من فترات الانزواء الهادئ الذي كان يقود الراحل محمد الخامس مع أبنائه الأمراء والأميرات إلى قصره المشيد فوق الصخر والرمل والمقابل للمحيط الهائج والبحيرة النائمة، إلى سكون المكان وخلاء الحيطان، بعد فترة جزر قضت على جمالية الوليدية وحولتها من منتجع ساحلي زاخر بالخيرات البحرية والبرية إلى مدينة قروية عشوائية بمساكن وفنادق فاخرة لا تتوفر حتى على مجاري الصرف الصحي. تعد منطقة الوليدية أحد أبرز المنتجعات السياحية الشاطئية الوطنية نظرا لما توفره الطبيعة من ثروات بيئية هائلة أسيء استعمالها واستغلالها خاصة في العقد التسعيني من القرن الماضي. وحسب الدراسات التاريخية لأبي القاسم الزياني والعبدي الكانوني، فقد وردت قصبة الوليدية في كتاباتهم ووصفت على أنها تقع على شاطئ البحر على مقربة من أيير، وهي «مربعة الشكل على أطراف سورها المتلاشي أبراج، وأن الوليد بن زيدان السعدي هو الذي بناها بساحل دكالة على البحر ومرساها من أحسن المراسي». عمق التاريخ وكان مرسى الوليدية مفتوحا في أيام الدولة السعدية، ويضيف المؤرخ الكانوني أنها «نسبت إلى الوليد لكونه بناها على الصفة الموجودة، وإلا فهي أقدم من ذلك. وقد شملها احتلال البرتغال، ولما انجلى عنها خربت فبناها الوليد، ويؤيد ذلك وجود أثر سور قديم بإحدى جهات القصبة من الخارج يسكنها قوم من دكالة، من بينهم عائلة سملالية من سوس الأقصى، وكان الذي يتولى إدارة أحكامها من مراكش». لقد تأسست الوليدية سياحيا على يد الأجانب، خاصة الفرنسيين، خلال فترة الحماية، واستمر مجدها مع المغاربة مع بداية العقد الستيني حتى اليوم، هؤلاء المغاربة من أبناء آسفيومراكش والبيضاء يذكرون جيدا الوليدية المنتجع والطبيعة والهواء والماء والخضرة، يذكرون كيف كانت قبلة الملك محمد الخامس، حيث قصره الفسيح والجميل بهندسته وموقعه المطل على البحر والخارج من غابة الأوكاليبتوس، تماما كما كانت ركنا بحريا صامتا للمصمم العالمي إيڤ سان لوران الذي كان يقصدها خلال فترات فصل الشتاء والخريف. لقد كانت الوليدية دائما قبلة لمشاهير العالم حتى اليوم، في شخص المصمم العالمي للأزياء الذي رحل قبل أسبوع إيف سان لوران، والممثلة العالمية بريجيت باردو، بجانب عدد كبير من مشاهير السينما وعالم المال والأعمال وكبار ضباط الجيش ورجال السلطة الذين اختاروا الاستقرار بها، بنفس الرغبة التي كانت دائما تسكن أجيالا من بسطاء المدن المجاورة الذين يتخذونها في فصل الصيف قبلة للاصطياف وممارسة الرياضة والصيد من خيرات بحرها. من حال إلى حال الوليدية اليوم ليست كالبارحة، فقد أضحت تثير هروب العديد من زوارها الأوفياء، بسبب حالة الفوضى التي أتت على كل المعالم الطبيعية، فيما ساهمت التجارب الفاشلة في العمل الجماعي في جعلها تتراجع أمام ضغط النمو الديمغرافي وأيضا السياحي الذي سرع ظهور السكن العشوائي ولوبيات العقار، وكان من نتائج ذلك اندثار المجال الغابوي، سواء من أجل التوسع العمراني أو من جانب تهريب خشب الأوكاليبتوس. واستنادا إلى إفادات السكان، فإن غياب الإجراءات الوقائية الأمنية ساعد كثيرا على تزايد عمليات السطو على المنازل وعمليات السرقة، كما أن تهديد المجال الطبيعي والبحري عن طريق مقالع الرمال، سواء المرخص لها أو العشوائية، ساهمت في اقتلاع غابات بأكملها تمتد على عدة هكتارات من أجل الوصول إلى مقلع الرمال. وقد خلفت هذه العملية استياء عميقا لدى المصطافين من السكان، حيث إنه جراء التعمق في الحفر طفح إلى السطح ماء البحر ومياه المجاري، وهي القضية التي ستخلف هذا الصيف كارثة محلية بفعل تكاثر الحشرات مع موجة الحرارة التي تعرفها الوليدية، فيما سوء التسيير الجماعي جعلها عرضة لاستنزاف خيراتها الطبيعية، وجعل تقسيمها العمراني لا يتلاءم مع وضعها الجغرافي الطبيعي. واستنادا إلى معطيات جد دقيقة، فإن تعليمات صادرة عن القصر الملكي تفيد بقرب الشروع في ترميم وتجهيز قصر الملك الراحل محمد الخامس ببحيرة الوليدية الواقعة على الشريط الساحلي الرابط بين مدينتي آسفي والجديدة. وحسب ذات المعطيات، فإن الإقامة الصيفية السابقة لمحمد الخامس تشهد هذه السنة تغطية أمنية استثنائية لم يعرفها المكان منذ أزيد من 50 سنة، وهي المدة التي بقي فيها القصر مهجورا باستثناء حارس مدني كان يحرسه بين الفينة والأخرى، في حين ظلت العديد من مرافقه من غير حراسة وفي متناول زيارات الزوار. الإقامة الملكية هذا، وقد تأكد ل«المساء» أن القصر الملكي لمحم الخامس يخضع فعلا لتغطية أمنية لعناصر من الدرك الملكي والأمن الوطني، في حين تم تشييد سياج حديدي عازل على طول محيط القصر لعزل الزوار والمارة من الاقتراب منه ومنعهم من الدخول إلى مرافقه. ووفق ما أكدته مصادر من عين المكان، فإن تعليمات وُصفت بالعليا كانت قد صدرت للتعامل مع الإقامة الصيفية الملكية بما يليق مع وضعها الاعتباري، باعتبارها حتى الآن قصرا في ملكية العائلة الملكية، في وقت تفيد فيه ذات المصادر بأن التغطية الأمنية المستحدثة والسياج العازل هما ترتيبات قبلية للشروع في ترميم القصر وإعادة تجهيزه. واستنادا إلى مصادر مطابقة لما سبق، فإن الملك محمد السادس يعتزم إعادة الاعتبار إلى قصر جده بإخراجه من وضع الخراب والتهميش الذي ميزه طيلة نصف قرن، في وقت تشير فيه أنباء إلى أن الملك افتتن بموقع الإقامة الملكية المطلة مباشرة على البحيرة، وأنه ينوي بعد ترميمها توظيفها في أجندة زياراته الصيفية الخاصة. يذكر أن الإقامة الملكية بالوليدية بنيت في بداية عهد الملك محمد الخامس في موقع جد متميز وسط غابة أشجار الأوكاليبتوس وعلى قاعدة صخرية ورملية مطلة بشكل مباشر على مياه البحيرة الأطلسية بجانب مراعي الصدفيات، وتمتاز بهندسة عمرانية مفتوحة على الفضاء وغير مغلقة، وتمتد مرافقها على العرض مقابلة لمجرى مياه البحيرة وللصخور الساحلية التي تنتصب كأبواب طبيعية لمرور مياه المحيط، كما تتوفر على 3 مسابح، اثنان بجانب البحر تم ردمهما بالرمال، وواحد مقابل للصالة الملكية مازال في وضع جيد. مشاريع سياحية ومعلوم أن منطقة الوليدية شهدت في السنين الأخيرة العديد من المشاريع العمرانية والسياحية الفاخرة التي تصل تكلفة المبيت لليلة واحدة في أحد الفنادق بها إلى 6 آلاف درهم للفرد، كما تعتبر مستقرا صيفيا للعديد من مشاهير العالم ولبعض الشخصيات السياسية والفنية والتجارية المغربية، ووجهة مفضلة للسياح الأجانب، خاصة في فصل الخريف والشتاء، في حين مازالت المنطقة نقطة سوداء بامتياز في نهب الرمال والبناء العشوائي والمضاربات العقارية والترامي على الملك البحري، حتى إن الصرف الصحي لكل البنايات السكنية والفندقية يتم تصريفه تحت رمال البحيرة، وبجانب القصر الملكي! إن آمال أبنائها وزوارها ممن قابلتهم «المساء» هي أن تشهد المنطقة حضورا قويا وضاغطا للمجتمع المدني، على شاكلة جمعيات للتنمية ووداديات سكنية تساهم بدورها في فرض توجهات السكان نحو التنمية والحفاظ على البيئة، فالوليدية منطقة بحرية بامتياز، مازالت تنتظر هيكلة قطاع الصيد البحري التقليدي ومنع الاحتكار، مع تشجيع المستثمرين الخواص على مستوى الخدمات، وشفافية معالجة طرق كراء المرافق السياحية التابعة للجماعة، وتشجيع ودعم الاستثمار السياحي ومراقبته على مستويات الجودة، واحترام معايير النظافة، إضافة إلى الحاجيات التقليدية البسيطة التي لم تستطع الجماعة القروية توفيرها بشكل لائق، من نظافة وإنارة وطرقات ومجاري تصريف المياه. قد تصبح الوليدية رهانا سياحيا وطنيا بفضل إرادة صادقة تجعل منها قبلة لسياحة داخلية فاعلة ومؤثرة وأخرى أجنبية منظمة... لعلها بكل تأكيد قبلة سياحية مرغوب فيها، ولعل اعتبارها محمية طبيعية بحرية سيساعدها على النهوض، ذلك أملنا وذلك حلم أبنائها.