- ما هي العلاقات التي تحتفظ بها مع المغرب؟ < إنني آتي إلى المغرب باستمرار، فلدي فيه أصدقاء في كافة المجالات، في السياسة والفن والشعر والفنون بشكل عام. لقد كنت دائما مقتنعا بالتاريخ المتفرد للمغرب، تاريخ شعب قادر على مد اليد في جميع الاتجاهات ويمثل بشكل أكبر رمزا وأملا. إن المغرب، من خلال موقعه الجغرافي والتاريخي والروحي ومن خلال التزامه، يملك القدرة على جعل الناس الذين لا يتحدثون قادرين على خلق حوار. إن تاريخ المغرب كله هو تاريخ كسر الحواجز وتجاوز سوء التفاهم وتخطي حالات عدم الفهم، والحال أننا نعيش في عالم من سوء التفاهم وعدم الفهم، لذلك تبدو لي القدرة على الصراع ضد هذه القوى مسألة أساسية، إنها نداء باطني، وشعور بالواجب في تجميع الناس والانفتاح على تعددية العالم. - ما رأيكم في التطورالحالي للمغرب؟ < لقد عشت قريبا من جميع هذه التحولات كفاعل سياسي فرنسي، إن كل ما يتعلق بتوازن السلط ودمقرطة المجتمع والتهدئة تجاه بلدان الجوار هي تغيرات عميقة جدا ومهمة ويجب تشجيعها. لكن هناك تحديا مهما بالنسبة إلي وهو تحدي التعليم. إن مطلب العدالة مطلب أساسي، يجب أن لا نسمح بتوسيع الفوارق أكثر، وأن نحافظ على تساوي الفرص، وهذا يتحقق عبر التنمية الاجتماعية، ليس فقط من خلال تعليم الشاب عندما يكون شابا، ولكن طيلة مراحل حياته، تنمية لكافة الأعمار، تنمية المرأة، وإعطاء الإمكانية لأولئك الذين يواجهون صعوبات خاصة لتجاوزها، إن مسألة الانسجام الاجتماعي ضرورية، وأقول ذلك ليس كواعظ بل لأن ذلك يقع في صلب اهتماماتي في بلد مثل فرنسا. - في موضوع التعليم يبدو فشل المغرب واضحا، اعتمادا على المؤشرات العالمية... < إن رهان التعليم واقتصاد المعرفة ضرورة مؤكدة، لأنهما يجران معهما العديد من المشاريع الأخرى ومن الإصلاحات. لقد كنت في بلدان الخليج منذ أسابيع، ولقد لمست الوعي بأهمية اقتصاد المعرفة، ليس فقط كعنصر في التنمية الاجتماعية ولكن كعنصر هام في التنمية الاقتصادية، وأعتقد أن الاستثمار في هذا المجال مطلب ضروري، وحتى لو كان مكلفا في البداية، فإنه يترك مردودا على صعيد التنمية الاقتصادية. يجب كذلك تكثيف فرص الانفتاح، فنحن اليوم في عالم معولم يتغير بأقصى سرعة، ويجب أن نجعل مواطنينا، فرنسيين ومغاربة، يشعرون فيه بالارتياح، وأحد التحديات الكبرى هو تحويل الخوف من المستقبل ومن تنميات العالم التي تنزل ثقيلة علينا إلى فرص، وتحويله إلى حافز يسمح لنا بخلق شهية اتخاذ المبادرات. - نحن بحاجة إلى أصحاب رؤى، سيادة الوزير... < إنه أمر مهم في اقتصاد المعرفة، لأنه لا بد من مرجعيات ومن نماذج، والحال أننا في مجتمعنا تنقصنا للأسف هذه النماذج أو أننا لا نعرفها، وهنا يوجد الدور الهام الذي يجب أن تضطلع به الصحافة، وهو دفع كل واحد إلى اكتشاف الرواد في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهم موجودون في المغرب، والنساء العديدات اللواتي هن اليوم من أهم اللاعبين الكبار في التنمية الاقتصادية هن نماذج. يجب أن تكون هناك صيغ وآليات تسمح لهذه النماذج بالتكاثر. إن إحدى أكبر رغباتي هي أن نستطيع أخذ الوقت الكافي لتبادل خبراتنا في ما بيننا، ولأجل ذلك أجد متعة في التردد على المغرب بين الحين والآخر للمشاركة في بعض الندوات، لأن ذلك يوفر لنا فرصة الشرح وتقاسم التجارب بكل وضوح، لا أعتقد بأنه يجب في كل مرة عرض كل شيء تحت إنارة جميلة، ففي الحياة وفي كل تجربة هناك دائما أشياء جيدة وأخرى أقل جودة ودروس ينبغي استخلاصها. - نعود إلى العلاقات المغربية الفرنسية، إذ يبدو أن الرئيس ساركوزي قد أحدث قطيعة مع أسلافه، بحيث لم يمنح المغرب المكانة التي يستحقها، وفي جميع الأحوال فقد فهم ذلك على هذا النحو، ما هو موقفكم من هذه المسألة؟ < هناك الأمور كما هي في الواقع وهناك طريقة فهمها، وأعتقد أن زيارتي نيكولا ساركوزي وفرانسوا فيلون للمغرب تظهران إرادتنا في العمل مع المغرب، ولكن، بعيدا عن هذه الإرادة الواضحة والمعبر عنها مرات عدة، هناك ذلك الرباط المتميز وهذه الشراكة التفضيلية التي لدينا مع المغرب واللذان يسيران نحو التنامي. والصعوبة هي عندما تجد نفسك بين أصدقاء قدامى وجد مقربين لديهم قواسم مشتركة في التاريخ والجغرافيا والثقافة، حيث يجب البحث دون توقف لإيجاد أفكار للسير قدما، إنه واجبنا نحن الذين نشكل جسورا بين المغرب وفرنسا، وتعرفون كم يوجد في فرنسا من رجال ونساء جد مرتبطين بالمغرب، سواء لأنهم ولدوا فيه أو لأنهم مغرمون به، لكن لدينا حظا، وهو أننا نوجد في مرحلة من الزمن فيها فرص كثيرة لأعمال ممكنة. - ما رأيكم في الاتحاد المتوسطي، هل أنتم مؤيدون له؟ < لدينا هنا عنصر يمكن أن يساعدنا على التقدم بكل ثقة، لكن ينبغي أن ندفع بالفكرة البسيطة التي تقول إن حل نزاع الصحراء هو في مصلحة الجميع، في مصلحة المغرب والجزائر ومجموع المنطقة، لطالما لاحظنا على المستوى العالمي للنزاعات وجود فكرة تقول «إن الإبقاء على هذه الأزمة أو تلك قائمة يسمح لنا بتنشيط القدرات»، واليوم فإن منطقة المغرب العربي بكاملها تدفع الثمن، غير أن القدرة على حل هذا المشكل، في منطقة مهمة استراتيجيا، سوف تخلق ديناميكية جديدة، من شأن هذا أن يظهر بأن الشعوب والدول والحكومات قادرة على أخذ الأمور بيدها وحل أزماتها في ما بينها، كما صنعنا نحن مع الألمان. يجب أن نعرف المردود الاقتصادي الذي يمكن أن يجلبه حل نزاع الصحراء بالنسبة إلى اقتصاديات المنطقة، إن هذا سيحرر الطاقات ويحرك العديد من المشروعات، وسوف يعطي المثال ويخلق حافزا لحل نزاعات الشرق الأوسط، تصوروا المشروعات الكبيرة للبنية التحتية التي ستمكن من رفع الحواجز عن الاقتصاد وخلق التكامل بين الثروات في المنطقة، بين القدرات الفلاحية لبلد كالمغرب والتنمية الصناعية والخدماتية والقطاع السياحي، هناك تبادل المعارف والتكنولوجيا الذي يمكن أن يحصل بين هذه الدول وبين البلدان الأوروبية والمغاربية، والتي يمكن أن تتضاعف بشكل كبير، وسيكون من باب الشرف أن يقوم الجيل، الذي عرف صعوبات الاستقلال والأزمات التي أعقبته، بتسليم المشعل للجيل الجديد بعد أن ينهي هذا النزاع، إن هذا الهدف يجب أن يتجاوز المشكلات التي تخص العلاقات بين كل دولة وأخرى، بالنسبة إلى الديبلوماسيين ورجال السياسية وأيضا بالنسبة إلى الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، لأنه يخدم المصلحة العليا والعامة للمنطقة. - أقدم المغرب على مد يده للجزائر بدعوته إلى فتح الحدود الترابية، لكن الدعوة تم رفضها، ما الذي يمنع الجزائر اليوم من مصافحة اليد التي مدت إليها؟ < يتعلق الأمر بوجود تحفظات ومخاوف وشكوك وهواجس. عندما نجد أنفسنا في مواجهة صعوبات معينة، في بلدين متقاربين مثل المغرب والجزائر، فليس هناك سوى طريقتين لرفع هذه المخاوف، الأولى هي الحوار، ففي فترة معينة يجب القبول بالدخول في مسلسل حقيقي للحوار، سواء بشكل صريح أو بطريقة أكثر حميمية، لأننا في الجانبين معا ملزمون بخدمة بلدينا وشعبينا، ومدركون بأنه لا يمكن الاستمرار في نفس الوضع من دون الإساءة إلى تنمية كل طرف. لا بد من الحوار ومن العمل، لكن الديبلوماسيين لا يعملون بما فيه الكفاية، لقد كنت دائما مهموما بأن تعمل الديبلوماسية على العمل والحفر حتى ولو كانت الأمور صعبة أو غير مستقرة، فالعمل يخلق التوازن. أما الطريقة الثانية، وهي مهمة جدا، فهي «توثيق» السلام، لأن ذلك عنصر لا يمكن تجاوزه في الدينامية الاجتماعية والاقتصادية وفي التعليم. يجب تقدير القيمة التي يمكن أن تشكلها إعادة فتح الحدود وكلفة الاستمرار في إغلاقها حليا بين البلدين. - لقد تم تقدير هذه الكلفة، إنها ما بين 1 إلى 3 في المائة من النمو بحسب الخبراء < أنتم على دراية إذن، وهذا في الوقت الذي نلاحظ الصعوبات التي يجابهها العالم اليوم بسبب فقدان الثقة في مجال الغذاء، وأعتقد أن الصعوبات التي نواجهها على الصعيد العالمي، اقتصاديا وماليا وغذائيا، يجب أن تدفعنا إلى التقارب أكثر. إننا نعرف، على الصعيد الشخصي، أن الجيران يتعاركون أحيانا عندما تسوء الأمور، ولكن يجب دائما التهدئة، والطريقة المثلى لذلك هي تبادل الكلام، وحينما يكون الأمر صعبا تجد دائما أصدقاء مستعدين لتقديم المساعدة، ويجب في كل لحظة أن يعي الواحد منا أن نزاعات الأمس ليست منذورة للاستمرار أبديا وأن شرف السياسة هو تجاوز الصعوبات. أعتقد أنه، في الجانب المغربي، يجب الاستمرار في التقدم، وفي مد اليد، ولا يوجد هناك، عبر التاريخ، أي مثال ليد ممدودة لم تتم مصافحتها. - هناك ثلاثة مخاطر كبرى اليوم، الأزمة الغذائية والأزمة المالية والأزمات المرتبطة بالبيئة، كيف يمكن مواجهتها؟ < أحيانا يجب الأخذ في الاعتبار الأزمات التي تقود الواحدة منها للأخرى والتي تقوم كل واحدة منها بجعل الأخرى أكثر صعوبة، كل أزمة تتجه نحو التعقيد إذا لم يتم وضع حل مناسب لها، لقد رأينا ذلك في أزمة العقار في أمريكا والتي تعقدت أكثر ومست الخارج، وأصبحت أزمة سيولة، واليوم هي أزمة مالية عالمية، قبل ستة أشهر تقريبا تحدث أكثر المتفائلين عن بضع مئات من المليارات، وقالوا إن الأزمة سوف تصبح تحت السيطرة وإن الرفاهية في منعطف الشارع، لكن الأزمة لم تكف عن التعقد والانتشار، وأعتقد أنها ستصبح أكثر تعقيدا، على الأقل إلى الخريف المقبل، إذن من المهم التحرك لكي يكون الرد السياسي في مستوى هذه الأزمة، ذلك لأن الحل المالي ليس هو وحده ما سيحل المشكلة، فهي أزمة حكامة عالمية، فيجب إذن تجاوز ذلك ورؤية الحقيقة مباشرة، والحقيقة هي أننا لا نتوفر على مؤسسات مالية في مستوى الأزمات العالمية، وأن كل واحدة من هذه المؤسسات تعمل بمفردها دون تنسيق مع المؤسسات الأخرى ودون أن تكون قادرة لا على القيام بتشخيص عام للوضع ولا على تقديم إجابات مناسبة. - إن هذا نراه أيضا على مستوى المغرب، حيث يتم جلب الحلول بدون الأخذ في الاعتبار لخصوصية الأوضاع < صحيح، وإذا كانت هذه الطريقة لا تجري فقط على مستوى الدول بل على المستوى الدولي، بنفس الانسجام، فإننا سوف نصرف الكثير من المال على حلول غير ذات جدوى. إذن لا بد من التنسيق ومن تنمية قدرات الدول لكي تصبح لديها أنظمة اقتصادية أكثر شفافية وأكثر نجاعة، وهذا يعني الأخذ في الاعتبار بشكل أكبر للأوضاع والمخاطر الاجتماعية، فماذا يفيد اتخاذ إجراءات اقتصادية ومالية كبيرة إذا كنا سنواجه تمردات وصعوبات اجتماعية يمكن أن تسقط تلك الإجراءات؟ المسألة الثانية أن ما يمكن أن تقوم به الدول لن يكون كافيا، فتنمية المنظمات الجهوية مثل الاتحاد الأوروبي واتحاد المغرب العربي والاتحاد الإفريقي مسألة حيوية، وهي ليست قوية وتضامنية في الوقت الحالي، ونحن نحتاج إلى أن تصبح أكثر قوة، لأن بمقدار ما تتحرك في إطار اقتصادي واسع بمقدار ما تكون قادرا على مضاعفة جهودك واستخدام جميع طاقاتك وتقليل المخاطر، ثم هناك أيضا المنظومة العالمية، أو نظام العالم حيث تبقى العديد من المشكلات غير معالجة لأن لا أحد يهتم بها، ومن الواضح أن منظومة الأممالمتحدة يجب أن تخضع للإصلاح بشكل أعمق وأن نتوفر على حكامة دولية، فإذا أخذنا المشكلات العالمية اليوم مثل البيئة وتدبير الحرب والسلام والأزمة المالية والعدالة الدولية فإننا نجد أنها مشكلات واسعة تتطلب معالجة دولية، وهذا يتطلب ثورة في العقول. لقد خضع العالم طويلا لعلاقات القوة، وأعتقد أن هذا الزمن قد ولى إلى غير رجعة. ماذا يستطيع الشعر أن يقدم لعالم في وضعية صعبة؟ - ما الذي قادكم إلى زيارة المغرب؟ < رجعت لأنه سنحت لي فرصة إلقاء محاضرة أمام رجال الأعمال المغاربة بدعوة من رئيس اتحاد مقاولات المغرب، والفكرة هي أن نحاول النظر بوضوح في عالم يوجد في حالة فوضى وفريسة لشكوك كبرى: كيف نواجه الأزمات اليوم، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو مالية، وأي نوع من الحلول كفيل بأن يجعلنا نتقدم جميعا في عالم يحتاج أكثر فأكثر إلى القدرة على الخيال والتعاون. أما المحاضرة الثانية في جامعة الرباط فهي في موضوع «الشعر والسلطة»، وخلاصتها: ماذا يستطيع الشعر أن يقدم لنا اليوم في عالم في وضعية صعبة. - من هم الشعراء الذين ستتحدث عنهم؟ < العديد منهم، سواء من المعاصرين أو الأحياء، بالنسبة إلى الشرق الأوسط هناك أدونيس ومحمود درويش وصلاح ستيتيه ومحمد بنيس، وهناك الوجوه العظيمة للأدب العالمي مثل بول سيلان وناظم حكمت ومانديلستام وبورخيص، أو الوجوه الكبيرة مثل رامبو وأبولينير. ما يهمني هو ملاحظة كيف أن انشغالات الشعراء توجد في قلب انشغالات الناس وكيف أن الشعر واللغة والاشتغال عليها يمكن أن تساعدنا على التقدم وعلى إيجاد موقعنا بشكل جيد في العالم. - كيف حصل أنك تعرف الأدب العربي بشكل جيد؟ < لقد قرأت كثيرا وتعلمت كثيرا، إن غالبية هؤلاء الشعراء هم أصدقاء قريبون، وقد كتبت العديد من المؤلفات حول هذه المواضيع، مثل «مديح سارقي النار»، وكتابي الأخير «فندق الأرق». إن واحدة من أكبر مزايا العالم العربي هي أن الشعر بقي موجودا في صلب الفنون الحية والفنون المشتركة، وأحد التحديات الكبرى اليوم هو الحفاظ على ما هو إنساني في عالم أصبح أكثر ميكانيكية وسرعة وشيزوفرينية، كيف يمكن الحفاظ على هذا الوعي الإنساني الذي يفكر وفي نفس الوقت ينفتح على الآخرين وعلى العالم. أنطلق من ملاحظة ومن قناعة: إن الخوف، للأسف، هو اللاعب الأكبر في عالم اليوم، لقد رأينا ذلك، على المستوى الجيوسياسي، في تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر. الخوف أيضا يوجد في صلب حياة كل واحد منا: الإرهاب، انعدام الأمن، الهجرة... إننا نخشى المستقبل وأكثر من هذا نخشى الآخر. وأعتقد أن الشعر يتحدى هذا الخوف ويسعى إلى تدجينه وتجاوزه، ذلك لأن ما نستطيع «تسميته» يصبح أقل إثارة للخوف من ذي قبل، فأن تكون لديك الكلمات التي تصف بها ما يثير الخوف يعني سلفا أنك فتحت قلبك وانفتحت على الاستقبال، فالشعر إذن متقدم مقارنة مع الكثير من الفنون والعلوم الإنسانية في ما يتعلق بالهدف الذي يضعه لنفسه، وهو إعادة وضع الإنسان في صلب الحياة. - إنه متقدم أيضا على رجال السياسة... < دائما، لأن رجال السياسة يقعون في مصيدة الاختبارات والصعوبات، ونحن نتفهم هذا، بحيث أنهم لا يقولون دائما الكلمات التي تعبر. الأمر يشبه تقريبا الطبيب الذي يرفض تشخيص المرض. إننا نواجه تحديات خطيرة بشكل كبير ونخاف دائما من تسميتها، لأننا نخشى من توسيع دائرة الخوف، ومن هنا نحرم أنفسنا من القدرة على محاربة الشر كما هو، وسآخذ ما أعتقد أنه مصائد العالم المعاصر: الشعور بانعدام العدالة، فإذا لم نقبل معالجة هذه اللاعدالة بإيجاد الحلول فإننا لن نمنح لمواطنينا الثقة في قدرتنا على التقدم. - إذن هذا يمر عبر الكلمات... < إنه يمر عبر القدرة على تسمية الأشياء، ذلك لأنه عندما تكون لدينا الشجاعة على الحديث عن الأشياء بحرية مطلقة وبكل صراحة فإنه تكون لدينا أيضا الشجاعة على اللجوء إلى جميع سلط اللغة، بما فيها تلك التي تسعى إلى البحث عن أفكار جديدة، وملء المشكلات بكلمات جديدة، لاحظوا أهمية الكلمات في أزمة الشرق الأوسط، عندما ننظر إلى قرارات الأممالمتحدة في القضية العربية الإسرائيلية نلاحظ كيف أن الكلمات لديها القدرة على إشعال الوضع أو العكس، على تهدئته، يجب أن نكون قادرين على تجديد الكلمات، إننا في عالم الديبلوماسية نستعمل غالبا نفس الكلمات المستعملة، فالديبلوماسيات تقضي أوقاتها في «النواح» و«الأسف»، ونتمنى أن تنتقل الديبلوماسيات أكثر إلى الفعل، ولأجل ذلك يجب استعمال كلمات حية، كلمات توقظ أحيانا، كلمات يمكن أن تعطي هيئة لرؤيتنا وأملا لطموحنا. - لنعد إليكم، ما هي الذكريات التي تحتفظون بها عن طفولتكم في الرباط؟ < لقد كان عمري ست سنوات عندما غادرت المغرب، إنها المرحلة التي تبقى فيها الأشياء لصيقة بالذاكرة، ولكنها أشياء مهمة جدا، وهذه الذكريات هي بمثابة ضوء، ففي كل مرة أعود فيها إلى المغرب أجد نفسي محاطا ومأسورا بهذا الضوء، إنه ضوء يتكلم، ضوء يسكنك وتحمله معك. - هل يبقى معك ذلك طول حياتك؟ < أجل، لأن الأمر يتعلق بقوة التفاؤل، ومهما كانت الصعاب التي عشتها في حياتي فإن ذلك لم يكن مهما أبدا بسبب هذه الطاقة الداخلية، هذا الهواء وهذا النور وهذه السماء... أتذكر مثلا عندما وصلت إلى طنجة ليلا، لقد كان الأمر وكأنني مسحور بذلك الضوء، بالقبة الزرقاء المزينة بالنجوم. فأنت هنا في عالم ناطق، عالم يملك فيه الناس والحيوانات والطبيعة لغتهم ويعبرون بها عن أنفسهم، وهناك أيضا قوة التفاؤل والحياة التي أعتقد أنها أقوى من كل شيء. عن مجلة «Version homme» بتصرف