البيع عقد بمقتضاه ينقل أحد المتعاقدين للآخر ملكية شيء أو حق في مقابل ثمن يلتزم هذا الآخر بدفعه له، ويكون تاما بمجرد تراضي طرفيه، أحدهما بالبيع والآخر بالشراء، وباتفاقهما على المبيع و الثمن. و يتحمل المشتري التزامين أساسيين دفع الثمن، وتسلم الشيء، أما البائع من جهته، فيتحمل التزامين أساسيين، تسليم الشيء المبيع، و الالتزام بضمانه. أما بيع العقارات في طور الإنجاز فهو كل اتفاق يلتزم البائع بمقتضاه بإنجاز عقار داخل أجل محدد كما يلتزم فيه المشتري بأداء الثمن تبعا لتقدم الأشغال وقد أضيف بمقتضى القانون رقم 44.00 المنشور بتاريخ 7 نونبر 2002 يتم بموجبه الظهير الشريف الصادر في غشت 1913 وسرى مفعول هذا القانون بعد سنة من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية. و يتميز عقد البيع بخاصيتين أساسيتين تتمثلان في اتجاه الإرادتين إلى إنشاء التزام بنقل الملكية، مقابل ثمن نقدي، وهناك خصائص أخرى ثانوية لعقد البيع تتمثل في كونه عقدا رضائيا، ملزما للجانبين، عقد معاوضة، و قد يرد على الحقوق الشخصية والعينية أو أي حق مالي. أما الوعد بالبيع فإنه ملزم لجانب واحد، هو الواعد، البائع، الواعد ملتزم، فهو مدين بالتسليم، لذا يخول للموعود له حقا شخصيا، فيبقى هو المالك للشيء الموعود ببيعه وبالتالي له حق التصرف فيه، وليس للموعود له أن يرجع على الواعد إلا بالتعويض، لأن الغير الذي بيع له العقار أصبح له حقا عينيا، أما الموعود له فليس له سوى حق شخصي، والحق العيني أقوى من الشخصي. وبما أن الوعد بالبيع يرتب التزامات شخصية، فإن ذلك تترتب عنه آثار، بالنظر إلى المدة، و بالتالي، فقبل إعلان الموعود له رغبته في الشراء، يبقى الواعد مالكا ويتحمل تبعة الهلاك إذا كانت بقوة قاهرة، و بعد ظهور الرغبة في الشراء خلال المدة المتفق عليها، يلتزم الواعد بإبرام عقد البيع النهائي. إذا أخل الواعد بالتزامه، كان للمتعاقد الآخر أن يقاضيه مطالبا إياه بالتنفيذ العيني (إتمام العقد النهائي)، وهنا يقوم الحكم مقام العقد (حكم حائز لقوة الشيء المقضي به). انقضاء المدة دون إبداء الرغبة في الشراء، يسقط الوعد بالبيع ويتحلل الواعد من التزامه، ونفس الحكم إذا أبدى الموعود له رغبته بعد المدة، وكذا إذا أبدى الموعود له رفضه خلال المدة المتفق عليها يسقط الوعد بالبيع. أما الوعد بالشراء، فالملتزم فيه هو الواعد أي المشتري، الذي من مصلحته أن يحصل على وعد بالتفضيل من البائع (الموعود له). أما الوعد الملزم لجانبين، الوعد بالبيع و الشراء، فيشترط فيه تحديد المسائل الجوهرية كالمدة و الشكليات، وكلا الطرفين واعد وموعود له، ويكفي أن يبدي أحدهما رغبته و إرادته في التعاقد لينعقد العقد، و إذا أخل أحدهما يطبق التنفيذ العيني، وله نفس الآثار مثل الوعد الملزم لجانب واحد، لكن الفرق بينهما هو أن الوعد الملزم لجانبين، هو بيع معلق على شرط موقف، (و ليس واقف). والشرط تعبير عن الإرادة، يعلق على أمر مستقبل، وغير محقق الوقوع، إما وجود الالتزام أو زواله، فماهي إذن شروط العرض و الإيداع؟ و ما قيمة و حجية هذا الإجراء بين يدي الموثق؟. العرض العيني بين يدي الدائن إذا علق التزام على شرط حصول أمر في وقت محدد، اعتبر هذا الشرط متخلفا إذا انقضى الوقت دون أن يقع الأمر، و لا يجوز لأحد أن يباشر الدعوى الناتجة عن الالتزام، إلا إذا أثبت أنه أدى أو عرض أن يؤدي كل ما كان ملتزما به من جانبه حسب الاتفاق أو القانون أو العرف. و مطل الدائن غير كاف لإبراء ذمة المدين، لذلك، إذا كان محل الالتزام مبلغا من النقود، وجب على المدين أن يقوم بعرضه على الدائن عرضا حقيقيا، فإذا رفض الدائن قبضه، كان له أن يبرئ ذمته بإيداعه بصندوق المحكمة، وإذا كان محل الالتزام قدرا من الأشياء التي تستهلك بالاستعمال أو شيئا معينا بذاته، وجب على المدين أن يدعو الدائن إلى تسلمه في المكان المعين في العقد أو الذي تقتضيه طبيعة الالتزام، فإذا رفض الدائن تسلمه، كان للمدين أن يبرئ ذمته بإيداعه بمحكمة مكان التنفيذ. وهذا ما سار عليه العمل القضائي حيث جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بفاس: «حيث إنه كان على المستأنف عليه لكي يبرىء ذمته و ينفذ الإلتزام بعرض و إيداع ما بقي بذمته من الثمن، كان عليه أن يعرضه على الواعد بالبيع عرضا حقيقيا كما رسمت ذلك النصوص القانونية 275 و 279 و 280 من قانون الإلتزامات والعقود». قرار عدد 370/2009، صادر بتاريخ 23/09/2009، في الملف عدد 576/08/8، غير منشور. و الفقه و القانون و القضاء مجتمعون على أن العرض الذي لا يعقبه الإيداع الفعلي للشيء لا يبرئ ذمة المدين، والإيداع لا يحلل المدين من نتائج مطله إلا بالنسبة للمستقبل، أما الآثار التي كانت مترتبة على هذا المطل يوم حصول الإيداع فهي تبقى على عاتقه. و يصبح المدين في حالة مطل بمجرد حلول الأجل المقرر في السند المنشئ للالتزام. و تجدر الإشارة إلى أنه إذا اتفق المتعاقدان على أن العقد يفسخ عند عدم وفاء أحدهما بالتزاماته، وقع الفسخ بقوة القانون، بمجرد عدم الوفاء. حجية العرض و الإيداع بين يدي الموثق هنا تكمن خطورة الوعد بالبيع المعلق على شرط موقف، فمن جهة، عدم احترام مسطرة العرض و الإيداع، قد يضيع الحقوق على أحد أطراف العقد، لكنه من جهة أخرى، قد يكون مبررا لإعمال المسؤولية المدنية للموثق. «ففي غياب شهادة الإيداع أو ما يقوم مقامها من محضر العرض العيني و الإيداع داخل الأجل و الذي تنظمه مقتضيات المادة 171 من قانون المسطرة المدنية، فإن المستأنف لم يثبت فعلا إبراء ذمته داخل الأجل المتفق عليه كأجل فاسخ ملزم لطرفيه». محكمة الاستئناف بالرباط، قرار عدد 154، صادر بتاريخ 13/12/2007، في الملف عدد 75/2007/13، مجلة المعيار عدد 42، ص 217. بل أبعد من ذلك، ذهب قرار لمحكمة الاستئناف بفاس إلى أن العرض العيني بين يدي الموثق غير مقبول أصلا، لكون هذا الأخير ليس طرفا في العقد أو وكيلا، ما لم تنص بنود العقد على ما يخالف ذلك بحيث جاء فيه: «حيث إن وضع السيد .. شيكين بالمبلغ الباقي من الثمن بين يدي الموثق و لو ثم بتاريخ 24/12/2007، فإن ذلك لا يعني أنه عرض تنفيذ الإلتزام و أودع قيمته وفق ما وقع التصحيح عليه في العقد ووفق ما يقتضيه القانون، وذلك لأن العقد لا يتضمن انصراف إرادة الطرفين إلى مكان عرض و إيداع الباقي من الثمن بين يدي الموثق، كما أن هذا الأخير ليس وكيلا و له الصفة في قبض الباقي من الثمن». محكمة الاستئناف بفاس، قرار عدد 370/2009، صادر بتاريخ 23/09/2009، في الملف عدد 576/08/8، غير منشور. لكن في أحسن الأحوال، و ما لم يدل المشتري بشهادة مستوفية للشروط الشكلية المتطلبة قانونا حتى تكون لها حجية أمام القضاء، فإن ذلك ينهض مبررا للقول بعدم سلامة إجراءات العرض العيني و الإيداع: وهذا ما أوضحه و فصل فيه قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط جاء فيه: «مساطر إيداع المبالغ المالية بمكاتب الموثقين تستلزم الإدلاء بشهادة إيداع صادرة من مكتب الموثق لها حجية رسمية ممسوكة بانتظام طبقا لقواعد المحاسبة لمكاتب التوثيق، و تتضمن رقما تسلسليا و هوية الطرف المودع و الطرف المودع لفائدته كاملة و المبلغ المودع بالحروف والأرقام، و طبيعة الأداء نقدا أو شيكا، مع الإشارة إلى المعاملة موضوع الإيداع، وضبط التاريخ باليوم و الشهر و السنة، و مذيلة بتوقيع الموثق، و مخاطب عليها بخاتمه و مطابقة لما هو مضمن بسجلاته و التي ينبغي تضمينها نفس البيانات بصورة منتظمة متتابعة يوما بعد يوم، «الفصل 26 من ظهير 4 ماي 1925 المعدل بظهير 15 يوليوز 1946، و المقتضيات القانونية التي يحيل عليها ظهير 4 ماي 1925 بالفصل 20 منه» وذلك تحت الرقابة المزدوجة لكل من قابض التسجيل و وكيل الملك، تفاديا لكل الأخطاء و الأخطار وضمانة للمتعاقدين عند الخلاف لتحديد مسؤولية كل واحد منهما». محكمة الاستئناف بالرباط، قرار عدد 154، صادر بتاريخ 13/12/2007، في الملف عدد 75/2007/13، مجلة المعيار عدد 42، ص 217. أما الإدلاء بمجرد إشهاد بالحضور فإنه لا يخلي ذمة المشتري و لا يفيد الإيداع الفعلي للمبالغ و هذا ما كرسه نفس القرار المشار إليه أعلاه: «الإشهاد بحضور المشتري، الصادر عن الموثق في اليوم المحدد لإنجاز العقد النهائي للبيع، لا يفيد الإيداع الفعلي لباقي الثمن المتفق عليه». محكمة الاستئناف بالرباط، قرار عدد 154، صادر بتاريخ 13/12/2007، في الملف عدد 75/2007/13، مجلة المعيار عدد 42، ص 217، مرجع سابق.