أضحت مدينة العرائش، التي يمثلها في البرلمان الوزير الأول عباس الفاسي، مدينة بلا هوية ولا خصوصية، عكس ما كان عليه الأمر في السابق، فالمدينة تم «ترييفها» وتهميشها بشكل فظيع. فالمئات من دور الصفيح تتناسل وسط المدينة بدون توفرها على الماء صالح للشرب، فيما ازدادت ظاهرة البناء العشوائي وسط شوارع أصبحت عبارة عن مطارح عمومية للأزبال، مخترَقة من طرف البهائم والحمير، تقتات من حاويات القاذورات التي تشرف على جمعها شركة ألمانية، بناء على عقد تدبير مفوض... وأصبح الانفلات الأمني الهاجسَ الأكبر لدى المواطنين، بعد تعدد السرقات والاعتداءات، بسبب زحف المخدرات القوية على المدينة، مسببة ارتفاعا خطيرا لإدمان الشباب على الهيروين والأقراص المهلوسة، كما أصبحت المدينة قاعدة خلفية لتهريب أطنان من المخدرات إلى شبه الجزيرة الإيبيرية... «لم تعرف مدينة العرائش، البالغ عدد سكانها حوالي 15 ألف نسمة، تجاهلا أو تهميشا بقدر ما عرفته خلال عهود تمثيلها في البرلمان من طرف الوزير الأول عباس الفاسي، فرغم أن هذا الأخير لا تربطه بالمدينة أي صلة، فإنه يُصِرُّ على الترشُّح فيها خلال كل اقتراع»، يقول مسؤول من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مضيفا أن «عباس الفاسي لم يجد أدنى صعوبة في أن يترشح في إقليمالعرائش للمرة الثالثة». فالمرة الأولى كانت سنة 1984، قبل أن يُعيَّن سفيرا في تونس مباشرة بعد ذلك، والثانية سنة 2002، وهو أمين عام ووزير حكومي، حيث سعى إلى الفوز بمقعد العرائش الانتخابي، رغبة منه في أن يختاره الملك وزيرا أول، إلا أنه حظي بحقيبة وزارية فارغة، بعد أن سبق أن عُيِّن على رأس ثلاث وزارات لا علاقة لأي منها بالأخرى، إلى أن أصر على إعادة السيناريو، مرة أخرى، سنة 2007، حيث فاز مجددا بالمقعد البرلماني... فزائر مدينة العرائش سيصاب لا محالة بدهشة وحسرة كبيرتين على ما ألمَّ بالمدينة من انعدام للبنيات التحتية وتدَنٍىّ الخدمات العمومية وسوء تدبير وتسيير من طرف المجالس المنتخَبة المتعاقبة، ناهيك عن اكتساح الأزبال والقاذورات الشوارعَ الرئيسية للمدينة وارتفاع معدل البطالة، بشكل غير معهود.. فقد عملت الدولة، في إطار الانفتاح المزعوم على الرساميل الأجنبية من أجل الاستثمار وخلق فرص جديدة للشغل وإنشاء بنيات تحتية للدواوير والقرى المجاورة، على تفويت عدد من الأراضي الفلاحية لكنْ، وفق ما عاينته «المساء»، فإن عملية تفويت أراضي الدولة في مدينة العرائش «صوديا -سوجيطا»، رغم الترويج بشعار احترام دفاتر التحملات التي تحمل الأهداف المذكورة أعلاه، كما أن هذه العملية التي كانت تتم تحت إشراف السلطة الإقليمية، برئاسة عامل الإقليم السابق ماء العينين، لم تسفرْ إلا على نتائج عكسية، من تجريم العمل النقابي وعدم احترام كناش التحملات، على غرار ما حدث أيضا -وإن كان بدرجات متفاوتة- في الضيعات الأخرى «تيك أكري» -«باصيطا» -«باهيا أكري». وقال محدِّثونا، خلال إنجازنا لهذا الروبورتاج، إن خطورة التجاوزات والخروقات في العرائش بلغت مستويات قياسية، خصوصا في مجال التراخيص الممنوحة لبناء العمارات، حيث يعرف قسم التعمير فوضى عارمة في ما يخص الإصلاح والبناء، في غياب أدنى مراقبة ودون مراعاة لرونق وجمالية ومعمار المدينة. فبسبب التراخيص الممنوحة، تم تشويه معالم المدينة القديمة، بالسماح بزيادات طوابق في أعلى البنايات وفتح الدكاكين في أسفلها، كحالة «بوصابون» و«معزية» وغيرهما.. كما تم الإجهاز على المعمار الكولونيالي للمدينة، بشكل أعادها إلى مرتبة المدن شبهِ القروية. كما تشير مصادرنا إلى أن عددا من التراخيص أُعطيت بشكل «زبوني»، للبناء في الأماكن لا تحتمل ذلك، زيادة على أن الأمر يتعلق بعمارات تحجب الرؤية، مما أثر سلبا على جمالية المدينة ورونقها. ومن بين التراخيص التي وقفت عليها الجريدة، الرخص التي أعطيت للبناء فوق المساحات الخضراء من أجل تشييد احد الفنادق، إلى جانب عمارة «لاتوليب» و«النخيل» وعمارة أخرى في «زنقة ابن رشد» وأخرى في «شارع عقبة بن نافع»، وعمارة «سينما كوليسيو» في «زنقة القائد أحمد الريفي» والمركب السكني «الفتح» في «شارع علي بن أبي طالب» ومشروع بناء أربع عمارات في الحي ألصفيحي «جنان أزطوط» وغيرها... وحسب مصادرَ مطلعة، فقد عرفت التراخيص التحايل على التصاميم، بزيادة الطوابق. كما تمت الاستفادة في أيضا من شواهد صلاحيات السكنى، تحت أعين الجميع، من جهات مختصة وسلطات الوصاية، كما حدث ليلة ال27 من شهر أبريل 2008 حيث انهارت، بشكل مباغت، الدور السكنية المحاذية لمشروع بناء أربع عمارات في «فندق ألمان»، المعروف ب«باطيواحسيسن»، المتواجد في «جنان زطوط». فلولا فطنة بعض السكان، لتكررت مأساة القنيطرة والدار البيضاء...
انتشار خطير لمخدر الهروين ومدمنون جدد.. لم تسلم مدينة العرائش، بدورها، من زحف المخدرات القوية، المتمثلة في «الهروين» و«الكوكايين»، بعدما كان الأمر في السابق يقتصر على الأقراص المهلوِسة. حيث ارتفع عدد المدمنين الشبان على الهروين، بشكل فظيع، وارتفعت معه نسبة ووتيرة الإجرام والاعتداءات المسلَّحة وجرائم القتل والاغتصاب الذي طال حتى أجساد العجائز، كحالة امرأة مسنة وكفيفة «زهرة السوسي»، التى كانت تقطن في كوخ وسط حي قصديري في «جنان أزطوط» تنعدم فيه الإنارة العمومية.. وكانت التنسيقية المحلية لمناهضة الزيادة في الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية قد نددت، في عدة بيانات لها، بالوضع الذي آلت إليه مدينة العرائش من «انفلات أمني خطير وتفشي ظواهر اجتماعية خبيثة، من تسول وانتشار للمتشردين والمختلين عقليا ورعي للمواشي والدواب في الحدائق العمومية المدينة وانتشار وتوسع استهلاك «القرقوبي» والمخدرات القوية».. حيث حمَّلت التنسيقية المذكورة المسؤوليةَ للسلطات المحلية والإقليمية والمجلس البلدي التي فشلت في تدبير الشأن المحلي وجعلت مدينة العرائش «سوقا مفتوحا في وجه المضاربين العقاريين والاغتناء غير المشروع لذوي النفوذ والمستفيدين من اقتصاد الريع، وجعلت المدينة كذلك ملاذا آمنا ل«المافيا»، بمختلف أنواعها، ووكرا للمجرمين الذين اتخذوا من بعض الأحياء الشعبية مواقع لبيع المخدرات القوية (هروين، قرقوبي، كوكايين...) لتسميم شباب المجتمع، على مرأى من أجهزة الأمنن»، يقول بيان التنسيقية. ففي حوار لمسؤول أمني مع جمعية حقوقية، اعترف هذا الأخير بأن «جل مناطق المدينة تعتبر نقطا سوداء، على اعتبار أن ثلثي المدينة مشكَّلان من أحياء صفيحية تغيب فيها المسالك الطرقية والإنارة، الشيء الذي يُصعِّب مهامَّ دوريات الأمن»، مضيفا في الحوار ذاته أن «المهمة التي يمكن أن يقوم بها شرطيان على متن سيارة، تستدعي أعدادا إضافية من رجال الأمن وقد تصل إلى عشرة أفراد.. وهذا «هدر» كبير للمجهودات التي يقوم بها الأمن، حسب قول المسؤول الأمني. كما أصبحت العرائش قاعدة خلفية لتهريب أطنان المخدرات، انطلاقا من سواحلها في اتجاه الشواطئ الأندلسية والإيبيرية، فارتفاع كمية المخدرات المحجوزة في سواحل العرائش وصلت في إحدى الفترات إلى طنين و300 كيلوغرام، تم حجزها بعد إحباط عملية تهريب دولي للمخدرات، حيث تخلى أصحاب العملية عن المخدرات التي كانت مُعَدَّة على شكل رُزَم مغلَّفة بالبلاستيك وتزن كل واحدة 25 كلغ، بعد مباغتتهم من طرف عناصر الأجهزة الأمنية التي شاركت في هذه العملية. كما أنه في بعض الأحيان يتم حجز بعض الزوارق النفاثة والمطاطية التي تعمل على نقل شحنات المخدرات في اتجاه أوربا. كما أن عمليات تهريب المخدرات من العرائش أسفرت عن عدد من الضحايا، كحالة أحد الأجانب الذي عُثِر عليه ميتا في عرض البحر، ومحاكمة «حمّالة» الحشيش وما عرفته من تداعيات، انتهاء باعتقال المصالح الأمنية المغربية، منذ شهر من الآن، شابّاً من مدينة «ويلفا» الإسبانية، كان قد ظهر قبل أيام في شاطئ مدينة العرائش، حيث أعلن حينها أنه نجا من حادث غرق في عرض البحر، دون أن يكشف ملابسات ذلك الحادث وظروفه، ليتبين في ما بعد أن الأمر يتعلق بشخص إسباني له سوابق قضائية في تهريب المخدرات دوليا، ما يعني أنه كان ضمن مافيا لتهريب المخدرات من العرائش بحرا، لكن العملية فشلت، لأسباب لن يكشف عنها... ويقول مسؤول جماعي في المدينة إن وادي «لوكوس» له مجرى كبير ومحاط بأراضٍ شاسعة وكذلك بغابات، ما يجعل مسألة مراقبته جد صعبة «أمام قلة الموارد البشرية والمادية»، فضلا عن الظلام الدامس الذي يحيط بالوادي، ابتداء من سد المنع إلى مصب النهر في المحيط، ما يسهل عمليات شحن وتهريب المخدرات، بكميات كبيرة... 4000 أسرة تعيش في منازل صفيحية يبقى ملفّا التعمير ودور الصفيح في العرائش من بين الملفات الأكثر إثارة للاهتمام من طرف المراقبين، لما تعرفه من خروقات خطيرة واختلالات متعددة لا تتوفر في مقتضيات القوانين، وكذا احترام دفاتر التحملات، ومعها المساطر المعمول بها، خاصة عند استحضار المعطى المتعلق بدُور الصفيح وما تشكله من خطورة على النسيج الاجتماعي والعمراني في تناسقه المتعلق بمدى فاعلية التجهيز ودقة التصاميم العمرانية، بما ينسجم ووحدة المدينة، في أبعادها التنموية الشمولية، وفي تعالقها بالنمو الديموغرافي، خاصة وأن دينامية المدينة لا تتشكل إلا من خلال هذا الخطاب التنموي في حد ذاته، بارتباط مع مفهوم المواطنة الذي يجد أرضيته الخصبة مندمجا مع هذه المفاهيم الكبرى لحقوق الإنسان، ومنها «الحق في السكن والاستقرار». ففي العرائش، لا تخرج أحياء الصفيح عن هذا السياق، فشعار «مدن بدون صفيح» ما زال لم يتحقق بعد، خاصة إذا علمنا أن الرهانات الانتخابية حضرت بكثافة في هذا التشكل العمراني الهجين وغير المنسجم، الذي يساهم في تشتيت الذهنية ومراكمة المشاكل المصاحبة، والتي لا تستعصي على العد، بعنوان بارز سِمَتُه الأساسية التهميش والإقصاء والفقر، كلغة سائدة على الدوام، حيث تحول سكان «البراريك» إلى مجرد أرقام حسابية تدخل في الأجندة الانتخابية لمن يريد مقعدا مريحا يوفر له تحقيق مكاسب ريعية جديدة، تُشتمُّ منها، رائحة الابتزاز.. وبمجرد انتهاء العملية في مجملها، يتحول «المواطن»، ساكن «البْرّاكة»، إلى هدف لزعزعة استقرار المدينة ووحدتها، (أو هكذا يرسمون له صورة مخيفة في الذهنية العامة، مع العلم بأنهم هم من صنعوا حالته المتردية)، ضدا على كل المشاريع التنموية التي تدخل في قائمة أهدافها تجميع الرتق، وتطويق الهامشية، والبحث عن سبل تحقيق المساواة، على الأقل في هذا المفهوم في حد ذاته، أي «المواطنة» وفيها يتموقع «الحق في العيش بكرامة وفي سكن لائق»،على القائمة، ويبرز في أساساتها غير المتوقفة. لقد عاينت «المساء» تكتلات بشرية مهمة تعيش داخل أحياء صفيحية تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، دون ماء صالح للشرب ولا إنارة ولا مسجد ولا مستوصف. لقد ذُهِلنا ونحن نعاين مسجدا صفيحيا داخل براكة.. وهو ما ينفي كليا خطابات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بخصوص هيكلة الحقل الديني والاهتمام بالمساجد... مجموعات من المواطنين يتكدسون في منطقة واحدة مكتظة، لذلك تم في إحدى المراحل ترحيل جزء منهم، أما الجزء الآخر المتبقي، فإنه ما زال يخضع لإعادة الهيكلة، فيما بقيت أحياء صفيحية أخرى تعاني لوحدها شظف العيش. وحسب إفادات المتضررين المرحَّلين، فإن عملية الترحيل المزدوجة طالتها موجة من التحايلات من طرف اللجنة المكلَّفة بهذه العملية. تحضر اللجنة ممثلة في رجال السلطة وغيرهم من ممثلي المصالح المعنية، ومبررهم أن الأرض تعود ملكيتها إلى الدولة، وهي مفوتة لفائدة «مؤسسة العمران»، بهدف إعادة هيكلتها، في إطار الاتفاق المبدئي (عقدة المدينة). لكن ما ظهر جليا، خلال تنفيذ هذه العملية، هو أن الترحيل تم بشكل عشوائي، فحسب إفادات الساكنة المتضررة، والتي تم استقاؤها من عين المكان، فقد كانت نقطة الانطلاق من حي «كليطو»، ثم وصلت إلى حي «المحصحص». لكن ما حدث هو أنه تم وقف هذه العملية بشكل نهائي، وانتقلت اللجنة إلى أحياء في منطقة «كليطو» وبقيت الدولة، إلى حدود هذه النقطة، ملتزمة بالترحيل، ثم الهيكلة، ففي حي «غوادا لوبي» مثلا، كان التزام الدولة وباقي اللجان المختصة، مضافا إليها «مؤسسة العمران»، كشريك جديد في هذه العملية، هو تجهيز الأراضي. لكن معطيات أخرى تؤكد أنهم عندما دخلوا إلى الحي، تغير الخطاب تماما، خاصة في ما يتعلق بدفتر التحملات المرتبط بالتجهيز وإعادة الهيكلة، فقد تبين في ما بعد أنهم اختاروا حيا يفتقر إلى أبسط شروط العيش الكريم، من شبكة الواد الحار والتطهير السائل والتزويد بالماء والكهرباء، زيادة على البعد عن المرافق الحيوية، وعن وسط المدينة، وأكثر من ذلك قربها من مزبلة «تاريخية» هي مطرح «الباسورة»... فوضى تعمُّ شوارع العرائش يفرض مشكل الباعة المتجولين نفسه بقوة على مشهد مدينة العرائش. فمعظم شوارع وأزقة المدينة هي عبارة عن أسواق ومراكز عشوائية خاصة بهؤلاء الباعة. لم يعد سكان العرائش يستطيعون التجول فوق الأرٍصفة، بل يضطرون إلى المشي وسط الطريق العام المخترَقة والمحتلة من طرف البغال والحمير والماشية، التي تقضي جل يومها طليقة ترعى من حاويات الأزبال المصطفَّة على جنبات الشوارع. ويبلغ عدد الباعة المتجولين حاليا أكثر من 4000 بائع، حسب مصدر رسمي. ويقول هذا المسؤول إن السلطات عاجزة عن تناول هذا الملف، نظرا إلى العدد الهائل من المتعاطين لهذا النوع من التجارة وإلى غياب أي بدبل يعوضهم عن احتلال الشارع، رفقة عرباتهم التي تجرها الحمير والبغال في مدينة يمثلها في البرلمان الوزير الأول عباس الفاسي!...