هناك اليوم في المغرب هواية يتقنها في أوقات فراغ هذا الشعب رؤساء الهيئات المنتخبة، وتحولت مع الزمن إلى حرفة بامتياز، تقوم أساسا على الاعتناء بالأغنياء خوفا على غناهم، تماما كما يشهرون عطفهم المزيف أمام كاميرات التلفزيون لما يستدعونهم لتسجيل ابتساماتهم الصفراء وهم يعانقون بؤساء هذا الوطن ويوزعون عليهم «الحريرة» والزيت. رؤساء المجالس المنتخبة في المغرب ما إن يقبعوا فوق كراسي المسؤولية، التي انتخبهم الشعب لأجلها، حتى يتحولوا إلى أصحاب شركات ضخمة، هي مجالس المدن والجماعات الحضرية والقروية... والفرق بينها وبين الشركات التجارية العادية هي أنها لا تؤدي الضرائب، بل تجمعها ولها سيولة مالية يتسابقون على صرفها بحماقة و لهفة، وبعد سنين يأتي قضاة المجلس الأعلى للحسابات فيكتشفون دمارا ماليا شاملا يرمونه إلينا، نحن الصحافيين، لننشغل به قليلا كما ينشغل الرضيع ب«الرضاعة» الاصطناعية قبل النوم. خلال ثورة البلاشفة على قياصرة روسيا رفعوا شعارا ظل خالدا حتى بعد أن انتهت روسيا الشيوعية وتحول لينين إلى مجرد جثة محنطة يزورها الناس كما يزورون مولاي بوشعيب الرداد عندنا. قالوا وهم يلهبون حماس الشعب: «الأرض للفلاحين والمعمل للعمال». وعندنا تحولت أراضي الدولة والشعب إلى ما يشبه كثيرا لعبة «المونوبولي» الفرنسية، حيث بإمكان اللاعب حيازة ما شاء من شوارع باريس الراقية، وحتى محطات القطار بها يمكن شراؤها. ما يحدث اليوم في المغرب يتطلب وقفة حقيقية أمام ما يقع في علانية غريبة ومتحدية لكل ردود الأفعال ... هناك أراض في ملك الدولة الخاص تحت وصاية إدارة أملاك الدولة تباع وفق عقود بيع جد غامضة وبأثمان زهيدة لشركات عقارية خاصة وعمومية، وهذه العقود بها شروط هي آخر ما يتم الالتفات إليه بمجرد توقيع عقد البيع، ولدينا أمثلة في عدة مدن مغربية كالصويرة وآسفي ومراكش تباع فيها عشرات الهكتارات من أملاك الدولة لشركة عقارية ب 150 درهما للمتر المربع، و يكون الشرط هو تجهيز الأرض وبناء مساكن اجتماعية للفئات الصغرى والمتوسطة، فيما تعيد تلك الشركات بيعها للمغاربة ب3000 درهم للمتر المربع خالية إلا من التراب والحجر. في أغلب مدن المغرب تتم في علانية تامة المصادقة على تفويت فيلات وأراض من الملك العام الجماعي لمنتخبين ومسؤولين كبار كحالة رئيس جهة عبدة دكالة ، الذي فوتت له بلدية الجديدة 693 مترا مربعا في منطقة راقية قرب سوق «أسيما»، وفي الصويرة صادقت البلدية على تفويت فيلات وأراض على الكورنيش لمدير الأمن الإقليمي ولرئيس قسم الشؤون العامة بالعمالة ولرئيس غرفة التجارة والصناعة، وبآسفي ظلت البلدية تسدد سومة كرائية شهرية ب7000 درهم لمدير ديوان الوالي قبل أن تتوقف بعد أن اكتشفت أن الفيلا، التي تكتريها له هي مقر سكناه الرئيسي مسجلة باسم زوجته، في الوقت الذي يستغل زملاؤه من رجال السلطة برتب مختلفة فيلات جماعية فاخرة بعقود كراء لا تتجاوز 150 درهما. تصوروا 25 فيلا من الملك العام الجماعي بآسفي بمواقع راقية وسط المدينة تدر أجمعها 1700 درهم في الشهر على خزينة البلدية ....فقط لأن هناك رؤساء جماعات تناوبوا واحترفوا كراء أملاك هذا الشعب بأكثر من «الريباخا» لرجال سلطة ونافذين كبار بعقود كراء غير منتهية. تقول حكمة فرنسية: «إذا أعطيت شخصا سمكة مسروقة سيأكلها مرة واحدة، وإذا علمته السرقة سيأكل طيلة حياته». أما حكمتنا نحن المغاربة فقد عوضنا السمكة بالفيلا والأرض.