تظل النقطة السوداء في تاريخ الاستخبارات الإسبانية منذ وضع دستور عام 1978، هي فضيحة تورط الأجهزة الأمنية الإسبانية خلال فترة الثمانينات في اختطاف وتعذيب نشطاء تنظيم «إيتا»، وهي قضية وضعت الديمقراطية الإسبانية الوليدة في محك حقيقي، وحاولت إسبانيا أن تخضع أجهزتها الأمنية للمراقبة باسم دولة المؤسسات عبر قوانين ومراقبة برلمانية ومنع التنصت على الأشخاص بدون إذن قضائي، لكن هذه القوانين يتم الدوس عليها في بعض الفترات، بحكم أن إسبانيا تخوض حربا يومية ضروسا مع نشطاء «إيتا»، مثلما أنها استفاقت يوم 11 مارس 2004 على تفجيرات موقعة باسم تنظيم القاعدة، وقبلها سهلت ولوج الاستخبارات الخارجية الأمريكية إلى أراضيها، وثار نقاش كبير في الآونة الأخيرة حول سماح أصحاب القرار داخل المونكلوا بهبوط طائرات الاستخبارات الأمريكية في مطارات إسبانيا، والتي كانت تحمل معتقلين إسلاميين يتم التوجه بهم مباشرة إلى معتقل غوانتنامو في الخليج الكوبي، وهو نقاش لم يتوقف على إسبانيا وحدها بل شمل عدة دول في الاتحاد الأوروبي، مما خلف احتجاجات في صفوف بعض البرلمانيين ونشطاء حقوق الإنسان الذين يطالبون باحترام القوانين وتقديم الأجهزة الاستخباراتية الحساب أمام نواب الأمة، خصوصا أن هذه الأجهزة تتحول في بعض اللحظات إلى دولة داخل الدولة، وهو ما يمس بعمق مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان الذي تتشدق به الدول الغربية. ويقوم البرلمان الإسباني بمراقبة الأجهزة الاستخباراتية الإسبانية، وخصوصا جهاز «سي ني أي» الذي عوض جهاز السيسيد عام 2002، عبر تقارير سرية ترفع إلى البرلمانيين دون أن تعطى فيها تفاصيل كثيرة أو بعض الأسرار الخاصة، ومن الناحية الهيكلية ينتمي «سي ني أي» إلى وزارة الدفاع الإسبانية بالرغم من وجود قانون تنظيم خاص به، وتعد من انشغالاته قضايا الإرهاب وتسيير شبكات للتجسس في عدة بلدان التي توجد بها مصالح إسبانية كبرى وعلى رأسها المغرب، لذلك لم يكن من محض الصدفة تماما أن يعين السفير الإسباني الأسبق في الرباط خورخي ديسكيار، رئيسا لهذا الجهاز قبل أن تطيح به تفجيرات قطارات الموت، ويعين في مكانه ألبيرتو سايسن. ويشتغل هذا الجهاز بتوظيف تكنولوجيا عالية وعبر تجنيد عملاء والقيام بعمليات للتنصت وجمع المعطيات وتحليلها، والقيام بتوقعات لبعض الأحداث. وفي ما يخص المراقبة البرلمانية للأجهزة الاستخباراتية، فإن القانون الإسباني نص لأول مرة في القانون المؤسس ل«سي ني أي» على أن يخضع عمل الأجهزة الاستخباراتية، بشكل خاص وعبر قانون، لمعرفة مجلس الكورتيس عبر اللجنة التي تراقب داخلها المصاريف التي تصرف في هذا المجال، ويتكون أعضاؤها من أشخاص لهم دراية بهذا المجال، ولمعرفة الحكومة كذلك بأنشطة هذه الأجهزة وطريقة عملها، ومستوى تحقيق الأهداف المرسومة سلفا للقرارات التي صادقت عليها الحكومة، والاطلاع على التقرير السنوي الذي يعد سلفا. ولا تطلع اللجنة البرلمانية فقط على المعلومات التي تحصل عليها الأجهزة الاستخباراتية الإسبانية من أجهزة أخرى ومنظمات دولية في إطار التعاون الاستخباراتي، وإنما تطلع كذلك على جميع المعطيات التي تهمها. والهدف الرئيسي للأجهزة الاستخباراتية الإسبانية، كما ينص على ذلك القانون المنشئ لها، هو تزويد الحكومة الإسبانية بالمعلومات الضرورية من أجل توقع وتجنب الأخطار والتهديدات التي تمس باستقلالية ووحدة إسبانيا والمصالح الوطنية واستقرار دولة القانون ومؤسساتها ومصالح الدفاع الوطني والقوات المسلحة. ويوضح القانون الذي أنشئت بموجبه «السي ني أي»، أن وزارة الدفاع تقوم بالتعديلات الضرورية، وتتم المصادقة على الأهداف الرئيسية للأجهزة الاستخباراتية في المجلس الوزاري الذي يرأسه رئيس الوزراء، وتضمن في وثائق سرية يتم حفظها. ولهذا الغرض، أنشئت في إسبانيا مندوبية الحكومة لشؤون الاستخبارات التي تقترح على رئيس الوزراء الأهداف السنوية التي يجب أن تشتغل وفقها الأجهزة الاستخباراتية، وإجراء المتابعة وتقييم عمل هذه الأجهزة وتحسين التنسيق بين المركز الوطني للتجسس «سي ني أي» ومصالح الاستخبارات التابع لأجهزة الأمن والمصالح الإدارية المدنية والعسكرية، والتي تشكل في مجموعها «دولة» تجسسية. أما في ما يخص المراقبة القضائية، فإن «السي ني أي» تخضع للقانون الجنائي الإسباني والإداري وكذلك موظفيها، والمراقبة القضائية لارتكاب أفراد الاستخبارات خروقات للمبادئ الدستورية المعمول بها في البلاد، رغم أن عددا من الحقوقيين والمشتغلين في الحقل القضائي في إسبانيا مازالوا يشتكون من فراغ قانوني وتشريعي في هذا المجال.