يحرص الكثير من المفكرين على تنبيهنا إلى ضرورة مراجعة مفاهيمنا الشائعة، أو ما نسميه عادة بالتعريفات والمصطلحات، ذلك أنّ الاستعمال الكثيف يؤدي بها إلى أن تعني أشياء أخرى، أو أن تتخفّى بداخلها معان طريفة، كادت أن تغيب عنّا من فرط التداول المهين لها... لكن بقليل من التأمّل والتشريح الخفيف يمكن أن نحصل على تعريفاتنا الخاصّة دون واجب تعميمها على الآخرين، وبالتنبيه إلى أنّ أيّ اختلاف أو تناقض مع المعاجم والقواميس المختصّة ما هي إلا عملية مدبرة ومقصودة: حرية التعبير: هي الحقّ في أن تقول كلّ شيء بحرية كاملة، وفي الوقت ذاته أن تفعل الحكومات كلّ شيء بحرية كاملة. الواقعية السياسية: هي الخيانة التي يمكن تسميتها بالتراجع عن المبادئ باسم العقلانية أحيانا، وباسم المرونة السياسية أحيانا أخرى. الخوصصة: هي أن تبيع ثلاجتك المهترئة ذات فقر مزمن، فتضطر إلى وضع مؤونتك الزهيدة في ثلاجة الجيران. العولمة: هي أن يصير العالم قرية صغيرة، القرويون حتما خارجها. الطاجين المغربي: آنية مغربية مشهورة ومتهمة هذه الأيّام بالسرطان... وحتّى إشعار آخر الكسكاس متّهم هو الآخر بالسيدا. الرجعي: شخص له مشاكل مع ساعته، في كلّ مرّة يعود بعقاربها إلى الوراء... والساعة هي الساعة. التقدمي: شخص آخر له أيضا مشاكل مع ساعته، في كلّ مرّة يدفع بعقاربها إلى الأمام... والساعة هي الساعة. القانون: آلة قد تصدر أصواتا جميلة إذا كانت بيد عازف ماهر، وقد تصدر أصواتا نشّازة ومؤلمة إذا كانت بيد حاكم فاسد. الإعلام الرسمي: ليس المهم هو احتكار الحقيقة، المهم هو جعل الآخرين يقتنعون بألا وجود لحقيقة أخرى غيرها. الموظف الحكومي: سور قصير يستطيع الرؤساء، كلما كانت المناسبة سانحة، القفز فوقه من أجل أن ينسبوا نجاحاته إلى أنفسهم، ومشجب ضروري ليعلّقوا أخطاءهم الفادحة عليه. دعم النشر: هي عملية تحسنها ربّات البيوت فوق سطوح المنازل، وتعجز عنها وزارات الثقافة. البرلمان: على حدّ قول أحد الشعراء، مكان يأتي إليه أشخاص يشبهون الخرفان، ليصرخوا بأعلى صوتهم: إج............. «ماع». مثقف السلطة: فصيلة نادرة من البشر عينه الأولى على مسدس السلطة، وعينه الثانية على جيوب الآخرين. الوحدة العربية: هي فكرة أشخاص كانوا يعتقدون أنّ بإمكانهم جمع أكثر من عشرين بلدا في بلد واحد، وفي النهاية نجحوا نجاحا باهرا في أن يجعلوا كلّ واحد من هذه العشرين بلدا يعيش بمفرده، في وحدة عربية قاتلة. الإنصاف والمصالحة: هي عملية شديدة التعقيد، أساسها مصالحة الضحايا مع آلام الماضي، وإنصاف الجلادين من مساءلة الحاضر. المطبخ السياسي: هو ذلك المطبخ الذي لا تجدي فيه لا المقادير المضبوطة، ولا الوصفات الجاهزة، ولا حتّى شوميشة... التناوب السياسي: لا يعني بالضرورة التغيير في السياسات، بقدر ما يعني التغيير في المواقع وطريقة الجلوس على الكراسي. الزيادة في الأجور: على حدّ قول المغاربة، هي من رأس الأحمق... الآن، يمكن أن نضيف مزيدا من هذه التعريفات والمفاهيم التي تدل على أنّ عالمنا مازال يحفّ به الكثير من الغموض والالتباس لا تجدي معهما القواميس والمعاجم الدقيقة والعميقة. وعلى حدّ قول الشاعر المصري صلاح عبد الصبور في وصفه البليغ لزمن يشبه زمننا: هذا زمن الحقّ الضائع لا يعرف فيه مقتول من قاتله ومتى قتله ورؤوس الناس على جثث الحيوانات ورؤوس الحيوانات على جثث الناس فتحسّس رأسك فتحسّس رأسك...