أكد حسن قرنفل، أستاذ علم الاجتماع، ضرورة تشديد العقوبة على الأطر التعليمية الذين يستغلون مناصبهم ويقومون بالاعتداء الجنسي على الأطفال، خاصة وأن التلميذ ينظر إلى أستاذ بنوع من الخوف والخشية. وشدد أستاذ علم الاجتماع على أهمية عمل جمعيات المجتمع المدني، التي عليها أن تسعى إلى الضغط على أجهزة الدولة، في حال صدور عقوبة لا تلائم الجرم المرتكَب. ودعا قرنفل إلى أن تأخذ الجهات المختصة شكايات الأطفال بكثير من الجدية والتحقيق فيها، حتى لا يُفلت الجناة من العقاب، موضحا أن لوسائل الإعلام المستقلة وللآباء دورا في فضح مثل هذه الممارسات. - ما تعليقكم على الاعتداءات الجنسية التي عرفتها بعض المؤسسات التعليمية؟ إن الحديث عن الاعتداءات الجنسية التي يتعرض لها الأطفال داخل المؤسسات التعليمية لا يحتاج إلى خبراء أو متخصصين، لما له من وقع داخل المجتمع المغربي، لأن المدرسين هم بمثابة آباء من الدرجة الثانية للتلاميذ، لما لهم من دور في إتمام التنشئة الاجتماعية وتلقينهم مبادئ الدراسة، من كتابة وقراءة. وإضافة إلى دورهم في التوجيه والتربية، فإن الآباء عندما يذهبون بأبنائهم إلى المدرسة، فهم يأتمنون الأساتذة على فلذات أكبادهم، من أجل تعليمهم وتربيتهم، لكنْ عندما يقوم هؤلاء المؤتمَنون بعكس المهام الموكولة إليهم، وخاصة الاعتداء الجنسي، فإن هذا يعتبر انفلاتا خطيرا ويكون وقع الأحداث أشدَّ وطأة على المجتمع، الذي يستنكر، بشدة، هذا السلوكات. - ما تفسيركم لهذه الظاهرة التي أصبحت تعرف انتشارا واسعا؟ كما هو معلوم، فجميع المهن يكون فيها عناصر وأشخاص فاسدون ومهووسون جنسيا، والذين يقومون بتصرفات غير لائقة، غير أن القطاعات التي تعتبر أكثر حساسية، هي التعليم والصحة، فوقتها يكون الأذى مضاعَفا، لأن الأمر يتعلق بممارسات داخل قطاعات حيوية وأساسية ويكون فيها الضحايا، خاصة الأطفال، أبرياء، لأنه لا وسيلة لهم من أجل حماية أنفسهم، وأحيانان لا يعرفون نوع الأفعال الجنسية الممارَسة عليهم، إضافة إلى أن العلاقة ما بين التلميذ والمربي يسودها نوع من الخوف والخشية، فلا يجرؤ الأطفال على البوح بما حدث لهم، باستثناء حالات قليلة تصل إلى القضاء أو إلى الصحافة، بعد أن يقرر الآباء الإبلاغ عن ذلك، من أجل البحث عن ضمان حقوق أطفالهم، وإن كان بعض الآباء يلجؤون إلى سياسة الصمت، تجنبا لما يسمى «الفضيحة» داخل المحيط الاجتماعي للأسرة. - في رأيكم، أين يتجلى دور الآباء والأمهات في محاربة هذه الظاهرة؟ إن دور الأب والأم أساسي، خاصة في ما يتعلق بتلقين مبادئ تربية جنسية متدرجة، ففي البداية، يكون تعريف الأطفال بوظائف الأعضاء الجنسية، إضافة إلى ضرورة أن يتم تحسيس الأطفال بالأفعال التي ينبغي أن يحترسوا منها، والتي يمكن أن تمارَس عليهم من قِبَل الآخرين، حتى يتمكنوا من منعهم من ذلك والتصدي لكل المحاولات... ومن جهة أخرى، ينبغي أن يتم التواصل بين الآباء والأطفال، حتى يستطيعوا أن يُبلِّغوا عن كل اعتداء تعرضوا له وتكون لديهم درجة الحرص أكبر، وتكون لديهم الجرأة لمقاومة الاعتداءات التي قد يتعرضون لها، سواء على يدي الأساتذة أو غيرهم. - لكننا نعلم أن العديد من الإداريين أو الأطر التربوية الذين يقومون بالتحرشات الجنسية يكونون معروفين لدى الجميع، لماذا لا تتم محاسبتهم منذ أول فعل ارتكبوه؟ عادة، يكون هناك تواطؤ داخل المؤسسات التعليمية بين الأساتذة والأطر الإدارية، تدخل فيه اعتبارات اجتماعية، فمثلا يقال إن التبليغ عن الجاني سيؤدي إلى تشريد أسرته وإلى فقدانه منصبَ شغله.. هذا من جهة، ثم إنه في بعض الأحيان لا تؤخذ شكايات الأطفال محمل جِدّ، فيتم التشكيك فيها وربما تُعتبَر مجرد إشاعات أو «وشايات مغرِّضة» من لدن بعض الجهات أو غير ذلك، لكنني أجد أنه من المطلوب أن تتعامل الجهات المعنية، سواء مصالح الأمن أو الإدارات التربوية، مع الشكايات من هذا النوع بكثير من الجدية، وإذا أفضت التحريات والتحقيقات إلى أن الفعل مرتكَب من قِبَل المشتكى به فعليه أن ينال جزاءه، حتى لا يفلت من العقاب. - هل يقوم المجتمع المدني في رأيكم بدوره كما يجب؟ لا شك أن جمعيات المجتمع المدني تقوم بمجهودات في هذا المجال، وعليها أن تواصل عملها، في إطار حماية حقوق الأطفال، بصفة عامة، وتساندهم، عند تعرضهم لأي اعتداءات جنسية، سواء كانت تحرشاتٍ أو اغتصاباً أو غيرها من الأفعال المشينة، وتقوم بتنظيم حملات تعبوية، من أجل تحسيس الآباء بضرورة الإبلاغ عن كل ما يتعرض له الأطفال والتقدم بشكايات إلى القضاء، كما يتطلب الأمر من الجمعيات أن تقوم بالضغط على أجهزة الدولة، من أجل مراجعة بعض الأحكام التي تصدر في هذه الملفات وتشديدها، في حال ثبوت الاعتداءات الجنسية. - في نظركم، ما هي الحلول الناجعة للقضاء على هذه الظاهرة؟ أولا، لا يمكن الحديث عن قضاء كلي على الظاهرة، ولكن هناك إجراءات للحد منها، ومن بينها تعبئة المجتمع من أجل التفكير في حلول مناسبة.. وأعتبر أن من بينها تشديد العقوبة على الجناة، عبر مراجعة القانون الجنائي، كي تكون العقوبة أشد وأكثرَ صرامة في حق الذين يستغلون براءة الأطفال داخل المؤسسات التعليمية. ولا بد من الإشارة إلى الحركية الجديدة التي يعرفها المجتمع، من خلال التحسيس بهذه المخاطر، خاصة عبر الصحافة المستقلة، التي ترصد الوقائع والأحداث، بشكل إيجابي، فكثير من المواضيع التي أثيرت كان فيها الفضل للصحافة، التي ساهمت في تنوير الرأي العام وتمت إحالة بعض المتَّهمين على القضاء بفضل هذه التحقيقات الصحافية، وهذا طبعا ما كان ليكون لولا شجاعة الآباء الذين يلجؤون إلى السلطة الرابعة ولا يترددون في الحديث، بشكل صريح، حول الاعتداءات الجنسية التي يتعرض لها أطفالهم.