على امتداد عدد من المحطات الانتخابية التي عرفها المغرب استهلك الكثير من النقاش حول ضرورة الإصلاح السياسي وإعادة النظر في قانون الأحزاب، دون أن تتقدم هذه الأحزاب بتصور متكامل، وهو المطلب الذي أعادت مجموعة من الأحزاب طرحه من جديد، بعد أن تبين أن الواقع والمشهد السياسي الحالي لا يعطي صورة واضحة لما ستسفر عنه استحقاقات 2012 . عدد من المتتبعين يرون أن إصلاح قانون الأحزاب يبقى خطوة عرجاء في حد ذاته ، ما لم تبادر الأحزاب السياسية، من الآن، إلى اعتماد الشفافية والديمقراطية في الجانب التنظيمي والمالي، والتحلي أيضا بالمصداقية في توجهها السياسي، وهو ما تكشف بالملموس في التحالفات التي تلت الانتخابات الجماعية الأخيرة، وكذا في الصراعات الداخلية التي تزيد من تكريس الصورة السلبية للعمل السياسي لدى المواطن العادي في ظل العزوف الذي عرفته الانتخابات الأخيرة. كما أن أي مراجعة لقانون الأحزاب لن تكون كافية لتطهير المشهد السياسي من بعض الشوائب، خاصة ظاهرة الترحال السياسي والصراعات الداخلية، التي تنخر عددا من الأحزاب التي تقف عاجزة عن اتخاذ المبادرة، للقيام بتحالفات منطقية في إطار قطبية أو اندماج يمكن المغرب من المرور من التعددية الحزبية، التي لم تكن لها أي قيمة مضافة، في اتجاه تحقيق تعددية سياسية وإحداث حركية وتنافس حقيقي على مستوى العلاقة مع المواطنين، وعلى مستوى البرامج. الأحزاب السياسية تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في عدم توفر المغرب على قانون أحزاب كفيل بضبط بعض الاختلالات، التي ظهرت أعراضها الجانبية الخطيرة في عدد من المحطات الانتخابية، نتيجة عدم قدرتها على وضع إطار شمولي للإصلاح ، وهو الفراغ الذي تم ملؤه بنصوص نزلت بها الدولة، حسب مزاجها، واختلفت الانتقادات الموجهة إليها بين الأحزاب، حسب النتائج التي حصلت عليها . المادة الخامسة شكلت عنوانا بارزا طبع النقاش حول قانون الأحزاب، بعد عملية الهجرة الجماعية لعدد من المنتخبين الذين فضلوا تغيير معاطفهم السياسية، وهي الظاهرة التي استفاد منها كثيرا حزب الأصالة والمعاصرة، مما دفع عددا من الأحزاب إلى مطالبة وزارة الداخلية بالتدخل لوضع حد للأمر، وتطبيق القانون المتمثل في المادة الخامسة التي تاه مضمونها بين عدد من التأويلات والقراءات الخاصة، ليهدأ هذا النقاش فترة من الزمن قبل أن يعود إلى الواجهة مع اقتراب استحقاقات 2012. احمد الزايدي عن حزب الاتحاد الاشتراكي يرى أن الإصلاح السياسي لا يجب أن يتلخص في قانون الأحزاب، بل يجب أن يطال مجموعة من القوانين، منها ما يتعلق بالمدونة والتقطيع الانتخابي. ويضيف بأن هذا الموضوع لا يجب حصره في ظاهرة الترحال فقط، بل لابد من البحث في نمط الاقتراع، والآليات التي تحول دون استخدام المال لأن «هناك فراغا تشريعيا فيما يتعلق بالجزاءات والعقوبات التي يجب أن تطبق»، إضافة إلى «قضية الناخبين الكبار»، وهو الملف الذي يؤكد الزايدي على ضرورة طرحه بكل شجاعة، حيث يتحول العضو المنتخب في جماعة معينة إلى مرشح للبيع في عدد من المحطات الانتخابية، سواء في الجهة أو الإقليم أو مجلس المستشارين. كما أكد الزايدي على ضرورة تحديد المسؤول عن هذا الوضع، «لنتوقف عن التباكي»، مشيرا إلى أنه في حالة ثبوت المسؤولية المشتركة بين الدولة والأحزاب فيجب الإعلان عن ذلك. وبخصوص المادة الخامسة، أكد أن هذا المشكل يمكن حله ب«سطرين»، وأن الأولوية يجب أن تتمثل في الالتزام بقرار سياسي، والنقاش بهدوء وصراحة دون مزايدات سياسية لأن الأمر يتعلق بمستقبل المغرب. عكس ذلك، يؤكد عبد الله بوانو عن حزب العدالة والتنمية على ضرورة منح الأولوية للمادة الخامسة لأنه لا يعقل- يضيف بوانو- أن يترشح شخص باسم حزب معين، وينتقل إلى حزب آخر لأن في ذلك تأثيرا على الخريطة السياسية والحكامة السياسية، وهو ما يوجب ترتيب جزاءات وعقوبات للحد من هذا السلوك الذي ينطوي على عدم احترام للناخبين. كما كشف بوانو أن حزب العدالة والتنمية سيدفع في اتجاه مناقشة بعض الإجراءات الكفيلة بوضع حد لظاهرة الترحال كإعادة الانتخابات في الدوائر المعنية أو إصدار قرار بالإقالة. وفي سياق متصل، أكد بوانو على ضرورة أن تتوفر الدولة على الإرادة الكافية للدفع بالإصلاح بعد أن سجل تراجع واضح خلال الاستحقاقات الماضية، وهو «تراجع خطير تتحمل الدولة مسؤولية كبيرة فيه». وأوضح أن «جرعة المسؤولية التي تتحملها الأحزاب تبقى قليلة أمام مسؤولية الدولة والحكومة»، معتبرا أن الأحزاب السياسية بدأت تقوم ب«مراجعة نقدية رغم أنها قد لا تكون كافية، إلا أنها تشكل خطوة مهمة لتأهيل المشهد السياسي». كما أشار بوانو إلى أن هناك عددا من القضايا التي ينبغي الاشتغال عليها مثل إحداث هيئة مستقلة لتتبع الانتخابات، واعتماد مراقبين دوليين حقيقيين عوض «متقاعدين يحلون بالمغرب من أجل السياحة» وكذا ضرورة تطوير نمط الاقتراع.