دومينيك دوفيلبان من فصيلة السياسيين الذين ينجحون دائما في تحويل هزائمهم إلى انتصارات. سعى نيكولا ساركوزي جاهدا، لكن من دون نتيجة، على خلفية فضيحة كليرستريم، إلى «تعليقه من مخطاف جزار»، لكن العدالة برأت ساحته. تعرض لحملة تشويش وتشويه، لكن غالبية الرأي العام الفرنسي ناصرت قضيته. لم يتردد في الاتكاء على الكاريزما والشعبية التي يتمتع بها ل«خبط» ساركوزي وفضح سياسته ومنهج تسييره لدواليب السلطة. على ضوء تنقلاته ولقاءاته في مختلف مناطق فرنسا وخارجها، تكونت لديه قناعة بأن فرنسا بحاجة اليوم إلى سياسة بديلة تصالحها مع تاريخها وقيمها الديمقراطية. هكذا وبلمسات خفيفة وتدريجية، رسم الملامح الكبرى لمشروع سياسي طموح يتجاوز منطق الاستحقاق الرئاسي الضيق رغبة في إعادة تأسيس الممارسة السياسية على بنيات تخليق جديدة مع نفضها من سلوك الانفراد والاتباع الأعمى. وقد أعطى دوفيلبان إشارة الانطلاق الأولى لهذا المشروع خلال الندوة الصحافية التي عقدها في نادي الصحافة بباريس في أواخر مارس الماضي. أمام حشد من الصحافيين، أفرغ الوزير الأول السابق في حكومة جاك شيراك ما في جعبته وقلبه بخصوص النظام الساركوزي الذي صرح بأنه لم يعد يتعرف فيه على نفسه سياسيا، والذي بدل أن ينجز الإصلاحات المعلن عنها، شدد بالمقابل على السياسية الأمنية التي تترجمها سنويا 800.000 حالة احتجاز مؤقت للمواطنين، وكذا على سياسة تفقير الفقراء وإعفاء الأثرياء من الضرائب. واقترح دوفيلبان أن تفرض زيادة في الضرائب بنسبة 20 في المائة على الشركات الكبرى. وكبديل للسياسة الساركوزية، اقترح دوفيلبان العودة إلى الأصول السياسية للجمهورية برموزها الراسخة: الحرية، العدالة الاجتماعية، الديمقراطية، المساواة،... إلخ. ولإنجاز هذا البديل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لم يكتف دوفيلبان باقتراح حلول جزئية ورمزية، بل دعا إلى إنشاء حزب سياسي جديد بإمكانه تجسيد وترجمة هذه القيم. وهكذا سيعلن دوفيلبان رسميا في ال19 من يونيو عن ولادة هذا الحزب، الذي يريده حركة حرة ومستقلة. وكما كان منتظرا، فقد نددت حاشية ساركوزي بهذا التصرف «الذي يخدم اليسار ويفاقم من تشرذم العائلة السياسية لليمين التقليدي». جاء هذا الإعلان أيضا في ظرفية سياسية تعرف فيها الأغلبية الساركوزية فضائح امتلاك سكن غير شرعي أو الاستفادة من مهمات أسندت إلى وزراء سابقين مقابل مبالغ خيالية، وتتميز أيضا باستعدادات الأحزاب السياسية لخوض الانتخابات التمهيدية لتعيين مرشحيها لرئاسية 2012، هذا من دون الحديث عن الأزمة الاقتصادية وتداعياتها على مختلف شرائح المجتمع، وبخاصة منها ذات الدخل المحدود. إن الرغبة التي تنشط دوفيلبان ليست الإسهام في هزيمة ساركوزي في حالة ترشحه مرة ثانية للرئاسية، وإنما أداء دور سياسي، لا فحسب على المستوى الوطني بل أيضا على المستوى الدولي. وتكفي تدخلاته العادلة والإنسانية الأخيرة في النقاشات أو المساجلات التي أعقبت الاعتداء الإسرائيلي على «سفينة الحرية»، للوقوف عند رغبة رجل يطمح إلى أن يكون ديغول فرنسا الثاني.