فيصل.. بين المؤامرة والثأر بدأت سياسة الملك فيصل(الذي تولى الحكم بعد تنحية أخيه سعود في العام 1964)التي أنشأها على أساس عدد من الثوابت الوطنية والقومية كحماية واستقلال وهوية البلد والاحتفاظ بميثاق جامعة الدول العربية وبنشاط الدفاع عن التضامن الإسلامي والدفاع عن فلسطين ومقدساتها، عبر المطالبة بإنشاء مؤسسة تشمل العالم الإسلامي كله والتي نجح في تحقيقها تحت مسمى «منظمة المؤتمر الإسلامي» في25/09/ 1969 بعد حريق الأقصى الشهير في العاصمة المغربية الرباط (تتخذ الآن من جدة مقرا لها وتضم في عضويتها 57 دولة)، ويستطيع من خلالها قطع علاقات أكثر من 42 دولة مع (إسرائيل)، وقطع إمدادات النفط للدول الغربية، الشيء الذي أثار حفيظة الغرب الذين هددوا باحتلال منابع البترول بالقوة فما كان منه إلا أن رد عليهم في رسالته الشهيرة إلى الرئيس الأمريكي التي تسلمها وزير الخارجية الأمريكية آنذاك هنري كيسنجر قائلا: «... حضرة رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية.. هل ترى هذه الأشجار.. لقد عاش آبائي وأجدادي مئات السنين على ثمارها، ونحن مستعدون أن نعود للخيام ونعيش مثلهم، ونستغني عن البترول، إذا استمر الأقوياء وأنتم في طليعتهم في مساعدة عدونا علينا، نحن كنا ولا نزال بدوا، وكنا نعيش في الخيام وغذاؤنا التمر والماء فقط، ونحن مستعدون للعودة إلى ما كنا عليه... أما أنتم الغربيون المتصهينون فهل تستطيعون أن تعيشوا بدون النفط؟...، فلا شيء لدينا لنخافه؟ هل نخشى الموت؟ وهل هناك موت أفضل وأكرم من أن يموت الإنسان مجاهدا في سبيل الله؟ أسأل الله سبحانه أن يكتب لي الموت شهيدا في سبيل الله...، نحن ليس لنا أية مطامع أو أية أغراض في أي بلد من بلاد إخواننا المجاورين مهما كانت صغيرة أو كبيرة، وكل ما نهدف إليه أن نتعاون مع إخواننا في سبيل مصلحة أمتنا ووطننا أما سياستنا تجاه الدول الأخرى فهي سياسة التعاون في السبيل الخير والسلام للعالم أجمع، فالدعوة الإسلامية حينما انبثقت من هذه الأماكن وشّع نورها على جميع أقطار الأرض كانت دعوة خير تدعو إلى السلم وتدعو إلى الحق وتدعو إلى العدل وتدعو إلى المساواة وهذا ما تحققه شريعتنا الغراء، وهذا ما يجب علينا أن نتأسى به ونتمسك به». يقول هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي السابق في مذكراته عندما التقى الملك فيصل في جدّة عام 1973 في محاولة لثنيه عن وقف ضخ البترول «... رأيته متجهما فأردت أن أستفتح الحديث معه بمداعبة فقلت : إن طائرتي تقف هامدة في المطار بسبب نفاد الوقود فهل تأمرون جلالتكم بتموينها، وأنا مستعد للدفع بالعملة الصعبة؟، ويضيف قائلا: لم يبتسم الملك، بل رفع رأسه نحوي وقال : أنا رجل طاعن في السن وأمنيتي أن أصلي ركعتين في المسجد الأقصى قبل أن أموت، فهل تساعدني على تحقيق هذه الأمنية ؟ كانت تلك نفس الأمنية التي رددها الملك فيصل قبل حرب يونيو 1967 حينما التقى به الرئيس الفرنسي آنذاك شارل ديغول بعد أن أصدر الملك فيصل أوامره بوضع القوات العربية السعودية على أهبّة الاستعداد للمشاركة في معركة الأمة الكبرى وتحريكها لأداء واجبها المقدس في المعركة القائمة هناك ليمتزج الدم العربي السعودي بالدماء العربية والتي جاء في حيثياتها «.... إذا كنت تطلب منا يا سيادة الرئيس أن نرضخ للأمر الواقع (وجود إسرائيل كقوة عظمى وفاعلة في المجتمع الدولي) فلماذا لم ترضخ فرنسا لاحتلال ألمانيا؟ ولماذا شكلتم حكومة المنفى وكافحتم حتى استعدتم وطنكم ؟! فأمنيتي الوحيدة هي أن أصلي في المسجد الأقصى ركعتين قبل أن أموت...». لحظات الاغتيال المدبر.. اختلاف وجهات النظر في صباح يوم الثلاثاء 13 ربيع الأول 1395ه الموافق 25 مارس 1975م، كان الملك فيصل يستقبل زواره بمقر رئاسة الوزراء بالرياض، وكان في غرفة الانتظار وزير النفط الكويتي الكاظمي ومعه وزير البترول السعودي أحمد زكي. ووصل في هذه الأثناء الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز الأخ الشقيق للأمير خالد بن مساعد والشاعر عبد الرحمن بن مساعد) ابن شقيق الملك فيصل)، طالبا الدخول للسلام على عمه. وعندما هم الوزيران بالدخول على الملك فيصل دخل معهما ابن أخيه الأمير فيصل بن مساعد، هنا هّم الملك فيصل للوقوف له واستقباله والسلام عليه كعادته مع الداخلين عليه للسلام..، فما كان من الأمير فيصل بن مساعد إلا أن أخرج مسدسه الذي كان يخفيه في ثيابه ليفرغ ثلاث رصاصات أصابت الملك في رأسه ليعلن وفاته في الساعات الأولى من نقله للمستشفى المركزي بالرياض تمام الساعة الثانية عشرة ظهرا من يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من مارس 1975 ليتم إلقاء القبض على القاتل وإيداعه السجن لتنفيذ حكم القصاص في حقه قتلا بالسيف في مدينة الرياض بعد اثنين وثمانين يوما من تنفيذه العملية وتحديدا في يوم التاسع من جمادى الآخرة 1395هجرية (الموافق 18 يونيو 1975)... اختلفت وجهات نظر المحللين والكتاب وأفراد الأسرة الحاكمة حيال اغتيال الملك فيصل.. فمنهم من قال إن الأمير فيصل بن مساعد قتل الملك فيصل ثأراً لمقتل أخيه الأمير خالد بن مساعد، ومنهم من قال إن الأمير الذي قتل الملك فيصل كان يعاني من أمراض نفسية... ومنهم من قال إن مقتل الملك مؤامرة... وأن فيصل بن مساعد جزء من هذه المؤامرة (هذه هي النظرة الراجحة) مستندين في ذلك على العديد من المبررات التي ساقوها والتي منها: موقف الملك الراحل من الولاياتالمتحدة والغرب الداعمة ل(إسرائيل) ومعارضته الشديدة للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في تلك الفترة، دعمه غير المحدود لبعض الدول العربية في حربها ضد اليهود، تخفيض إنتاج النفط السعودي للولايات المتحدة ووقف تصديره فيما بعد، والحدث الأكثر أهمية ودلالة هو بقاء الأمير خالد (منفذ العملية) في الولاياتالمتحدة لفترة طويلة قاربت الثمان سنوات قبل عودته إلى المملكة وتنفيذه لعملية الاغتيال. ومن المصادفة كذلك أن الملك فيصل رحمه الله قال في خطاب ألقاه قبل اغتياله بيومين «..أرجو أن تعذروني إن ارتج علي عقلي شيئا، فإنني حينما أتذكر حرمنا القدسي الشريف ومقدساتنا تنتهك وتستباح وتمثل فيها المخازي والمعاصي والانحلال الخلقي فإنني أدعو الله مخلصا إذا لم يكتب لنا الجهاد ونخلص هذه المقدسات من أيادي الصهاينة المشركين أن لا يبقيني لحظة واحدة على الحياة»، وقد تحققت أمنيته رحمه الله فلم يلبث إلا يومين ليذهب إلى جوار ربه. يتبع