قبل أسبوع تقريبا، وقعت حادثة غريبة في أحد أهم شوارع الرباط دون أن يثير ذلك احتجاج أية واحدة من الجهات الحقوقية التي تطالب بتطبيق القانون على الجميع بدون تمييز. وفي الوقت الذي تسارع فيه قوات الأمن إلى ضرب وتفريق واعتقال المحتجين في شوارع الرباط بشكل وحشي، رأينا باستغراب كبير كيف أن مجموعة من الأجانب، فرنسيين في الغالب، عرقلوا مرور سيارة مواطن وجلسوا أمامها في الطريق العام بحجة الرغبة في استرجاع طفلة توجد بداخلها مع والدها سبق أن حكم القضاء الفرنسي والمغربي، ابتدائيا واستئنافيا، بسقوط الحضانة عن والدتها بسبب علاقة هذه الأخيرة بطائفة تمارس طقوسا غريبة اسمها طائفة «ماندورم». وقد كانت ابنة الزعيم الروحي للطائفة إحدى متزعمات مجموعة الأجنبيات اللواتي اعترضن سيارة والد «شيرين» أمام مدرستها بالرباط. ومع ذلك، فإن رجال الأمن تصرفوا مع هؤلاء الأجانب الذين خرقوا القانون وعرقلوا حركة السير والجولان وحاولوا انتزاع طفلة من والدها بالقوة من داخل السيارة، باحترام مبالغ فيه، ولم تأمر النيابة العامة بمتابعة أي واحد منهم أمام القضاء. الأم تقول إنها حصلت على قرار قضائي من المحكمة يلغي قرار محكمة الأسرة القاضي بإسقاط الحضانة عنها. حتى ولو حدث ذلك فعلا، فإن القانون لا يعطي المتقاضين حق تطبيقه بأيديهم، وفي الشارع العام. المؤسسات القضائية والأمنية هي الوحيدة المخولة بتطبيق القوانين. ولو كان كل واحد يحصل على قرار قضائي من المحكمة ويذهب لتطبيق «شرع يدو» بنفسه، لأصبحنا نعيش داخل دولة الفوضى وليس داخل دولة المؤسسات. لكن يبدو أن قضية الطفلة «شيرين»، التي تتصارع حول حضانتها الأم وزوجها السابق، ليست قضية عادية، فهي تخفي صراعا آخر أعمق وأهم تدور رحاه وراء الكواليس بين جمعيات حقوقية وشخصيات نافذة من المجتمع المخملي. فبعد معارك قضائية شرسة في فرنسا نتج عنها طلاق بين الزوجين وإسناد الحضانة إلى الأب، قررت الأم، موظفة صندوق الأممالمتحدة للتنمية السابقة، أن تعود إلى المغرب لكي تكرس حياتها لاستعادة حضانة ابنتها «شيرين» من طليقها، ابن كاتب الدولة السابق. لماذا تطالب الأم باسترجاع «شيرين» بالضبط، علما بأن لديها طفلا آخر من طليقها لم تطالب باستعادة حضانته قط؟ إذا كانت الأم تريد استعادة حضانة أطفالها فلماذا لا تطالب بحضانة طفليها معا؟ السبب، كما يتردد داخل كواليس طائفة «ماندورم» التي تنتمي إليها الأم، هو أن «شيرين» ابنة القمر، وأن الطائفة متمسكة باستعادتها، أما الابن فلا حاجة بهم إليه ويستطيع الأب أن يحتفظ بحضانته. حول قضية «شيرين» انقسمت الجمعيات الحقوقية العاملة في مجال حماية الطفولة. وكانت جمعية «ما تقيش ولدي» قد تبنت ملفها قبل سنتين عندما كانت نجاة أنور ونجية أديب تتزعمان الجمعية وتقودانها. لكن وبعد انفصال المرأتين وتأسيس نجية أديب لجمعيتها الخاصة تحت اسم «ما تقيش ولادي»، وصلت المعركة بينهما إلى القضاء، فقد رأت نجاة أنور أنه ليس من حق نجية أديب استعمال اسم و«لوغو» جمعيتها. وحكم القضاء لصالحها. المشكل اليوم أن جمعية نجية أديب تتبنى ملف «شيرين» من وجهة نظر الأب، فيما نجاة أنور تتبنى قضية «شيرين» من وجهة نظر الأم. وهناك جمعية ثالثة اسمها «طفولة في خطر» بدأت مع الأب وانتهت مع الأم، وهي الجمعية الفرنسية التي تأسس فرعها في المغرب خصيصا للتعريف بقضية والد «شيرين» الذي تجمعه صداقة قديمة بسلوى بنعبد الله، رئيسة الجمعية. فالصديقان القديمان درسا معا في الثانوية بالرباط، وعندما تخرجا استطاع كل واحد منهما أن يصنع له مسارا خاصا. وفي الوقت الذي اختار فيه ماجد بلحاج، والد «شيرين»، مهنة الطب، اختارت سلوى بنعبد الله أن تجمع بين إدارتها للفرع العالمي لشركة «بيبي كونفور» المتخصصة في بيع ملابس الأطفال وبين إدارة الفرع المغربي لجمعية «طفولة في خطر» الفرنسية التي ترفع شعار الدفاع عن الأطفال ضحايا الاستغلال الجنسي والتي يوجد مقرها في العمارة نفسها التي توجد فيها شقة نزهة الصقلي، وزيرة الأسرة والتضامن. فكرة تأسيس الجمعية جاءت أساسا لتبني الدفاع عن والد «شيرين» ضد أمها وضد طائفة «ماندورم» التي تقف وراءها. فسلوى بنعبد الله لديها معارف في أوساط الطبقة السياسية، خصوصا بعد مرورها من جمعية «2007 دابا»، التي أسسها نور الدين عيوش مع أصدقائه إدريس الموساوي وكمال لحبيب، وملئها لمفكرة هاتفها بأسماء وأرقام أهم ممولي جمعيات المجتمع المدني. وعندما نظمت حفل عيد ميلادها آخر مرة، فإن الضيف المفاجأة لم يكن سوى الوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي. أما مساعدتها في الجمعية فليست سوى ماجدة الفاسي، ابنة عباس الفاسي الوزير الأول الحالي. وفي مراكش، باعت سلوى بنعبد الله «الطبلة» الواحدة في حفل خيري لجمع الإعانات لجمعيتها ب«كلوب هاوس صامانا كونتري» في مراكش ب13.000 درهم. كما بلغ المزاد الخيري على قناني الشامبانيا أسعارا خيالية. وهو الحفل الذي أشرف على تنظيمه متعهد حفلات شهير بالمغرب. اليوم، يبدو أن دفة جمعية «طفولة في خطر» لم تعد موجهة لصالح والد «شيرين»، وإنما لصالح أمها. أما نجية أديب، التي تبنت منذ البدء ملف «شيرين» ودافعت عن حق الأب في حماية ابنته من براثن هذه الطائفة، فقد وجدت نفسها في مواجهة دعوى قضائية رفعتها أم «شيرين» ضدها وضد الصحف التي تتبعت وفضحت تفاصيل هذه الطائفة التي لا أحد يعرف من يحميها في المغرب. ويبدو أن القضاء لن يكون متساهلا مع نجية أديب لأنها هي الأخرى لم تكن أبدا متساهلة في نقدها لتساهل القضاة، في أحكامهم، مع المتورطين في اغتصاب الأطفال. هناك، إذن، صراع حقوقي خفي وشرس بين الجمعيات التي تتبنى الدفاع عن ملفات الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية. وهذا الصراع يتخذ أحيانا طابعا سياسيا، خصوصا عندما تقرن بعض هذه الجمعيات اسمها بأسماء شخصيات سياسية أو حزبية وتدعوها إلى حضور أنشطتها الخيرية. وطبيعي أن يعرف بلد كالمغرب، أصبحت فيه جريمة اغتصاب الأطفال جريمة منظمة، فورة في تأسيس الجمعيات المناهضة للعنف الجنسي ضد الأطفال. المشكلة تبدأ عندما يصبح بعض هذه الجمعيات قنطرة للعبور نحو التمويلات والتبرعات الأجنبية. وفي بطاقات الدعوة التي أرسلتها جمعية «طفولة في خطر» سنة 2009 إلى ضيوفها بنادي «هاوس صامانا كونتري»، هناك مطبوع يدعوهم إلى التبرع بإرسال أموالهم إلى حساب في بنك «كريدي ميتييل» بفرنسا تستفيد منه الجمعية الأم. إذا كانت هذه الجمعيات تستفيد من «معاركها» على المستوى المعنوي والمادي، بالحصول على اعتراف المؤسسات الرسمية والتمويلات، فإن الضحية الوحيدة في كل هذه القضية هي الطفلة «شيرين» التي أصبحت مجبرة على العيش بين نيران هذه الحرب المشتعلة بين والدها وأمها. وإذا كانت هناك من حسنة لهذه الحرب التي بدأت شرارتها في فرنسا ووصل دخانها إلى المغرب، فهي أنها كشفت عن مدى تنظيم أعضاء طائفة «ماندورم» الفرنسية وتغلغلهم داخل المغرب، مما يطرح السؤال الكبير والمحير حول الجهات والشخصيات التي تحميهم وتقدم إليهم العون المادي لإدارة «معركة» استرجاع الطفلة التي يعتقدون أنها «ابنة القمر». عندما يعترض أفراد هذه الطائفة طريق سيارة مواطن مغربي ويمنعونه من المرور، عندما يجلسون أمام السيارة ويسدون الطريق العام، ثم لا تعتقلهم الشرطة وتقدمهم إلى العدالة بتهمة عرقلة حركة السير والجولان والتظاهر بدون ترخيص، كما تصنع مع بقية المغاربة، فإنه يصبح من حقنا أن نتساءل عن أسباب هذا التساهل الأمني والقضائي مع هؤلاء الأجانب. عندما ذهب صحافي ومصور من «المساء» لتغطية حدث تدمير مساكن بجماعة سيدي الطيبي، هجم أحد قياد الداخلية على الصحافي وشتمه وهدده بتكسير رجليه، وانتزع آلة التصوير من المصور وصادرها منه ولازالت «معتقلة» عند سعادة القائد إلى اليوم. لماذا، إذن، تتصرف السلطات الأمنية بهذه الطريقة المهينة مع صحافيين مغاربة يقومون بعملهم المهني بشكل قانوني لإخبار الرأي العام بما يحدث حوله، فيما تتعامل باحترام وخوف مع أجانب، ينتمون إلى طائفة مشبوهة، يخرقون القانون علانية ويعرقلون السير العام؟ هل يريد المسؤولون في هذه البلاد أن يشجعوا تطبيق القانون على الجميع أم يريدون تشجيع الناس على قيام كل واحد منهم «بشرع يدو»؟ هذا هو السؤال.