من بين الأزقة الفقيرة لدرب الحي المحمدي تنبعث الذكريات الفنية التي أرخت للزمن الغيواني الأصيل، بين حي الكدية والسعادة، عاشت مواهب تعشق أن تعلن الانتماء إلى هذا الحي الشعبي. بين براريك كاريان سانطرال، تعايشت أحلام المقاومة في إعلان مغرب جديد انطلق من الحي المحمدي. من هنا مر بوجميع، باطما، عمر السيد، محمد مفتاح، عائشة ساجد، العربي الزاولي، الغزواني، خليفة، بوؤسا، عشيق... كل أعلن عن عشقه الخاص للحي، وهذه شهادات لأناس أحبهم المغاربة عبروا عن بعض حبهم للحي المحمدي... بين خشبة دار الشباب -الحي المحمدي، بحث في دواخله عن عشق المسرح.. بين «براريك» هذا الحي الفقير، عاش الممثل محمد عاطر، بين ذكريات «الطاس» و»الشابو» والظاهرة الغيوانية التي شكلت الأعمدة الرئيسية لذاكرة الطفل الصغير... عن الحي المحمدي، يقول محمد عاطر: «حينما وعيت الحياة، عرفت «كاريان لاحونا» الذي عشت فيه شقاوة الطفولة، كنا نقول في صغرنا: «كاريانْ لاحونا لا فْرّان لا طاحونا».. في فضاء «الشابو» (حي الأمان حاليا)، اكتفشنا طفولتنا وعرفنا «الصاروخ» و«بّاعثمان». وأتذكر في سبعينيات القرن الماضي، «الضاية الكبيرة» بالقرب من ملعب «حسن» الذي لعب فيه الترجي، وأتذكر «الببوشة» (منبع ماء زلال).. كما لا أنسى صورة «الصاكا» الشهيرة في الحي المحمدي، وأتذكر «عوينة»، «شامة» و«سوسيكا».. ومن الشخصيات التي لا يمكن أن تُنسى كذلك شخصية «كيرا»، وكان فنانا فكاهيا بالفطرة، يعتمد على اللحظة ليخلق النكتة والدعابة، دون أدنى تكلف.. وأتذكر ما كانت تمارسه الكرة من «سحر» على سكان الحي.. هنا لا بد من الإشارة إلى أن الحي كان يحتوي على عدة ملاعب في مناطق شاسعة. كنا نلعب في ملاعب «العكرب»، «الجيش»، «زاهير»... هذه الفضاءات كانت تتيح لنا الفرصة للعب أو متابعة العديد من الأسماء الكبيرة، مع الإشارة إلى أنني تعلقت أيَّما تعلُّق بفريق الاتحاد البيضاوي. عن هذا التعلق، يقول عاطر: «كنت شغوفا بمتابعة مقابلات وأخبار «الطاس»، لاسيما أن طفولتي تزامنت مع فترات تألق هذا الفريق الكبير، وما زالت ذاكرتي تحتفظ بأسماء تألقت في سنوات الثمانينيات، من بينها الشاوي (الحارس)، ميلود، عبد اللطيف، المهدي ملوك، الذي التحق بالرجاء، فرحات (الذي درسني الرياضة) عزيز ختو (لعب للمحمدية وطنجة) وكريمو وغيرهم من اللاعبين الكبار.. وكان «الطاس» يملك «ظلمي» آخر كان اسمه «فركس»، إلى جانب حكمي، قاسمي، مدني وسعيد كماح... لقد كنت أبكي كلما انهزم فريق «الطاس»، لهذا كان أخي (كان يمارس مهنة التدريب) يتجنب مرافقتي إلى الملعب، مخافة بكائي على «الطاس»، إن خسر مباراتَه»... ولعاطر حديث طويل عن الفن يقول بخصوصه الممثل الكوميدي: «حينما نتحدث عن الحي المحمدي، لا بد من الإشارة إلى انتشار «الحلقة» بشكل كبير بين «الكاريانات» وقتَها، إذ كان «الحْلايْقية» يَرْوُون السير التاريخية والدينية، منهم من ما يزال على قيد الحياة، ومن بينهم أحمد الطويل، الذي كان يمتعنا، كما كان هناك خلوق ولعريش، الذي اشتغل مع «الهناوات» بدل الجيلالي، كما كان هناك الغازي، والحسناوي، الذي كان فكاهيا كبيرا بامتياز، إضافة إلى مصطفى الفرجي، زريويل، المعاشي، خلفية وآخرين... كان هؤلاء يمتعون المتفرجين على أمل أن يمنحهم هؤلاء مبلغا لا يتجاوز 4 أو 10 ريالات في أحسن الأحوال.. مع ذلك، فلا يمكن الحديث عن التاريخ الفني للحي المحمدي دون الإتيان على ذكر دار الشباب -الحي المحمدي»... عن هذه الدار، يقول محمد عاطر: «في دار الشباب، مرت فرق مسرحية كبيرة، من بينها فرقة «جمرقان»، الذي تعرفت إليه، إلا أنني -للأسف- لم أشتغل معه، وكنتُ قد تعرفتُ عليه عن طريق كوميدي كبير في الحي المحمدي اسمه عبد السلام الجليوي، الذي كان يرأس جمعية في دار الشباب ما بين سنتي 1981 و1982 وكنت أحضر عروضه المسرحية، فشاركت معه في أعمال مسرحية، ومؤخرا، أرسل إلي طفلا تابع مسرحية شاركت فيها، ليقول لي واش عقلي على «الغابة المجنونة؟» وكان هذا عنوان المسرحية التي تابعتها في تلك السنوات.. بعد تلك المرحلة، انتقلت إلى دار الشباب -سيدي مومن، واشتغلت في مسرح الهواة. وأتذكر أن أول عمل مسرحي شاركتُ فيه كان في سنة 1987 مع فرقة «جمعية 2»، للمرحوم محمد حماش عنان في سيدي مومن في مسرحية «الدلالة».. وأتذكر أن الفنان إبراهيم وردة تابع العرض في دار الشباب فأوصاهم خيرا بي.. وحينما التقيته مؤخرا، ذكر لي الحادثة وقال: «ألم أقل لهم تهلاو في هاد السيد؟».. بعد ذلك، بدأت أتنقل بين الحي المحمدي وسيدي مومن.. واشتغلت بعد ذلك مع عبد الجليل ماجوك، بعدها، مارسنا باسم «ماجوك وعاطر».. قبل أن نطلق على الثنائي اسم «ثنائي لْهْبالْ» في سنة 1993، وهو الاسم الذي أعجب الراحل محمد باطما.. وقد تزامن ظهور الثنائي مع دراستي الجامعية في السنة الثالثة، من هنا انطلق الثنائي وابتعدت بشكل تدريجي عن الحي المحمدي، إلا أن هذا الابتعاد لم يكن فنيا، إذ شاركت مع مجموعة «مسناوة» في العديد من السهرات الفنية، كما أتذكر أن أول سهرة قدمتها ل«ناس الغيوان» كانت ما بين 1994 و1995 في سيدي البرنوصي، وفي تلك السهرة، أذكر أن العربي باطما غنى رائعة «الصينية»، كما شاركتْ في تلك السهرة الفنانة نجاة اعتابو»...