هل هنالك علاقة تنافسية بين أنقرة وطهران للفوز بريادة الشرق الأوسط؟ (...) المتشائمون يعتبرون أن الجواب عن السؤال لا أهمية له، ويعتبرون أيضا أن حزب العدالة والتنمية حزب توهيمي، أي أنه مهما وُصف بالمعتدل، فهو نتيجة انشقاق عن حزب «الرفاه»، الذي لم يكن يخفي أصوله. فهو يمتح من إيديولوجية الإخوان المسلمين التي غذت الإسلام السياسي في الشرق الأوسط. المتشائمون سيقولون كذلك إن بروز العدالة والتنمية بقوة خلال العشر سنوات الأخيرة يعكس الأسلمة المتسارعة للمجتمع التركي، وهو ما يعني في الوقت نفسه تراجع الإرث الكمالي في تركيا. ويؤكدون ذلك بعلاقات الحزب مع حماس الفلسطينية، وبخطاب أردوغان الذي يعتبرون أنه أصبح أكثر انفعالا وحدة. إذ إنه يصف الإسرائيليين بالقتلة والفلسطينيين بالشهداء. فهل تقتسم أنقرة وطهران نفس التشدد الإسلامي وقليلا من النقط الخلافية؟ الأمر ليس كذلك. فطبيعة نظام حزب العدالة والتنمية أكثر تعقيدا مما قد يبدو عليه. فهو الذي شجع وقدم الديمقراطية في البلد، وليس ورثة تركيا العلمانية التي أسسها أتاتورك بداية العشرينيات. فمنذ وصول أردوغان إلى الحكم سنة 2003، أصبحت الصحافة ودور النشر أكثر حرية من ذي قبل، وتراجعت المعاملة العنيفة للسجناء وفي مراكز الشرطة، كما صار القضاء أكثر استقلالا، وبات الأكراد يتمتعون بنوع من الطمأنينة بعد أن ظلوا موضوع اضطهاد من قبل، فيما أضحت الحملات الانتخابية أكثر انفتاحا. المدافعون عن حقوق الإنسان يقولون إنه مازال الكثير مما ينبغي القيام به في هذا المجال، لكن تركيا أردوغان هي عكس إيران أحمدي نجاد. فالأولى تتقدم – ربما ببطء- نحو دولة القانون التي تقربها من الاتحاد الأوربي، والثانية تتقدم نحو دكتاتورية عسكرية وطنية إسلامية منذ انقلاب يونيو 2009. أردوغان أشبه بالديمقراطيين المسيحيين بعد الحرب العالمية الثانية في أوربا، أو هو بمثابة جيوليو أندريوتي الأناضولي، أما الثاني، أحمدي نجاد، فأشبه بأحد فاشيي الثلاثينيات، وطني متعصب، تسكنه إيديولوجية شمولية، هو بمثابة موسوليني فارسي. دبلوماسية أردوغان الغريبة هي انعكاس لوضع خاص وفريد. هي سياسة بلد إسلامي، جدوره في «الغرب»، عضو في الأطلسي، يحارب طالبان في أفغانستان ومرشح للانضمام إلى الاتحاد الأوربي. لكنه لم يقطع علاقاته مع إسرائيل ويطمح إلى أن يصبح قوة مهيمنة في الشرق الأوسط. كيف إذن، لرئيس دولة أو وزير أول في الاتحاد الأوربي أن يتجاهل الامتياز الاستراتيجي الذي يتمتع به هذا الجار الطموح القوي؟ أما أي وزير أول إسرائيلي فالأفضل لديه أن تكون تركيا بطلا في القضية الفلسطينية بدل إيران. لا بل إن تركيا هي التي تتمتع بأكبر عدد من الأوراق التي تجعلها أهلا للوساطة التي تحتاجها إسرائيل في بحثها على السلام مع جيرانها، وحتى في الضغط على إيران. الدولة العبرية يغيب عنها هذا النوع من الوسيط الإقليمي، خاصة أنها توجد، الآن، في وضع متناقض. فهي مفتوحة عن العالم كله، كما تشير إلى ذلك سبورة الرحلات في مطار بن غوريون، إلا أنها دائما في خلاف مع جيرانها القريبين منها، سواء تعلق الأمر بسوريا أو حزب الله أو فلسطينيي حماس، وفي الخلفية يوجد ظل أحمدي نجاد وهو في طريقه إلى امتلاك القنبلة النووية (...). ألان فراشون