واكبت حلقة ليلة الأربعاء -صبيحة الخميس 15 يوليوز الجاري من برنامج «أنيس المتحاورين»، الذي يُقدِّمه سعيد كوبريت على إذاعة طنجة ندوة «حوار الثقافة العربية، الواقع والتطلعات»، التي تُنظَّم موازاة مع فعاليات موسم أصيلة... وقد استقبل هاتف البرنامج تدخُّلَ الأكاديمي الفلسطيني، خالد الحْروب، الذي ذكر أن الحوارات يجب أن تتسم بالليونة، لأن مقولات كثيرة تظهر هنا وهناك، كمقولات المستشرقين التي تزعم أن «الشرق» ثابت لا يتغير وجوهراني لا يتأثر بالظروف الموضوعية، وبالتالي فهو لا يسير إلى الأمام.. وتزكّي هذه المزاعمَ بعضُ التيارات التي ظهرت في هذا الشرق نفسه، والتي تتبنى الطرح القائل إن الإسلام قد اكتملت دائرته منذ زمن، وبالتالي لا داعي إلى «اجتهادات».. كما ذهب الأكاديمي الفلسطيني إلى أن الفضائيات العربية، «المبثوثة» بالمئات هنا وهناك، تنشد الاختلافَ -ظاهريا- وإن كان العرب -في الواقع- يسعون إلى فرض ثقافة واحدة، مضيفا أن وجود هويات كثيرة لهذه الثقافة العربية، في مجملها، يجعل العلاقة بدل أن تكون علاقةَ اغتناء، تتحول إلى علاقة اصطدام.. علاقة قال الحْروب إنها لو كانت عفوية، فإن هذه الثقافات العربية ستتفاعل إيجاباً، أما إذا كانت العلاقة متوتِّرة، فإنها لن تُنتِج إلا التنافر والتباعد... التشكيلي العراقي رافع الناصري قال إن النخبة المثقَّفة غير حاضرة في العراق حاليا، حيث توزعت في المَنفَيات، لأنه لم يعد ممكناً أن يعيش المثقفون هناك، تحت قصف المدافع وويلات الحرب، وفي ظل اغتيال الإرث الحضاري لبلاد الرافدين على يد آلة الحرب الجهنمية.. مضيفا أن جيل مثقَّفي الثمانينيات، الذين هم أساس النهضة الثقافية، تم تشتيتُهم، بطريقة لا إنسانية ويعيشون «حالة غريبة»، فلا هم قادرون على العودة من مَنفَياتهم ولا هم قادرون على العيش أو التعايش هناك... وأشار الناصري إلى أن المثقف العراقي هو دوماً مثقف «عُروبي» يسعى إلى ترسيخ الثقافة العربية قبل أن يفكر في إعطاء فعله بُعداً محليا، وضرب بنفسه مثلا، حين ذكر أنه يتواجد في الأردن منذ حرب الخليج الأولى (1991) حيث «تفاعل» مع المجتمع الأردني.. معربا عن حسرته العميقة على بعض المثقفين المغتربين في مجتمعات غربية وغريبة عن هويتهم وانتمائهم... وذكر عبد الله القاق، الأمين العام لاتحاد الأدباء الأردنيين، أن منتدى أصيلة يناقش عدة قضايا طُرحت للتداول منذ سنوات، دون نتيجة، بسبب تشبث «الآخر» بنظرته الخاصة، حيث إن «هذا الغرب لا يريد لمثل هذه المنتديات أن تنجح إلا إذا كانت على حساب قضايانا القومية (فلسطين، مثلا)»... مشيرا إلى أنه قد آن الأوان لكي يضع العرب حدا لخلافاتهم حتى يستطيعوا أن يصلوا إلى ما يريدون.. وبخصوص سؤال حول موقع اتحادات الكتاب والأدباء العرب من الخلافات بين السلطة والمثقفين، ذكر القاق أن من شأن التعاون بين الاثنين أن يثري المشهدين معا: السياسي والثقافي... ليختم بالقول إن مواسم مثل أصيلة يمكن أن تمثل انطلاقة عربية وحدوية لتجسيد التعاون الثقافي... أما الكاتب والإعلامي السوداني حسن إبراهيم، فقد قال في بداية تدخله: «أنا سوداني غاضب وعربيٌّ ملتبِس، أعاني من العنصرية والتهميش»... ليتساءل: «هل عاين هؤلاء الذين يحضرون إلى مثل هذه المنتديات «ليعطوا محاضرات» واقعَ مدن القصدير، مثلا؟.. وهل عايشوا معاناة المقهورين في القاهرة والخرطوم ومآسي أهالي دارفور؟».. ليضيف -بنبرة غاضبة- أنه عاين قوات السلطة وهي تتدخل في السودان لتدكَّ عظام سودانيين عزَّل وفوق ذلك نعتتهم ب«العبيد»... ليتابع قائلا: «أنا أحب جميع العرب، لكنني أحب أن نناقش مشاكلنا، بصراحة، وبدون ضحكات صفراء، وبدون التخفّي وراء القيل والقال»... أما الناقد الأدبي والباحث اللِّسني المغربي أنور المرتجي، فقال إنه جرت العادة، كلما طُرِح موضوع حوار الحضارات للنقاش، استحضار «الآخر» (الغرب) بينما ما يُتداول خلال مناظرة أصيلة هو خصوصيات الثقافة العربية.. وشدَّد على أنه «يجب إسقاط التصورات القبلية في مثل هذه الحوارات»، وأشار إلى أن بعض المثقفين المسيحيين (ميشيل عفلق نموذجا) اعتنقوا الفكر القومي حتى يتجاوزوا بعض الإشكاليات المرتبطة بالحقل الديني وتداعياته.. كما ألحَّ الباحث اللسني على عدم التسرع أثناء إصدار بعض الأحكام، من قبيل ما يروج حول كون «مصر تكتب، لبنان يطبع والعراق يقرأ».. وذكر أن منتدى أصيلة، وما سار في ركبه من منتديات، أضحت ملتقيات للتفكير في أمور كان الأحرى أن يتناولها السياسيون.. ليختم تدخله بالإشارة إلى أن أزمة الفكر اليوم مطروحة على الصعيد العالمي، بعد انهيار جدار برلين، وما استتبعه ذلك من مستجَدّات وتغيُّرات في موازين القوى على الصعيد العالمي...