اهتمت إيطاليا، منذ شهور، بجميع التفاصيل والترتيبات لاستقبال مونديال جنوب إفريقيا 2010 ولتمكين أضعف وأفقر مواطن إيطالي من حق متابعة غالبية مقابلات «المونديالي» بالمجان. فقبل أكثر من ستة أشهر، دخلت كل من القناتين الإيطاليتين «سكاي» الرياضية الخاصة و«راي» العمومية في مفاوضات ماراطونية حول حقوق بث مقابلات المونديال الأربع والستين لتتوصلا في الأخير إلى حلول أرضت الجانبين وأرضت، بشكل خاص، المشاهد الإيطالي الذي يتابع بشغف كبير منتخب «لي أدزوري». الحل كان بسيطا جدا، فعوض أن تحتكر قناة «سكاي» المشفرة كل مقابلات كأس العالم لتجبر الإيطاليين على شراء بطاقتها الذكية والانخراط في باقات قنواتها، كما فعلت قنوات «الجزيرة الرياضية» مع العرب، احتفظت فقط بحق بث 39 مقابلة لتترك 25 من أهم المقابلات لقنوات «راي» العمومية التي تنوي بثها بالمجان. لكن هذا التقسيم، الذي اعتبره الإعلام والرأي العام الإيطاليان غير عادل ولا يعكس الفلسفة الحقيقية للمونديال ولا للديمقراطية، جعل بلديات المدن الإيطالية وسياسييها يجدون الحل الأمثل، لتوضع بالساحات شاشات كبيرة من أجل تمكين الجميع من مشاهدة جميع المقابلات، المجانية منها والمشفرة. هكذا، تم وضع شاشة عملاقة بميدان دوومو الشهير بميلانو الذي يمتلئ عن آخره بالميلانيزي (أبناء مدينة ميلانو) وبالأجانب، المهاجرين منهم والسياح، الذين يحدثون حركة غير عادية تعطي الانطباع بأن المونديال منظم بإيطاليا. الأجواء والحركة نفسها كانت تشهدها ساحات وأحياء أخرى بالعاصمة اللومباردية (ميلانو)، مثل قلعة سفورتسيكو وشارع كومو وحديقة سيمبيوني وميدان محطة القطار «ستاتسيوني تشنترالي». المدن الإيطالية الأخرى، وحتى الصغيرة منها، كانت تعرف أجواء المونديال نفسها لتؤثث الميادين والشوارع وترسم أجواء من الفرحة والأمل على وجوه الإيطاليين، أطفالا وشبابا وشيوخا، الذين رفع أغلبهم على شرفات منازلهم علَم «التري كولوري» (العلم الإيطالي). تورينو، التي تعرف تواجدا مهما لأبناء الجالية المغربية، ازدانت شوارعها وشرفات منازلها هي الأخرى بألوان «التري كولوري» لتُنصَب في ميادينها التاريخية، التي صنعتها أيدي الرومان ومعهم غاريبالدي (موحد إيطاليا)، شاشات عملاقة مثل الشاشة التي قرر عمدة المدينة أن يضعها بميدان سان كارلو. أما روما، التي يزورها الملايين من السياح في فترة الصيف، فقد استغلت المونديال لتقيم عرسا بميادينها، خصوصا تلك التي تعرف تجمهرا كبيرا، مثل ميدان سيينا وفيلا بورغيزي وباركوديلي أكويدوتي وقرية نوتشي، وميادين أخرى متعددة. أبناء الجالية العربية، والمغربية بشكل خاص، وأمام أجواء «المونديالي» التي صنعها الإيطاليون، صبوا جام غضبهم على قناة «الجزيرة» وترجموه على شكل تعليقات بهذا الشكل: «احتكار «الجزيرة» للمونديال عربيا أسقط القناع عن هذه القناة»، «يجب على العرب أن يستفيدوا من الإيطاليين والغربيين في كيفية خلق أجواء المونديال ببلدانهم»، «نحن لسنا ضد «الجزيرة» بل ضد الفيفا التي تتاجر بالمونديال»، «أجلت سفري إلى المغرب حتى أعيش أجواء المونديال بإيطاليا، وقد كسرت البطاقة الذكية ل«الجزيرة الرياضية»». أما المغاربة، الذين يقيمون بشكل غير قانوني بإيطاليا، فكانت لهم أهداف أخرى من وراء تتبعهم للمونديال ولمنتخب لي أدزوري، فأغلبهم يتمنون أن تفوز عناصر مارتشيلوليبي مرة أخرى بالمونديال، معتقدين أن ذلك قد يساهم في فتح قانون جديد لتسوية أوضاع المهاجرين السريين.