إلى السيد شكيب بن موسى إلى السيد الشرقي الضريس إلى السيد حميدو لعنيكري «العاهرة بنت العاهرة»(بالدارجة)، مقبلوش عليك الرجال أوجايا تفرعي لينا ...، البايرة الخانزة، لالياتك داروا دراري أونتي عاطياها لتحنقيز والدوران في الزناقي، غادي تمشي منهنا ولا نخسر لومك الزين ديالك». بهذه الكلمات «الرنانة الطنانة» الموغلة في القبح والفحش، وبهذه العبارات «الراقية» في الذمامة والدناءة، الزاكمة للأنوف بروائح المراحيض والماخورات، توجه مرؤوسوكم أيها السادة الأفاضل المحترمون جدا إلى المجازين المعطلين والموجزات المعطلات، وإلى المكفوفين والمكفوفات والمعوقين والمعوقات المعطلين والمعطلات كذلك، الذين لم يكن ذنبهم سوى ممارسة حق من حقوقهم المشروعة التي يضمنها لهم القانون، ألا وهوالتظاهر بكيفية سلمية وحضارية من أجل المطالبة بشغل يضمن لهم رغيف العيش... وإذ نسوق هذا الشتم البذيء مرفوقا ببعض الرتوشات التي تخفف من وطأة منكره وفظاعة وقعه على الآذان، فإننا نستسمح القراء الكرام ونعتذر لهم على هذه الجرأة الزائدة التي ارتأينا بها أن «نشنف» أسماعهم بذاك السباب الخانز، تماما كما خرج من أفواه صغار وكبار من عهد إليهم بحماية أمن المواطنين والمواطنات، لعلهم يدركون عمق وفظاعة المأساة ولنستمع في مقابل هذا إلى إحدى الموجزات المعطلات وهي تتحدث بعفوية عن سبب تظاهرها: «أخويا، أنا جيت من طنجة، ما فطراش، ما مخبراش والدي بأنني هنا. ما عندي فلوس ديال المركوب، تانجي ديما سالتا في التران، تانوصل لرباط بحال شي كلبة، علاش هاد الشي كلو؟ باش نحتج في الشارع على التبهديلة اللي عايشين فيها. كانرجعو عاود تاني لطنجة، وعظامنا مهرسة، وحوايجنا مقطعة، والقلب حاقد، والصدر مخنوق. منين كيسولوك والديك فين كنت؟ كنقول ليهم كنت كنحط لوراق. كيقولوا ليك: شتي آش يجيك مليح؟ سيري حركي... هاداك اللي جا يخطبك داك المرة، وخا سكايري، راه سخي. وبطبيعة الحال، فإن ذلك السباب القذر يُصحب دائما بوابل من اللكمات والركلات والضرب بالهراوات التي تنزل على الأجسام الفتية كيفما اتفق، دون تفريق بين فتاة أو فتى، تطبيقا بالمقلوب لمبدإ من أرسخ مبادئ الديمقراطية، ألا وهو عدم التمييز بين الذكر والأنثى... إنه سباب يشكل مضمون الخطاب الرسمي لممثلي القوات العمومية، أي، خطاب الدولة.. أليس هذا هو خطاب الدولة الصعلوكة ؟... خطاب سافل يعكس حجم الإحباطات ويزرع حوله جبالا مروعة من الكراهية والمقت. خطاب ممعن في الإهانة والتحطيم يهدف إلى تجريد الفرد والجماعات من أبسط مظاهر الآدمية. خطاب تعلمون علم اليقين أيها السادة الأفاضل المحترمون جدا أنه خطاب عدد كبير من صغاركم وكبرائكم من المزركشة أكتافهم بالفراشات والأغصان المذهبة. أيها السادة المحترمون جدا إن هذا السباب المقذع الذي ألفه عموم المواطنين من كثرة استعماله لدى بعض أصاغركم وأكابركم على السواء، لا يعنيكم أنتم في شيء ما دام أبناؤكم وبناتكم وأحفادكم وكل من يدور في فلككم- حفظهم الله جميعا بما حفظ به السبع المثاني- في حرز حريز منه، لأنهم ينعمون في بحبوحة فلك آخر غير فلك البؤس والتهميش والعطالة والنكد الذي يتلظى في جحيمه عموم المواطنين. فلك مخملي ناعم، فيه المستقبل مضمون، والحوائج مقضية، والنزوات مستجابة بفضل «باباتهم الأعزاء» ذوي الربطات العنقية الحريرية، والعطر الباريسي النفيس، المسلطين على الرقاب بشراسة الذئاب الجائعة والمالكين لزمام الحكم المطلق بدون تفويض من الشعب. إن الشباب الذي يُضرب ويُداس ويُهان ويُجرجر من شعره على الحضيض، لهو فلذة أكباد البسطاء من أبناء هذا الشعب المقهور المغلوب على أمره. ذاك الذي ينعت احتقارا ب«بوزبال» وب«كحل الراس» وب«الأوباش»... إن هذا الخطاب «المرحاضي» العفن لهو نفس الخطاب الموبوء الذي يستعمل حين يتعلق الأمر بقمع مناضلي حقوق الانسان و«سلخ» الصحافيين العزل: «أولاد العاهرات، أز....، الله ينعل دين مكوم. واش يحساب ليكم راكم فبريطانيا؟ هنا، ما كاين لا حرية ولا زعتر. والله حتى نقعد مكوم على القرعة. أنتما الصحفيين اللي خرجتو على البلاد. كتستغلو الديمقراطية أولاد ال...»(2) بهذا الأسلوب «الماخوري» الداعر، وبتلك اللهجة الوضيعة الرفيعة في السفالة والفحش، توجه أحد الضباط الأمنيين الكبار ياحسرة إلى صحافيي «المساء» فؤاد مدني وكريم سلماوي وهما بصدد تغطية انتفاضة سيدي إفني... فأي فرق بين أسلوب هذا الضابط السامي الوضيع ولهجته السافلة الفاجرة، وبين أسلوب ولهجة أحط مرؤوسيه رتبة ومكانة، ذاك الذي تعادل بذاءة لهجته لغة أتفه «الشماكرية» المتفوقين في قواميس الشتم و التعيير ؟ وإليكم عينة أخرى لطيفة من هذا الشعر الفاضح، مع الاعتذار مسبقا لتلويث آذانكم: «حيدوا علي الزبل من هنا... ضرب دينمو راه ضاسر... خوي علي ديك الحمير اللي كيتفرجوا تما... تبع العاهرة ديال يماه... حيد علي الخنز من هنا...»(1) وغني عن التذكير أن كلمات «الخنز» و«الزبل» و«الحمير» تعني كذلك المجازين المعطلين والمعوقين المعطلين كما تعني المواطنين البسطاء، سواء بسواء... لا حول ولا قوة إلا بالله... هكذا إذن يسقط القناع عن المعنى الحقيقي لما يسمى بالمفهوم الجديد للسلطة... فبفضلكم أيها السادة المحترمون جدا وبفضل مرؤوسيكم «الأشاوس» أعطيتم مفهوما جديدا «للعهد الجديد». فهذه الخطابات الدنيئة إن كشفت عن شيء فإنما تكشف بجلاء عن طبيعة التكوين الهابط الذي تعطونه لقواتكم الاحتياطية. تكوين يجرد الفرد من أبسط معالم إنسانيته ويروضه ترويضا متقنا لينقلب بالتالي إلى آلة آدمية رهيبة لا تتردد في سحق عظام المواطنين والمواطنات، ولا تتورع في ممارسة جميع أشكال الإهانات، متأهبة في كل وقت وحين لتفريغ مخزون كبتها وإحباطاتها على المواطنين العزل. أيها السادة المحترمون جدا أعترف بأنه كان بودي أن أتوجه بخطابي هذا إلى الوزير الأول عباس الفاسي، ولكني أحجمت، لعلمي المسبق بأن المسكين لا سلطة له، وبأنكم أنتم «الفرسان الثلاثة» لا تخضعون لأوامره نظرا لانتمائكم إلى تلك «المحميات المقدسة» التي تسمى مجالات السيادة. وإني إذ أكتب لكم هذه الرسالة المفتوحة، فإني في حقيقة أمري لا أتوجه إليكم بقدر ما أتوجه إلى الأجيال اللاحقة حتى تكون على علم وبينة بالكيفية التي كنتم تديرون بها الشأن العام، وبالطريقة المهينة التي كنتم تعاملون بها آباءهم وأجدادهم، لكي يحتفظ التاريخ في سجلاته السوداء بأسمائكم وب«شهامة» وشجاعة» مرؤوسيكم الذين فعلوا الأفاعيل بالمواطنين وهم متيقنون بأنهم في منأى عن المحاسبة والعقاب. ( أسد علي وفي الحروب نعامة) ومرة أخرى، أعتذر للقراء الكرام إن خدشت الحياء بتدوين ذلك السباب الوضيع كما خرج من أفواه أصحابه، ففي بعض الأحيان، تقتضي الأمانة من الصحفي أن يجعل الخزي والعار يخجلان من نفسيهما.