بعض القراء الذين علقوا على مقال : "يورو 2008 بعيون مغربية " ، ركزوا في تعليقاتهم على الفقرة التي قلت فيها بأنني سأتوضأ وأتوجه إلى مسجد حينا على الفور لكي أعتكف في عبادة ربي إذا رأيت الملك محمد السادس يعانق لاعبا مغربيا مثلما فعل ملك اسبانيا خوان كارلوس عندما عانق بحرارة قائد المنتخب الاسباني كاسياس بعد نهائي كأس أوروبا للأمم الأخيرة ، لأن ذلك إذا حدث سيكون بلا شك واحدة من علامات الساعة! "" الذين لم يتفقوا معي حول هذا الكلام قالوا بأن ملكنا يعانق المرضى والمعاقين والفقراء والمحتاجين كلما زار مستشفى عموميا أو دارا للأيتام والمحرومين ، فماذا تريد فوق كل هذا ؟ يتساءل القراء .
أولا يجب علينا أن نفهم جيدا بأن السياسيين لا يقدمون على فعل أي مبادرة إلا إذا كانوا على يقين تام من أنهم سينالون مقابلا عنها . وإذا كنتم تراقبون ما يجري على الساحة بعيون مفتوحة عن آخرها ، ستكتشفون مثلا أن الملك ديالنا عندما يعانق أولائك المرضى والعاجزين تكون كاميرات التلفزيون وعدسات المصورين حاضرة في عين المكان ، من أجل إلقاء أضوائها الكاشفة على "أنشطة جلالة الملك" . فما هو دور هذه الكاميرات التي ترافق الملك في كل زياراته الرسمية في نظركم؟
دورها أيها السادة والسيدات هو أن تنقل تلك اللحظات التي يقضيها الملك بين "أحضان شعبه العزيز" إلى المشاهدين عبر شاشة التلفزيون وعلى صفحات الجرائد الرسمية . وما الفائدة التي سيجنيها الملك من ذلك ؟ سيتساءل بعضكم .
الفائدة هي أن يقتنع المواطنون الذين يشاهدون ملكهم في مثل هذه المواقف بأنه يحبهم كثيرا ، باش حتى هوما يبغيوه .
ولحد الآن لم يسبق لنا أن سمعنا بأن الملك نزل من سيارته وعانق أحد المواطنين أو المواطنات في جولاته التي يقوم بها في المدن المغربية لوحده ، ليس لأنه خائف على نفسه ، ما دام أن الكاردكورات ديما حاضرين معاه ، بل لأن عدسات الكاميرات لا ترافقه في مثل هذه الجولات ! وإذا كانت عدسات الكاميرات غير موجودة فما هي الفائدة من معانقة الملك لمزلوط من مزاليط شعبه ، ما دام أن هذا "العناق" لن يشاهده أحد على شاشة التلفزيون . الملك إذن لا يعانق بالمجان!
وهنا سنفهم أن أي تصرف يقوم به أي سياسي في العالم هناك دائما مقابل لا بد منه ، وهناك دوما مصلحة ما . بالعربية تاعرابت السياسيين ما كايعرفوش شي حاجة سميتها "في سبيل الله" !
وبما أنني قارنت بين ملك اسبانيا والملك محمد السادس ، وتساءلت لماذا لا يعانق هذا الأخير اللاعبين المغاربة ، فذلك راجع لكون العناق الذي خص به خوان كارلوس عميد منتخب بلاده لكرة القدم كان بمثابة تواضع كبير منه ، على اعتبار أن كارلوس لا يبحث عن أي مصلحة من هذا العناق ، لأنه ليس رجلا سياسيا كما هو الشأن بالنسبة للملك محمد السادس ، فملك اسبانيا ليس سوى رئيسا شرفيا لدولة اسبانيا ، ولا يحتاج لتسويق صورته لدى الشعب ، عكس الملك ديالنا الذي يسود ويحكم ، وبالتالي فهو مرغم على القيام بعملية ماركوتينك لصورته لدى الشعب ، ومعانقة المزاليط في حضور كاميرات التلفزيون يعتبر واحد من هذا العملية التسويقية ، أما خوان كارلوس فما فعله يدخل في باب التواضع أمام أبناء شعبه .
الثمن الذي يقبضه الملك مثلا عندما يظهر على شاشة التلفزيون وهو يعانق الفقراء من شعبه ويأخذ معهم صورا تذكارية هو أنه يكسب قلوب المواطنين البسطاء بسهولة كبيرة ، لذلك عندما يقوم بزيارة إلى مدينة ما ، يجد مئات المواطنين ينتظرونه على أرصفة الأزقة والشوارع . والذين لا يعرفون لحد الآن لماذا تخصص القناة الأولى ، اللي هي القناة الرسمية ديال الدولة ، معظم وقت نشراتها الإخبارية للأنشطة الملكية يجب عليهم أن يفهموا بأن تلك المشاهد التي يظهر فيها الملك وهو محاط بالمئات من المواطنين الذين يسعون إلى السلام عليه وتقبيل يده يقبض الملك ثمنا مقابلها على الصعيد الخارجي . فهذه الصور موجهة بالأساس إلى حكام الجزائر الذين تجمعهم بنا عداوة مزمنة بسبب مشكل الصحراء ، مفادها أن النظام الملكي المغربي قوي جدا ، بفضل "الحب" الذي يكنه له شعبه العزيز . بمعنى أن الملك ديالنا كايقلي السم لعبد العزيز بوتفليقة بهذه الصور والمشاهد التي نعتبرها نحن متخلفة ومملة للغاية ! فهناك غاية أخرى من وراء هذه الصور ربما لا يعرفها الكثيرون .
طبعا من حق الملك أن يسعى إلى تلميع صورته لدى مواطني مملكته ما دام يسود ويحكم ، لكن لا يجب علينا أن نتوهم بأن تلك الأعمال الاجتماعية و" الإحسانية" التي يقوم بها تدخل دوما في باب "العمل الانساني" . لقد قلت لكم سابقا بأن السياسيين لا يعرفون شيئا اسمه "في سبيل الله" !
إيوا راه مزيان الواحد يحل عينيه مزيان ، باش ما يديروهاش بيه الناس ديال السياسية !