«أنا أكره تيم، إنه شرير حقا ويريد بكل الطرق الممكنة التخلص من يحيي» تقول حياة لصديقتها وعلامات الانزعاج واضحة على وجهها، «أوافقك الرأي، لكنني لا أحب عمر أيضا، إنه لا يهتم بابنته ولا يكف عن مضايقة لميس» ترد وئام قبل أن تجيب على هاتفها الذي كان يرن على إيقاع النغمة التركية لمسلسل «سنوات الضياع». بعد هستيريا المسلسلات المكسيكية التي اجتاحت منذ مدة البيوت العربية من المحيط إلى الخليج، ظهرت موضة جديدة تدعى المسلسلات التركية، حيث لقي كل من مسلسلي «سنوات الضياع» و«نور» نجاحا كبيرا ونسبة مشاهدة مرتفعة في العالم العربي. نور، لميس، مهند، يحيي، وغيرهم هم نجوم شاشة التلفاز الجدد، بعد أن أزاحوا كلا من أليخاندرو، غوادا لوبي، روزاليندا وماريا، أبطال المسلسلات المكسيكية المدبلجة التي كانت مسيطرة على عقول المشاهدين العرب لسنوات قبل أن تصبح مملة ومستهلكة ويخبو بريقها إلى الأبد. نغمة «سنوات الضياع» و«نور» وصور أبطالها منتشرة في الهواتف المحمولة، فما إن تجلس في مطعم أو مستشفى أو في مكتبة أو في أماكن العمل حتى تسمع هذه النغمات والتي أصبحت أفضل مقدمة للحديث حول المسلسل وتبادل أخباره، كما أن أعداد السياح العرب إلى تركيا تضاعف منذ بدء عرضهما على شاشة التلفاز، كما أن المشاهدين لم يعودوا يقتصرون على ربات البيوت بل أصبحوا يضمون أيضا الموظفات والطالبات الجامعيات، بل وتعداه إلى بعض الرجال الذين كانوا إلى عهد قريب يرفضون متابعة مسلسلات تصل إلى مائتي حلقة ويفضلون متابعة المسلسلات الأمريكية الشهيرة ك«بريزن بريك» و«لوست”. «الدراما التركية قريبة من المجتمع العربي والمغربي، وأنا وأمي مدمنتان على متابعة كل من «نور» و«سنوات الضياع»، تقول مريم، طالبة جامعية بنبرة حماسية، وتضيف: «القصص مختلفة عما تقدمه الدراما المصرية والسورية، مناظر التصوير الخارجية جميلة وجذابة، كما أن الممثلين يلعبون أدوارهم باحترافية كبيرة»، تحمر وجنتاها قليلا، تتردد بعض الشيء قبل أن تنطق بآخر جملة بصوت منخفض: «كما أنهم وسيمون وأنيقون للغاية». يعتمد هذان المسلسلان كقوة جذب على القصص المحبوكة المتشابكة التي تتناول العلاقات الإنسانية في ارتباطها بالفروق الطبقية ومشاكل البطالة والفقر وسلطة المال والأحقاد وكذا الارتباط العائلي والحب والتعاون بين الأصدقاء الموجودة في المجتمع التركي. تدور أحداث مسلسل «سنوات الضياع”، على سبيل المثال، في ضاحية تركية صغيرة حيث يعيش كل من يحيي ورفيف اللذين، رغم الفقر الذي يعيشان فيه، يحلمان بمستقبل أفضل، في حين يعيش كل من عمر ولميس في فيلا فخمة ويديران معا مصنعا للملابس الجاهزة. وتتشابك أقدار هاته الشخصيات الأربع عبر حلقات المسلسل التي من المرجح أن تبلغ حوالي مائة وخمسين حلقة ويجمعهم الحب أحيانا، والحقد والكراهية في أحايين أخرى. أما مسلسل نور فيحكي قصة عائلة ثرية يفقد ابنها «مهند» خطيبته في حادث مفاجئ، ويحزن على فقدانها كثيرا، فيقرر الجد تزويجه من نور الفقيرة والآتية من الريف. الكثير من الأمهات المغربيات أبدين ارتياحهن لكون المسلسلات التركية التي تعرض طردت إلى الأبد المسلسلات البرازيلية والمكسيكية التي يعتبرنها لا تمت لقيم مجتمعاتنا الإسلامية بصلة، لكونها تظهر لنا نموذجا غربيا للعلاقات الأسرية ومجتمعا يختلف عن مجتمعاتنا المحافظة، وهو نفس الرأي الذي تذهب إليه فريدة، ربة بيت وأم لثلاث بنات، والتي تقول: «المسلسلات المكسيكية مفسدة للأخلاق وتضم الكثير مما هو مرفوض شرعا، وأنا شخصيا أخجل من مشاهدة أي منها مع أسرتي، في حين أن المسلسلات التركية نوعا ما محافظة ورغم كون الحياة التركية التي تعكسها هي حياة عصرية إلا أنها لم تغيب القيم والأخلاق والتماسك الأسري والبر بالوالدين، لذلك فأنا أتابعها مع بناتي الثلاثة بكل طمأنينة». هذا الانجذاب الكبير للمسلسلات التركية وقصصها، يجد له الناقد السينمائي المغربي مصطفى المسناوي تفسيرا في كون هذه المسلسلات تشكل نوعا من التنويع وخروجا عن دائرة المسلسلات المكسيكية والبرازيلية التي لم تعد تثير الإعجاب، كما أنها تعتمد على مقومات «التيلي نوفيلا» أي تجميل الواقع والتركيز على الجوانب المثيرة فيه، ويتمثل ذلك في موضوع هذه المسلسلات الرئيسي وهو الطبقات الغنية المترفة، و«حتى عندما يتم التحدث عن الطبقات الفقيرة يتم ذلك بارتباطها مع الطبقة الغنية وعن الفتيات والفتيان الوسيمين، هذا النوع من المسلسلات يفتح أفق الأحلام واسعا أمام المشاهد العادي وهو ما يجعل الإقبال عليه كبيرا». علاقة التقارب على مستوى البنيات الاجتماعية بين المجتمع التركي والمجتمعات العربية والمتمثلة في الصراع الحاد بين النزعات المحافظة والثورية، يعد أيضا من بين أسباب نجاح هذه المسلسلات، حسب المسناوي، ف«المشاهد العربي يرى نفسه في هذه الدراما ويسهل عليه تقمص أي شخصية، وهذا ما لا يحدث عند تتبع المشاهد نفسه لمسلسل أجنبي أمريكي أو فرنسي لأنه بالنسبة إليه ينتمي إلى عالم الغرابة، إلى عالم مختلف عن عالمه تماما، وهو يشاهده فقط من باب الفضول ومعرفة الآخر وحب المعرفة». كما أن هذه المسلسلات معدة بشكل جيد وتراعي مقتضيات البناء الدرامي المحكم والقصص المحبوكة، والاختيار الجيد للممثلين والممثلات، إضافة إلى البناء المشهدي المحكم. كل هذا يدل، حسب المسناوي، على كونها تتمتع باحترافية من مستوى عال جدا وهذه النقطة تشكل عامل جذب مساعد.