. أوحيتَ للقراء أن يغيروا تصوراتهم عني، وكأنني مسؤول عن كل هذا الفساد الممتد فينا. أردتَهم أن يعيدوا النظر في حكمهم عليّ. ولم تكتف بالإشاعات، بل وصفتني بالنازي. حرام عليك يا رجل، هل أنا هتلر؟ لهذا أرجو أن تقدّر انتفاضتي. وتفهمَ أني كنتُ مجبرا على إعادة الاعتبار لكرامتي بما يجرح كرامتك، غير أني لم أتصور أن نجرحَ بهذه الأنانية كرامة الوطن أيضا. ودعني أعلن هنا موقفي في القضية بوضوح بعد أن أُجبرتُ على الكلام: أنا ضد من يسيء إلى من لم يَثبُت أن أساء إلى الوطن، لكني أيضا ضد من يحاول أن يخرس صوتك ويقطع رزقك. أنا ضد إشغال الناس بأمور صغيرة كهذه على حساب قضايا أكبر وأنبل، لكني أيضا ضد من يسعى إلى تركيع أي قلم حر شريف. وكما أنت لستَ مقدسا، أنا كذلك. فلماذا حدث كل هذا؟ كان يمكن قبل اليوم أن نكون صديقين. كان يمكن في أية لحظة أن ترسل إلي خطابا عفويا تعاتبني فيه أو تستفسرني، توجه إلي تحية أو نقدا... وستولد بالتأكيد صداقة بيننا. نعم، قد لا أكون الصديق الذي تريده، لأني لن أكون مصدرا للأخبار التي بها تهتم، لكن يكفي ألا أكون خصمك فحسب. وقد لا تكون صداقتنا قوية كما صداقاتك بآخرين، أو على الأقل شفافة كما نتمناها، ولكنها في كل الأحوال ستكون صداقة وكفى، تلك التي تجعل أحدَنا يترفّع عن إلحاق الأذى بالآخر، وتجبرنا معا على أن نتبادل النقد والعتاب بمنتهى الاحترام والتقدير. صدقا، يجب أن تتوقف هذه المعركة. فالمعارك إما أن تكون عادلة تستحق منا كل هذا النزيف، وإما أنها مجرد لعبة يخوضها أطفال أرادوا أن يُلفتوا انتباه الكبار فاحترفوا القتل. ولا أظن معركتنا إلا صورة مصغرة لحرب عصابات طفولية، بدأت بحجر طائش فتواصلت بالأسلحة الثقيلة. لقد بات يخيفني ما يجري اليوم هنا، كأن الأمر صار أكبر منك ومني. ولم يعد أحد قادرا على ترويض الوحوش التي طلعت من كل مكان. وسواء اعتذرتَ لي أو اعتذرتُ لك لن يتوقف قريبا هذا الانهيار الذي خلفناه وراءنا. يجب أن نمتلك الشجاعة كي نعتذر لكل الناس الذين شغلناهم عن الأهم في حياتهم بضجيجنا التافه، ونعتذر لكل الأبرياء الذين أصابتهم شظايا قذائفنا، فباتت تفرض على الناجين منهم البقاءَ مختبئين في الملاجئ إلى حين. أيتها الفُضليات، أيها الأفاضل، باسمي شخصيا أعتذر لكم. [email protected]