إحدى أكبر الرشاوى التي توجد في العالم ويجري التستر عليها بطرق حديثة هي رشوة العلماء من قبل شركات التبغ العملاقة التي تدفعهم إلى إجراء أبحاث علمية ونشرها بأسمائهم أو أسماء مختبراتهم وتكون أرقامها مخالفة للحقيقة المفزعة التي يخلفها التدخين على صحة الإنسان، ومن ذلك وجود «البولونيوم» في التبغ، وهي مادة مشعة تتسبب في سرطان الرئة. وبالرغم من كون هذه الحقيقة العلمية جرى التوصل إليها في سنوات الخمسينيات، فإن عمالقة شركات التبغ ظلت ترشو العلماء لطمسها حتى تفجرت سنة 2008 بعد أن كشفتها يومية «ليبيراسيون» الفرنسية. التدخين استفاد من حملات دعاية كبيرة كان وراءها خبراء في الرموز... سوقوا السجائر في السينما والفن والجنس والحب، وصوروا للناس أن المدخنين نوع خاص من البشر مهم في المجتمع، فقط لأنه يحمل سيجارة ويشعلها بنهم... والمغاربة الذين كانوا يكتفون قبل دخول السجائر بحمل «المطوي» و«السبسي» تحت جلابيبهم اكتشفوا السجائر مع الحماية الفرنسية والحملة العسكرية الأمريكية على الشواطئ المغربية خلال الحرب العالمية الثانية، أما المغربيات فقد دخن لأول مرة قبل أن تصبح السيجارة مشاعة بينهن اليوم في مقر العمل والمقاهي، وكان ذلك في حي «بوسبير» في الدارالبيضاء.. الذي لم يكن سوى أول وأكبر «بورديل» مغربي خلال زمن الحماية الفرنسية. المغاربة لهم علاقة خاصة بالتدخين.. ترى الواحد منا يرخي رجليه في المقاهي، وما إن تقع عيناه على فتاة حتى يسحب سيجارة من العلبة ويشعلها في تباهٍ أمامها.. وهناك من يشعل سيجارة ويوهم نفسه بأنه مفكر أو شاعر يستلهم من تراقص الدخان أمامه لوحات شعرية.. وهناك من يشعل سيجارة تلو الأخرى فقط ب«الفقصة» وقلة ذات اليد.. هؤلاء يدخنون لأن الزمن سبقهم وقام بتدخينهم وحول أحلامهم وآمالهم وشبابهم إلى مجرد دخان تلعب به الريح. تقول الدعاية التي سوقتها شركات التبغ في مخيلة الناس عبر السينما إن أفضل السجائر هي تلك التي تدخنها في الصباح مع القهوة وبعد الأكل وبعد ممارسة الجنس.. أفضل لأنها هي الأكثر ضررا بالنسبة إلى صحة الإنسان، وخاصة خصوبته الجنسية التي تحوله مع توالي الأيام إلى مجرد كائن فاقد لكل قوة ورغبة جنسية.. وهي ذاتها الدعاية التي لاقت ممرا لتسويقها أكثر عبر أفواه المشاهير كالكاتب والرسام العالمي من أصل يوناني فاسيلسي إليكساكيس الذي قال يوما بسخرية غير بريئة: «أتساءل دوما، ما الذي كان الناس يفعلونه بعد ممارسة الجنس قبل اكتشاف السجائر؟».. بالنسبة إلى المغاربة، فقد كانوا يأكلون اللوز والتمر ويشربون الحليب مع «اللويزة». هناك 20 مليار سيجارة يجري تدخينها سنويا في المغرب، مع وجود قانون غير بريء أيضا للتدخين يمنع الإشهار في الجرائد ويرخصه ضمنيا عبر اللباس و«أكسيسوارات» أخرى تهدى بالمجان للزبائن،.. يمنع التدخين في الأماكن العمومية، ومع ذلك لا تتجاوز المخالفة 50 درهما لم يحدد القانون الجهة التي ستستخلصها، وليس هناك من يمنع بيع السجائر للقاصرين والأطفال أمام أبواب المدارس والثانويات. مرة قال أب المواقف المستفزة الممثل والمغني الفرنسي سيرج غينسبورغ: «لو خيرت بين آخر امرأة وآخر سيجارة لاخترت السيجارة.. على الأقل، لأننا نتخلص منها بسهولة».. فرجاء رأفة بالمدخنين، فالسجائر ستتخلص من أعمارهم بسهولة أيضا.