مجلس النواب يصادق على مشروع قانون الإضراب    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة ...المغرب يشارك في فعاليات حدث رفيع المستوى حول الأسر المنتجة وريادة الأعمال    المخرج شعيب مسعودي يؤطر ورشة إعداد الممثل بالناظور    بركة: أغلب مدن المملكة ستستفيد من المونديال... والطريق السيار القاري الرباط-البيضاء سيفتتح في 2029    أكرم الروماني مدرب مؤقت ل"الماص"    الجيش الملكي يعتمد ملعب مكناس لاستضافة مباريات دوري الأبطال    حصيلة الأمن الوطني لسنة 2024.. تفكيك 947 عصابة إجرامية واعتقال 1561 شخصاً في جرائم مختلفة    شاحن هاتف يصرع طفلا في تاونات    تبون يهدد الجزائريين بالقمع.. سياسة التصعيد في مواجهة الغضب الشعبي    وزير العدل يقدم الخطوط العريضة لما تحقق في موضوع مراجعة قانون الأسرة    الحصيلة السنوية للمديرية العامة للأمن الوطني: أرقام حول المباريات الوظيفية للالتحاق بسلك الشرطة        الاعلان عن الدورة الثانية لمهرجان AZEMM'ART للفنون التشكيلية والموسيقى    أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية .. رأي المجلس العلمي جاء مطابقا لأغلب المسائل 17 المحالة على النظر الشرعي        البيضاء: توقيف أربعيني متورط في ترويج المخدرات    هولندا: إدانة خمسة أشخاص في قضية ضرب مشجعين إسرائيليين في امستردام    آخرها احتياطيات تقدر بمليار طن في عرض البحر قبالة سواحل أكادير .. كثافة التنقيب عن الغاز والنفط بالمغرب مازالت «ضعيفة» والاكتشافات «محدودة نسبيا» لكنها مشجعة    الصناعة التقليدية تجسد بمختلف تعبيراتها تعددية المملكة (أزولاي)    المغرب يستورد 900 ألف طن من القمح الروسي في ظل تراجع صادرات فرنسا    جمهور الرجاء ممنوع من التنقل لبركان    وزارة الدفاع تدمج الفصائل السورية    مراجعة مدونة الأسرة.. المجلس العلمي الأعلى يتحفظ على 3 مقترحات لهذا السبب    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    العلوم الاجتماعية والفن المعاصر في ندوة بمعهد الفنون الجميلة بتطوان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث    تفاصيل الاجتماع الأول لفدرالية الصحافة الرياضية بالمغرب    يوسف النصيري يرفض عرض النصر السعودي    الشبكة الدفاع عن الحق في الصحة تدعو إلى التصدي للإعلانات المضللة        توقيع اتفاقية بين المجلس الأعلى للتربية والتكوين ووزارة الانتقال الرقمي    "أفريقيا" تطلق منصة لحملة المشاريع    إلغاء التعصيب ونسب الولد خارج الزواج.. التوفيق يكشف عن بدائل العلماء في مسائل تخالف الشرع ضمن تعديلات مدونة الأسرة    أول دواء مستخلص من «الكيف» سيسوق في النصف الأول من 2025    مجلس الحكومة يتدارس أربعة مشاريع مراسيم    الملك يشيد بالعلاقات الأخوية مع ليبيا    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    نظرية جديدة تفسر آلية تخزين الذكريات في أدمغة البشر    الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة    عودة نحو 25 ألف سوري إلى بلدهم منذ سقوط نظام الأسد    مستشار الأمن القومي بجمهورية العراق يجدد موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمغرب    العصبة تكشف عن مواعيد مباريات الجولة ال17 من البطولة الاحترافية    "فيفبرو" يعارض تعديلات "فيفا" المؤقتة في لوائح الانتقالات            برقية تعزية من الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الخلفي    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي عمار... أو عندما يتحول «سوء الفهم» إلى مهنة
نشر في المساء يوم 21 - 06 - 2010

بعد كتابه «سوء الفهم الكبير» وقضيته الرائجة أمام المحكمة بتهمة سرقة شريكته الفرنسية، صوفي غولدرين، وملف الشقة التي استعارها من مولاي الزين الزاهيدي.،
الهارب من العدالة، ب20 سنة سجنا.. يكون الصحافي علي عمار قد «أنهى» مشواره في مهنة الصحافة على إيقاع حزين حتى وإن قال، في حواره الأخير مع أسبوعية «الحياة الجديدة»، «إنه يفكر في العودة إلى المهنة عبر بوابة الأنترنيت». نعم، إنها نهاية حزينة بعد أكثر من 13 سنة ظل، خلالها، علي عمار يردد لازمة في كل مقالاته ب»لوجورنال» الموقوفة: «إننا نريد المساهمة في تغيير العقليات المتصلبة التي تكمن في البنية العتيقة لمؤسسات الدولة».
عندما نزل كتاب «محمد السادس.. سوء الفهم الكبير» لمؤلفه الصحافي علي عمار، في أبريل من سنة 2009، إلى الأسواق في فرنسا وتسربت مضامينه إلى الصحافة المغربية، كان أول من رد بحدة غير مسبوقة على صاحب الكتاب هو الأمير مولاي هشام، بل إن علي عمار لمح ضمنيا إلى أن هذا الكتاب ما كان ليرى النور لولا وجود الأمير مولاي هشام. ولأن الأمر كذلك، فقد خصه علي عمار بعبارات من الشكر في كتابه الذي تضمن أسرارا ومعلومات في غاية الحساسية وضعت «الأمير الأحمر»، بتعبير الصحافيين المقربين، في حرج كبير اضطر معه إلى الرد في رسالة غاضبة وصف فيها الكتاب ب« السطحي والتافه وذي المضمون الخاوي والتحليلات النفسية المنحطة»، قبل أن يضيف «إنه لم يكن يوما واحدا من مصادر علي عمار والدليل أنه لم يره منذ سنتين».
وعوض أن تضع رسالة مولاي هشام حدا لهذا الجدل الذي اندلع بينه وبين صاحب الكتاب، فقد رفعت من درجة حرارته، خاصة عندما كشف علي عمار عن معطيات أخرى في رده على رسالة الأمير. وهو الرد الذي قال فيه «إنه ظل على اتصال دائم بالأمير مولاي هشام وليس صحيحا أن آخر لقاء كان بينهما يعود إلى سنتين، وإنما يعود إلى 3 أسابيع فقط قبل صدور الكتاب». بل إن علي عمار وضع مولاي هشام في حرج آخر عندما كشف عما دار بينهما في هذا الاتصال، وقال في هذا السياق «لقد اتصل بي الأمير مولاي هشام وقال لي إني علمت أنك شكرتني في كتابك، فبارك الله فيك، ثم عرضت عليه مقتطفات من الفصل المخصص له حول ما دار بينه وبين الملك محمد السادس بعد تشييع جنازة الحسن الثاني فرد علي بالحرف: «داك الشي كلتو لبزاف ديال الناس، ماشي غير أنت، وأنا كنتحمل المسؤولية».
ومن المقتطفات المقصودة هنا هي تلك التي قال فيها علي عمار «إن الأمير مولاي هشام حينما كان يوقع على عقد البيعة لمحمد السادس في 23 يوليوز 1999، امتنع عن تقبيل يده وهمس في أذنه قائلا: «إن الاختبار صعب، فعليك بالصبر». وفي مساء اليوم نفسه، ينتقد مولاي هشام، حسب علي عمار، الملك محمد السادس علنا لأنه سمح لكبار ضباط الجيش بالدخول إلى قاعة العرش، رغم أنهم جاؤوا لتقديم الولاء لقائدهم الأعلى الجديد، وبرر الأمير ذلك بأنهم «لم يطؤوه بأحذيتهم العسكرية منذ انقلاب الصخيرات».
شقة صوفي
وإذا كان علي عمار قد لفت إليه الأنظار بهذا الكتاب الذي اختار أن يهاجم فيه كل الأشياء التي تتحرك أمامه على الأرض، فإنه لم يكن يتوقع أن يجد نفسه، مؤخرا، في ورطة حقيقية عندما اتهم باقتحام شقة شريكته الفرنسية، صوفي غولدرين، وسرقة أجهزة معلوماتية في ملكيتها، بينها حاسوب في ملكية «ترميديا»، الشركة الناشرة لمجلة «لوجورنال»، رغم وجود قرار قضائي قضى في وقت سابق بحجز جميع ممتلكاتها، وهو ما يعني، في نظر البعض، أن علي عمار حصل على هذا الحاسوب في ظروف غامضة.
وعقب حادث اقتحام الشقة، لم تتردد المنظمة الحقوقية «هيومن رايت وتش»، الكائن مقرها بنيويورك» في تعميم بلاغ، يوم الثامن من يونيو الجاري، دعت فيه السلطات المغربية إلى وقف ما أسمته ب»التحرشات ذات الدوافع السياسية ضد الصحافيين الجريئين علي عمار وزينب الغزوي»، بل إن سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بهذه المنظمة الأمريكية جعلت، من قضية تتعلق ب«حق عام» بين شريكين، قضية سياسية بامتياز، وقالت في تعليقها على تهمة السرقة الموجهة إلى علي عمار بالتواطؤ مع زينب الغزوي «إن الشرطة المغربية استغلت خلافا تجاريا، لمضايقة وإذلال اثنين من الصحافيين الجريئين»، قبل أن تضيف «إن سوء تصرف الشرطة يقدم كل أسباب التوجس من نوعية العدالة التي تنتظر علي عمار».
وأحدث الدخول المتسرع للمنظمة الحقوقية الأمريكية على الخط في البداية بعض اللبس في هذه القضية، واعتقد كثير من المراقبين والمهتمين أن قرار «اعتقال» صحفيين، مثل علي عمار وزينب الغزوي، سيسيء إلى صورة البلاد في الخارج، خاصة أن مثل هذه الوقائع تبقى فرصة ذهبية لبعض الهيئات الحقوقية والأقلام المتخصصة في مهاجمة المغرب وإعطائه الدروس حول احترام حقوق الإنسان، علما أن هذه الوقائع تحدث حتى في الدول التي قطعت أشواطا عريقة في الديمقراطية.
كثيرون عابوا على المنظمة الحقوقية الأمريكية التبني المطلق للرواية التي قدمها علي عمار وزينب الغزوي في هذه الواقعة، رغم وجود رواية أخرى صاحبتها هي صوفي غولديرن التي تقول «إنها ضحية علي عمار ولهذا لجأت إلى القضاء من أجل إنصافها».
فما هي حقيقة هذه القضية التي حظيت باهتمام بالغ من عدة منظمات حقوقية في الداخل والخارج؟
إن الحقيقة لم تعد سرا اليوم، ذلك أن وقائع هذه القضية اندلعت بعد العودة المفاجئة لعلي عمار من فرنسا إلى المغرب ليجد شريكته «صوفي غولدرين» وقعت اتفاقا مع عبد الهادي العلمي، الملياردير والمنعش السياحي المعروف، يقضي بأن تصمم له «ماكيطا» خاصا بجريدته المرتقبة (الخبر) بقيمة مالية محددة في 140 ألف درهم. ولأن علي عمار تربطه علاقة قوية مع عبد الخالق الزين مدير نشر مجلة «لوتون»، فقد توسط له هذا الأخير عند عبد الهادي العلمي قصد السماح لعلي عمار بمساعدة «صوفي غولدرين» في إنجاز هذا «الماكيط» مقابل 40 ألف درهم، غير أن الأمور تعثرت في منتصف الطريق ولم يتوصل علي عمار بال40 ألف درهم التي وعده بها الزين، حينها قرر علي عمار أن «ينتقم» لنفسه بطريقته الخاصة من شريكته الفرنسية التي يتهمها ب«السطو على عقود وصفقات خاصة بشركتهما المشتركة وتفويتها إلى شركة جديدة باسمها»
وجبة عشاء
كانت طريقة علي عمار في «الانتقام» هي أن يشغل شريكته الفرنسية بوجبة عشاء وهمية مع زميلته زينب الغزوي في مطعم من مطاعم الدار البيضاء قبل أن يتسلل هو إلى شقتها ويسطو من داخلها على مبلغ مالي بقيمة 20 ألف درهم ودفتر شيكات وأجهزة معلوماتية.
لكن لماذا حاول علي عمار تسويق قضيته في الداخل والخارج على أنها «تضييق على حريته في التعبير والرأي» رغم أن الأمر يتعلق بقضية «حق عام» شبيهة بتلك القضية التي يتابع فيها الصحافي توفيق بوعشرين، مدير نشر جريدة «أخبار اليوم» بتهمة النصب والاحتيال على صاحب فيلا؟
الجواب عن هذا السؤال يوجد عند المعني بالأمر نفسه، أي علي عمار، الذي كشف في بعض تصريحاته عن وجود مسبق لأجندة تحكمت في تأسيس مجلة «لوجورنال».
وفي هذا السياق يقول علي عمار «إن تأسيس هذه المجلة سنة 1997 رفقة كل من بوبكر الجامعي وحسن المنصوري قبل أن يلتحق بهم فيما بعد فاضل العراقي، كان بدافع مركزي هو الدفع في اتجاه أن تتحول المؤسسة الملكية إلى مؤسسة مسؤولة عن أفعالها مادام الملك لا يريد اقتسام سلطاته الواسعة مع الفاعلين السياسيين بجانبه»، وهذا خيار كان ممكنا، حسب علي عمار، أن يحدث في فترة قصيرة لنضج الشعب المغربي في تلك المرحلة لتقبل أن يحكم بالديمقراطية.
لكن ما نسيه علي عمار أنه لولا الإرادة السياسية التي أبانت عنها المؤسسة الملكية في تلك الحقبة الزمنية ما كانت «لوجورنال» أن تنزل إلى الأسواق. والمؤشرات على وجود هذه الإرادة لم تظهر مع تاريخ تأسيس «لوجورنال»، بل مع بداية سنوات التسعينيات عندما قرر الراحل الحسن الثاني أن يبدي نوعا من التسامح والمرونة في التعامل مع الصحافة بهدف إشراكها في مشروعه لتأهيل البلاد نحو انتقال سياسي هادئ. ويعرف جيدا علي عمار أن الذي تكفل بهذه المهمة، بأوامر ملكية، ليس إلا الراحل إدريس البصري، أقوى وزير داخلية في تاريخ المغرب، بل إن البصري هو الذي أعطى تأشيرة الترخيص لميلاد مجلة «لوجورنال». وبالطبع، ما كان لهذا الترخيص أن يرى النور لولا تعليمات عليا من الدولة سمحت بظهور هذه المطبوعة.
وبعد مدة من الصدور المنتظم لهذه المجلة الأسبوعية، سيضطر بوبكر الجامعي إلى السفر إلى بريطانيا في مهمة للتكوين الدراسي بجامعة «أكسفورد»، حينها سيتولى كل من علي عمار وجمال براوي مسؤولية الإشراف على التحرير في المجلة.
انقلاب صامت
وفي الوقت الذي انقلب فيه مسؤولو «لوجورنال» بهدوء على كل الذين سهلوا لهم مأمورية التأسيس وبيع المجلة في الأكشاك، كان هؤلاء «الأنبياء الجدد» في مهنة الصحافة يروجون أن الراحل الحسن الثاني معجب جدا بهذه التجربة الإعلامية للمجلة، وكان من الطبيعي أن يصدق الناس مثل هذه «التسريبات»، خاصة عندما يرون أشخاصا وازنين مقربين من دوائر القرار، مثل حسن أوريد وفؤاد عالي الهمة، تحولوا إلى «أصدقاء حميميين» لكل من علي عمار وبوبكر الجامعي وجمال براوي.
لكن الراحل الحسن الثاني لم يفهم كيف أن هذه المجلة تقود حملة ضد وزيره في الداخلية إدريس البصري، الذي أشرف شخصيا على ولادتها، فيما علي عمار يبرر موقفه في هذا الهجوم على البصري بالقول إن مجلة «لوجورنال إبنة شرعية لحكومة التناوب ولم تكن للبصري يد في ظهورها إلى الوجود»، والدليل على ذلك، حسب قوله، هو أن المجلة دافعت في وقت سابق عن حكومة عبد الرحمان اليوسفي، قبل أن تعود إلى خطها التحريري الأصلي وتوجه انتقادات لاذعة وعنيفة لهذه «التجربة الديمقراطية».
وواصلت المجلة خرجاتها الإعلامية وفتحت صفحاتها أمام أعداء الحسن الثاني للتهجم على نظامه، بل إنها فتحت صفحاتها أمام المناوئين للوحدة الترابية للمغرب. وكانت البداية في شكل حوار مع مليكة أوفقير، ابنة الجنرال محمد أوفيقر، الذي كان وراء محاولتين انقلابيتين ضد الراحل الحسن الثاني، ثم توالت سلسلة الحوارات مع إبراهيم السرفاتي وزوجته كريستين دور وزعيم البوليساريو محمد عبد العزيز ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، بل إن المجلة ذهبت بعيدا في انتقادها للراحل الحسن الثاني شخصيا وخصصت له مقالات تحدثت فيها عما أسمته ب«حدائقه السرية».
وكان يمكن أن تظل مجلة «لوجورنال» تشتغل في صمت وفق هذه الأجندة، لكن الذي سيكشف بعض الارتباطات الغامضة لمسؤولي هذه المجلة مع أكثر من جهة خارجية هو تلك السفريات المتكررة لكل من علي عمار وبوبكر الجامعي إلى باريس وواشنطن، والمثير في هذه السفريات أنها كانت تختم بلقاءات غامضة مع مسؤولين في قصر الإليزي والخارجية الفرنسية والإدارة الأمريكية.
لكن هذه الفترة الذهبية ل«لوجورنال»، التي درت على مسؤوليها ملايين الدراهم من سوق الإعلانات الإشهارية وعائدات المبيعات، لم تدم طويلا، بل سرعان ما أخذت هذه الوضعية المالية المريحة للمؤسسة الناشرة ل»لوجورنال» تعرف بعض الركود، رغم أن علي عمار ورفاقه لم «يمسسهم أي سوء مالي» حتى مع غرق المجلة فيما بعد في أزمة مالية غير مسبوقة. وعوض أن يعزو مسؤولو «لوجورنال» هذه الأزمة المالية للمؤسسة إلى سوء التدبير، فقد كانوا يربطون الأمر ب»خطهم التحريري المزعج للسلطة»، رغم أن الذي سيتأكد فيما بعد هو أن المجلة لم تكن تؤدي واجباتها عن العاملين فيها إلى الصناديق الاجتماعية حتى في عز وضعيتها المالية المريحة. وهكذا تراكمت على المجلة ديون لفائدة عدة مؤسسات بنكية وضريبية، انتهت بإغلاق المجلة بقرار قضائي بعد أن عجزت عن أداء ديونها.
بعد إغلاق المجلة، وجد علي عمار نفسه «عاطلا عن العمل»، كما وجد نفسه ملاحقا بقرارات قضائية تقضي بالحجز على ممتلكاته أو الدخول إلى السجن، حينها سارع المعني بالأمر إلى مغادرة المغرب في اتجاه إسبانيا بعد أن منحته مصالحها القنصلية بالدار البيضاء، بشكل عاجل، «تأشيرة» لمدة أربعة أيام في ظروف غامضة..
فيزا استثنائية
حصول علي عمار على هذه ال«فيزا الاستثنائية» اعتبره البعض مؤشرا على أن عمار ورفاقه لا يخوضون «معركة التحديث والحريات الفردية» ضد بلادهم منفردين، وإنما يشاركهم في هذه «المعركة المقدسة» حتى بعض السفارات والقنصليات الأجنبية
في المغرب.
وحتى عندما وصل علي عمار إلى التراب الإسباني ظل المعني بالأمر يحظى بتعامل استثنائي، إذ ستمنحه الحكومة الإسبانية أيضا، بشكل استثنائي، أوراق إقامة مؤقتة لمدة 3 أشهر، مبررة ذلك ب»أسباب إنسانية»، حسب قولها.
«هل بإمكان أي مواطن مغربي آخر عدا علي عمار أن يستفيد من امتياز «أوراق إقامة استثنائية لأسباب إنسانية من الإسبان»؟ إنه السؤال الذي تردد كثيرا في الكواليس والصالونات السياسية عقب تسرب هذا الخبر، الذي يبقى بمثابة «فضيحة صادمة» لا تسيء فقط إلى علي عمار ، وإنما تسيء إلى كل الذين يمتهنون مهنة الصحافة، فيما علق البعض على الحدث بالقول «إن الفهم السيئ لمهنة الصحافة هو الذي يقود بعض الصحافيين إلى ارتكاب مثل هذه الزلات». وربما هذا الفهم السيء للمهنة هو الذي قاد أيضا علي عمار إلى استعارة شقة من مولاي الزين الزاهيدي، الهارب من العدالة في قضايا فساد مالي، مباشرة بعد أن أجرى معه حوارا لفائدة المجلة.
وإذا كانت إسبانيا تفهمت «الظروف الإنسانية» لعلي عمار وتعاملت معه بمسطرة تفضيلية شبيهة بمسطرة الامتياز القضائي الخاصة بمحاكمة المسؤولين السامين هنا في المغرب، فإن فرنسا كان لها موقف مغاير في هذه القضية، حيث رفضت باريس دخول علي عمار إلى أراضيها، وهو موقف متوقع من فرنسا التي ليس لها لا أعداء ولا أصدقاء وإنما لها مصالح عليا ترفض التفريط فيها. ومن مصلحة باريس، حسب العديد من المراقبين، أن تحافظ على علاقة جيدة مع الرباط بعد أن انتفت الحاجة إلى علي عمار ورفاقه.
لكن الملاحظ على باريس في قضية علي عمار أنها لعبت لعبة مزدوجة، لأنها هي التي سمحت له، قبل بضعة أشهر فقط، بطبع كتابه الذي تحدث فيه عن الملك محمد السادس بطريقة ابتعدت كل البعد عن واجب الاحترام المطلوب أثناء الحديث عن رئيس الدولة. وهو الكتاب الذي وضع فيه علي عمار العديد من الأسماء الموجودة الآن في مناصب حساسة في دوائر القرار، مثل فؤاد عالي الهمة وأندري أزولاي وحسن أوريد وإدريس جطو في حرج حقيقي عندما اتهمهم ب»كونهم وراء تلك المعلومات التي تضمنها كتابه». بل إن علي عمار لم يسلم منه في هذا الكتاب حتى بعض «المقربين منه»، وفي مقدمتهم الأمير مولاي هشام الذي حاول صاحب «سوء الفهم الكبير» أن يجره إلى حقل مليء بالألغام في فترة كانت فيها العلاقة بين الملك محمد السادس والأمير مولاي هشام تتجه نحو المزيد من المتانة والصلح. ورغم أن هذه العلاقة شأن داخلي بين الملك وابن عمه، فقد دخل علي عمار على الخط فيها عندما أثار في كتابه أسرارا قال «إن الأمير مولاي هشام هو الذي سربها إليه». ولأن مثل هذه الأسرار في غاية الحساسية وتهم الحياة الخاصة للملك، فقد أصبح من الصعب على علي عمار التحكم في تداعياتها فيما بعد.
وانتهت هذه التداعيات بإعلان القطيعة النهائية بين علي عمار ومولاي هشام الذي وجد نفسه محتاجا إلى وقت أطول كي يصلح ما أفسده ابن سلا القادم إلى الصحافة من السجن بعد عفو ملكي من الراحل الحسن الثاني في قضية اختلاس أموال مؤسسة بنكية، رفقة عصام بركاش، الذي ليس إلا المدير المالي للمجلة نفسها.
خسران مبين
بعد صدور كتابه، خسر علي عمار الجميع ووجد نفسه وحيدا. خسر علاقته مع الأمير مولاي هشام ومع تلك الأسماء الوازنة التي ذكرها في كتابه، بل حتى رفاقه، في مركب «لوجونال»، اعتبروا خرجته الإعلامية في هذا الكتاب غير محسوبة ولم يستشر فيها أحدا، وقالوا إنهم لا يتحملون فيها أي ذرة من المسؤولية، كما أن مجلة «تيل كيل»، حافظت على مسافة متحكم فيها مع كتاب علي عمار ولم تتبن مضامينه.
ما الذي كان ينبغي أن يفعله علي عمار بعد الضجة التي خلفها كتابه والتداعيات التي رافقته؟ البعض يقول جوابا عن السؤال «لقد كان عليه أن ينحني ويشتغل في صمت في انتظار أن تمر العاصفة»، لكن رغبة عمار في الاغتناء السريع وعشقه الزائد للمال و»أناه» المتعطشة لشغل واجهة الأحداث، حسب مصادر مقربة منه، هي التي قادته إلى «توريط» نفسه في قضية تجارية مالية كان يمكن أن يتفاداها، وكان مطلوبا منه أن يدبر هذه القضية بالتي هي أحسن، أي اللجوء إلى القضاء، لكنه اختار التي هي أخشن، أي اقتحام شقة شريكته ضدا على القانون. ثم لماذا عاد علي عمار بشكل متسرع إلى الانخراط بقوة في أعمال التجارة في الوقت الذي توجه إليه أصابع الاتهام في الإفلاس المالي لمؤسسة «لوجورنال»؟ البعض يقول إن المعني بالأمر انخرط في هذا المشروع التجاري لعله ينسى تلك «الانزلاقات المهنية» التي تضمنها كتابه، رغم أن عمار أصدر هذا الكتاب تحت إكراه الرغبة في استعادة مجد الضائع بعد مغادرته لمقر «المجلة». وكان يمكن لعلي عمار أن يتفادى هذه الانزلاقات المهنية لو أنه خصص الوقت الكافي لتحرير كتابه الذي أكمل إنجازه في فترة لم تتجاوز 4 أشهر ، وهي فترة قصيرة لم تسمح له بالتدقيق أكثر في المعلومات والشهادات والتواريخ التي ضمنها كتابه.
بعد كتابه «سوء الفهم الكبير» وقضيته الرائجة أمام المحكمة بتهمة سرقة شريكته الفرنسية صوفي غولدرين وملف الشقة التي استعارها من مولاي الزين الزاهيدي، الهارب من العدالة ب20 سنة سجنا... يكون علي عمار قد أنهى مشواره في مهنة الصحافة على إيقاع حزين حتى وإن قال في حوار مع أسبوعية الحياة «إنه يفكر في العودة إلى المهنة عبر بوابة الأنترنيت». نعم، إنها نهاية حزينة بعد أكثر من 13 سنة ظل، خلالها، علي عمار يردد لازمة في كل مقالاته ب«لوجورنال» الموقوفة «إننا نريد المساهمة في تغيير العقليات المتصلبة والبنية العتيقة لمؤسسات الدولة»
علي عمار.. الأمير الأحمر والصحافة ... وسوء الفهم الكبير
خصص علي عمار في كتابه «محمد السادس... سوء الفهم الكبير» فصلا خاصا عن الأمير مولاي هشام استنادا إلى معلومات حصل عليها من الأمير نفسه. وروى عمار أن الأمير وقف وقفة سلطانية أثناء وفاة الراحل الحسن الثاني. «كان واقفا ويداه متشابكتان ساهرا على منصة نعش عمه الحسن الثاني الذي كان يغطيه قماش مخملي مطرز بالذهب» يقول علي
عمار.
أما عن علاقة الأمير مولاي هشام ب«لوجورنال»، فسيكشف في تصريحات صحفية فيما بعد عن رغبة الأمير مولاي هشام في شراء مجلة «لوجونال»، «غير أن هذه الرغبة لم تكن تتجاوز النقاش السياسي، لكن علاقة الأمير مع صحافيين آخرين كانت تتجاوز هذه الأشياء»، حسب قوله، في إشارة إلى تلك الشيكات التي استفاد منها صحافيون تربطهم بالأمير علاقة متينة وغامضة في الآن نفسه.
وقال عمار إنه ورفاقه لم يرفضوا بيع المجلة، بل كانوا متفقين على بيعها له، مشيرا إلى أن «الشركة التي تصدر الأسبوعية كانت تمر من مراحل جد حرجة على المستوى المالي سنة 2004، وقلنا حينذاك إن البيع لمولاي هشام هو الوسيلة الوحيدة التي قد تمكن «لوجورنال» من الاستمرار، وكان ذلك باقتراح من الأمير نفسه».
«تم تقييم الشركة، وقبل ذلك كان لدينا شرط واحد كي تتم عملية البيع للأمير وهو أن تتم العملية بشكل علني، بحيث يتم عقد ندوة صحافية بحضور الأمير مولاي هشام، يتم فيها إخبار الرأي العام بالصفقة وعرض المبلغ الإجمالي للبيع، واتفقنا على المبلغ»، يقول علي عمار دون أن يكشف عن قيمة هذا المبلغ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.