لمَ تعُجّ المقاهي فقط بالرجال؟ لمَ يركضون زحفا نحوها لمشاهدة مباريات كأس العالم؟ لمَ تُعلن حالة الطوارئ منذرة بحرب باردة غداة كل بطولة كروية؟ لمَ تكره النساء الكرة وتغير من هذا الدخيل المزعج الذي يبعد الرجال عن البيوت ويجعلهم يسيطرون على المقاهي ويحتلون جنباتها ويعلنون العصيان والتمرد إلى نهاية البطولة؟ لماذا هذا الموقف السلبي الغامض الذي اتخذته النساء -خصوصا العربيات- من كرة القدم، ومن رياضات أخرى خلقت معها عداوة مجانية لا تفسير لها؟ وأصبحت هاجسَهن الدائم وأزمتَهن الأزلية؟ في الواقع، أجد كرة القدم ممتعة جدا، خصوصا إن كان الفريقان ممن يهدونك الفرجة والمتعة والتقنية العالية والروح الرياضية القيمة، خصوصا إن كانوا يستميتون من أجل قميص الوطن وعلمه وشعاره ولونه ورائحته. وطبعا بطولة ككأس العالم لكرة القدم لا تنظم كل سنة، لذلك فهي فرصة لتغيير روتين البيوت ولبعث شيء من المرح في جنباتها الباردة حتى ولو تم ذلك بصوت مزعج لمزمار «فوفودزيلا» الجنوب إفريقي، وبصرخات الأبناء والأزواج وتمردهم وبعثرتهم للأثاث «الصالون» المجهز دوما لاستقبال ضيوف سنويين قد لا يأتون. لست أدري من وضع هذه القسمة، كرة القدم للرجال والمسلسلات التركية للنسوة، وبرامج التلفزيون الواقعي للشباب، والأطفال تائهون بين اختيارات الكبار، فيما أعتقد أن تلك الساعات القليلة التي يمكن أن تلم الأزواج يمكن أن يستغلوها في متع مشتركة كأن يشاهدوا مباراة في كرة القدم معا، لمَ لا؟ لمَ لا تشاهد النساء مباريات الكرة رفقة أزواجهن عوض طردهن نحو المقاهي، أليست لحظة سعادة ممكنة، أليس الأمر مسليا يكسر الرتابة؟ في بداية الارتباط بين الأزواج يظهر كل طرف اهتماما مبالغا وصوريا بكل ما يخص الآخر، لكن الحقيقة المرة تظهر بعد حين، حينما يعيشان تحت سقف واحد، ويصر كل طرف على الغياب من حياة الآخر، ويبحث كل واحد عن ملاذ لتبدأ الخسارات الموجعة والصدمات، ويعيش كل منهما وحيدا وهما اثنان. الحياة الأسرية والاجتماعية الإنسانية مبنية أساسا على مفهوم الاشتراك والاقتسام والتواطؤ والأخذ والعطاء، مبنية على الأنا والأنت والنّحن، مبنية على أشياء بسيطة لا مرئية تمنح سعادة لا توصف، تزهر الروح وتبعث السكينة والألفة والأمان، وتجعل تلك الأعمال اليومية الرتيبة بطعم آخر ولذة مختلفة. السعادة ممكنة، لأنها متماهية مع تفاصيل الحياة البسيطة، كأس شاي، مباراة كرة، نزهة شاطئية، عبادة ليلية، صوت يشدو، طفل يلعب، نجاح غير متوقع، كلمة طيبة، حضن حنون،.. والسعادة أيضا تُنتزع، تؤخذ غصبا من جبروت الأيام وقسوة القدر، من قهر الزمن، من غدر الأيام، من قسوة القلوب وخيانة الذمم.. تسحب لحظات من وسط هذا الزحام.. هذا الركض اليومي نحو خط النهاية، فالكائن الوحيد الذي يركض نحو حتفه مسرعا هو الإنسان. لابأس إذن لو اقتسمت النسوة متعة كرة القدم مع أزواجهن عن طيب خاطر، عن رغبة في اقتسام فرحة فوز أو حزن عابر لمباريات عابرة هي المتنفس الوحيد لرجال قلما يفرحون أو يضحكون أو يلعبون..لا هوايات لهم غير هذه الكرة الصغيرة التي وحدها لازالت قادرة على إسعادهم بسحرها الخاص الذي سلب العقول عبر العالم. كم أشعر بالأسى لأنه لا علم لنا يرفرف هناك، وكم أشعر بالضجر لأن تلك البطولة كان من الممكن أن تنظم هنا.. أليست آلاتنا الموسيقية أعذب وأشجى وأحلى من الفوفودزيلا؟