إن السكن العشوائي، الذي يعتبر أحد المظاهر البارزة للعجز الاجتماعي، مازال يهم أكثر من20 ألف أسرة في المضيق مكرهة على العيش في أوضاع لا تستجيب لمعايير السلامة ولا ترقى إلى الحد الأدنى للحياة الكريمة بتزكية من طرف المسؤولين. بالمضيق يوجد أكبر تجمع سكاني عشوائي يعيش ظروفا مزرية، دون أن ينعم ولو بالماء الصالح للشرب، أو بطريق توصلهم إلى «ماربيا الشمال» وهو الاسم الذي يتباهى المسؤولون بإطلاقه على المدينة. اسم ليس سوى كذب وافتراء على مدينة تعيش أبشع الظروف بتواطؤ من السلطة التي سمحت بانتعاش أكثر من 20 ألف سكن عشوائي، يضم آلاف السكان الذين ترفض وكالة «أمانديس» تزويدهم بالماء الصالح للشرب أو بشبكة لتطهير الواد الحار، الذي يزكم أنوف أطفالهم، رغم أنهم يؤدون ثمن ذلك، في الوقت الذي تحتاج إليهم السلطات ككتلة انتخابية مهمة. «على وزارة الداخلية أن تفتح تحقيقا جادا وموسعا لمعرفة سبب تواطئهم وغضهم الطرف عن ذلك، وتهميش الآلاف من السكان والأطفال في مدينة تعتبر الأقرب إلى الملك محمد السادس»، يقول فاعل جمعوي من مدينة المضيق (قرية الصيادين). المورسيكيون الجدد بالمضيق في شارع الموريسكيين بالمضيق، يقابلك حي عشوائي يفتقر لأبسط ظروف العيش الكريم. حي عشوائي انطلق البناء فيه منذ بداية التسعينيات إلى يومنا هذا. طريق غير معبدة مغمورة بالأخاديد والأوحال ومياه الواد الحار التي فضلت كل أسرة أن تضع «قادوسا» بمدخل شقتها تخرج منه المياه العادمة لتصب في الطريق العام محدثة أضرارا صحية بالغة بأبنائهم. «عامل الإقليم وقواد وباشا المدينة يتجاهلون مطالبنا»، تقول سيدة من الحي. فوفق «شكاية لرفع الضرر» مرفوقة بتوقيعات السكان أمدتنا بنسخة منها إحدى المتضررات، والتي تم توجيهها إلى عامل المضيق- الفنيدق، وباشا المدينة، ووكالة أمانديس، فإن «الحي يفتقر إلى أبسط الوسائل الضرورية، كعدم استفادة السكان من شبكة التطهير»، إضافة إلى الطريق التي تعتبر عائقا بالنسبة للمرضى والأشخاص المسنين، والأطفال، كما تنبعث منها روائح كريهة تضر بصحتهم». «مأساة هذا الحي الذي سمحت السلطات ببنائه مقابل استفادتها من أتاوات مالية كبيرة، إذا ما أحصينا عدد الشقق التي تعد بالآلاف» يقول محدثنا، «تزداد عندما نعلم أن شاحنة الأزبال لا تصل أصلا إلى الحي الذي يؤوي أكثر من 15 ألف شقة، تاركة سكان المضيق لمأساتهم يعانون الأمرين مع القاذورات والأزبال». الغريب، حسب ما عاينته الجريدة، أن عمالة المضيق تتباهى بتوزيعها للمئات من عمال الإنعاش الذين يقضون ثمان ساعات يوميا في تشطيب مدارات المضيق بشكل يثير سخرية المواطنين، في الوقت الذي لا تهتم فيه بصحة الآلاف من سكانها الذين غضت الطرف عن بناء منازلهم. «لا أعتقد أن هذه الأحياء بنيت في غفلة من المسؤولين، فعمالة المضيق تدرك جيدا تفاقم البناء العشوائي بشكل خطير، لكنها تمارس الكذب على السلطات المركزية عبر نهجها سياسة تلميع وسط المدينة لكونها متأكدة أنه لا الملك ولا كبار المسؤولين سيتفقدون الوضع الخطير نظرا لعدم وجود طريق توصلهم إلى تلك الأحياء»، يوضح مستشار من المعارضة ببلدية المضيق. غير بعيد عن حي الموريسكيين، توجد عدة أحياء عشوائية أخرى كحي السلام، وحي القلعة، وعين شوفو ووزان، حيث ترتفع نسبة الإجرام فيه حسب مصادرنا. أحياء عشوائية تؤوي أكثر من 20 ألف نسمة، أي ما يعادل نصف ساكنة المضيق، فيما بلغ ثمن المتر المربع فيها حوالي ألف درهم للمتر. وإذا كانت لا تفصلنا سوى سنتين فقط عن انتهاء برنامج «مدن بدون صفيح»، الذي حدد هدفه في القضاء على السكن العشوائي وغير اللائق، ورسم خطة تقضي ببناء 100 ألف وحدة سكنية سنويا في أفق عام 2012، فإن المسؤولين بعمالة المضيق لا يعبؤون بذلك، علما أن الرأي العام ما زال يتذكر تفجر فضيحة الهراويين بإقليم مديونة، عندما تم اعتقال عدد من المسؤولين الجماعيين ومسؤولي السلطات المحلية بتهم المساهمة في بناء السكن العشوائي عدم متابعة المخالفين لضوابط التعمير. إن السكن العشوائي، والذي يعتبر أحد المظاهر البارزة للعجز الاجتماعي، ما زال يهم أكثر من20 ألف أسة في المضيق مكرهة على العيش في أوضاع لا تستجيب لمعايير السلامة ولا ترقى إلى الحد الأدنى للحياة الكريمة بتزكية من طرف المسؤولين. ووفق محدثنا فإن عمالة المضيق وبهدف التستر على الأحياء العشوائية خصصت ميزانية من أجل تلبيس واجهات المئات من المنازل العشوائية بحي «السكة» وصباغتها، بهدف إضفاء نوع من الجمالية، لكن المسؤولين التجؤوا إلى حيلة فريدة من نوعها، حين اقتصروا فقط على تجيير الطوابق العليا التي يمكن رؤيتها من جهة الإقامة الملكية فقط، تاركين الطوابق السفلى دون ذلك. لجان التفتيش أثناء إنجازنا لهذا الربورطاج، علمنا بإيفاد لجنة تفتيش من وزارة الداخلية إلى الجماعة الحضرية بالمضيق للتحقيق في تسليم رخص مشبوهة. تفتيش اللجنة انصب على ملابسات وظروف تسليم المجلس عدة رخص، أبرزها رخصة لأحد الخواص تتعلق بتقسيم أراض جماعية بهدف استفادته منها. كما أن وزارة الداخلية تبحث في ملف شائك بخصوص تسليم إحدى الرخص الممنوحة من طرف بلدية المضيق، والتي كانت تشترط على صاحبها ضرورة إقامة فندق فخم رفقة بنائه لبعض الشاليهات في منطقة قرب منتجع مارينا سمير السياحي، لكن عمالة المضيق الفنيدق، سهلت له أمر بناء الفيلات والشاليهات دون ضرورة بناء الفندق الذي اشترطت عليه بلدية المدينة، حيث تنص وفق تصاميم المنطقة، التي تراهن على أولوية بناء فنادق مصنفة في ساحل تامودا بي السياحي، عوض تشييد فيلات وشاليهات تدر الملايير من الدراهم على أصحابها لموقعها الساحلي الممتاز ولا تفيد المنطقة سياحيا. اعتبارا لذلك، تطالب مصادرنا وزارة الداخلية بالوقوف على هذه الخروقات والاختلالات في تسليم الرخص ومراجعة الرخص السابقة للتأكد من مدى مطابقتها للمواصفات التي تؤكد عليها الإدارة المركزية، نظرا للاهتمام الذي أصبح يوليه الملك ووزارة الدا خلية والسياحة لساحل تمودا بي. مدينة المضيق ما زالت تبارح تفعيلات التوجهات الملكية المذكورة في الخطاب الملكي المؤرخ بتاريخ 20 غشت 2001 حول معالجة ظاهرة البناء العشوائي. وتطبيقا لمضامين اتفاقيات الشراكة من أجل إعادة تأهيل الأحياء ناقصة التجهيز بالجماعات الحضرية للمضيق والفنيدقوتطوان، الموقعة بين يدي الملك وبين الوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول المكلفة بالإسكان والتعمير والجماعات المعنية، وولاية تطوان وعمالة المضيق-الفنيدق، ووكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لعمالات وأقاليم شمال المملكة، والسلطة المفوضة للتدبير المفوض لقطاعات التطهير السائل وتوزيع الماء والكهرباء، وشركة الماء والكهرباء بالشمال «أمانديس»، اضطلعت الوكالة الحضرية لتطوان بمهام إعداد تصاميم إعادة الهيكلة والضابطة المرفقة بها، لكن غياب التصاميم التي مازالت العديد من الأحياء تفتقر إليها، يكشف عن الإخلال بعدد من الالتزامات الموقع عليها.