تنشغل النساء وخاصة الفتيات في مقتبل العمر بإيجاد الأجوبة للعديد من المشاكل الصحية التي تواجههن في حياتهن اليومية. البروفيسور خالد فتحي المختص في أمراض النساء والتوليد يجيب عن هذه الأسئلة المحيرة. - عمري 35 سنة، حامل للمرة الثانية، لكنني جد متخوفة وقد سبق أن فقدت جنيني الأول في الشهر السابع بعد أن توقف نبضه، وذلك بسبب ارتفاع ضغط الدم . ما هو ارتفاع ضغط الدم الحملي هذا ؟ وما هي أعراضه ومضاعفاته ؟ وطرق علاجه ؟ وهل من سبيل للوقاية من مخاطره؟ يترتب عن ارتفاع ضغط الدم خلال الحمل مضاعفات كثيرة تنطوي على قدر كبير من الخطورة. وقد تودي بحياة الجنين أو حياة الأم أو حياتهما معا. لذلك يعتبر هذا الحمل حملا مرضيا يستدعي العلاج والمراقبة اللصيقة للحامل للتدخل في الوقت المناسب ومنع استقرار هذه الأخطار. ويشخص هذا الوضع عندما نكتشف لدى هذه المرأة ضغط دم أعلى يربو على 140 ملم زئبق أو عندما يفوق ضغط الدم الأدنى 90 ملم زئبق وذلك لمرتين على التوالي عندما تكون الحامل ممددة على جانبها الأيسر أو في وضعية جلوس. ونميز في هذا الصدد بين كثير من المواقف : ارتفاع ضغط الدم الحملي: وذلك عندما يظهر ارتفاع ضغط الدم بعد 20 أسبوعا من الحمل وإلا فإن الأمر يعد ارتفاع ضغط دم مزمنا . ما قبل الارتجاج: وذلك عندما يترافق ضغط الدم مع وجود كمية مرضية من البروتينات في البول مع إمكانية وجود الانتفاخ في الأطراف والوجه ويدعى ما قبل ارتجاج إضافي عندما يظهر البروتين الحملي لدى حامل تعاني فرط ضغط مزمن. ارتفاع ضغط الدم المزمن: ويكون سابقا على الحمل لكنه قد يظل مجهولا من طرف الحامل، ويجب التخمين في هذه الفرضية كلما كان التشخيص قبل الأسبوع 20 من الحمل. ظهور علامات لارتفاع ضغط الدم: صداع، طنين في الأذنين, ألم صدري, رؤية حشرات طائرة .. الخ . يهم هذا الوضع 5 إلى 10 % من كل حالات الحمل التي تتفاقم بظهور ارتفاع في ضغط الدم ، ومن بين كل هذه الحالات تتطور %10 منها إلى ما قبل ارتجاج ، يظهر كل هذا خلال الفصل الأخير من الحمل لدى امرأة أنجبت مرة واحدة كما تتراجع كل هذه الأعراض بعد الولادة . الأسباب : المعطيات حول أسباب هذا المرض شحيحة ولا تروي غليل الباحث وحتى عندما توجد فإنها تستعصي على تحليل حاسم نظرا لتضارب نتائج الأبحاث. ولكننا نعتبر أن 10 إلى 15 % ممن لم يسبق لهن الإنجاب يرتفع ضغطهن عند الحمل الأول بينما لا تراوح هذه النسبة إلا 3 أو 5 في المائة في صفوف من تعودن على الإنجاب : وتظهر حالة ما قبل الارتجاج لدى 3 إلى 7 % من حوامل المجموعة الأولى و لدى 3 % من نساء المجموعة 2. إننا نظن أن هناك عدة أسباب تؤدي لهذا الوضع، حيث تلعب الوراثة دورا كبيرا في هذا المجال، فغالبا ما نرصد سوابق لارتفاع ضغط الدم خلال الحمل لدى الأم أو الأخت. إذ أن وجود مثل هذه السوابق يضاعف خطر الإصابة 3 أو 5 مرات، وهناك أيضا أسباب مناعية فالإنجاب لأول مرة، وقصر مدة التأقلم مع مني الزوج قد يؤدي لارتفاع ضغط الدم لدى بعض النساء مما يعد دليلا على أن هذا المرض قد يكون مجرد إخفاق لميكانيزمات المناعة المطلوبة لنجاح أي حمل، حيث يكون هذا الارتفاع علامة على عدم تقبل جسم الحامل للجنين أو للحيوانات المنوية للزوج، وفي الغرب حيث لا رقيب أخلاقيا أو دينيا على تقنيات الإنجاب المدعوم طبيا تكثر حالات ارتفاع ضغط الدم حين يكون الحمل ناجما عن حيوانات منوية متبرع بها لم يحدث أن تعرفت عليها المرأة أو تعودتها وتقبلها جسمها كما في حالة الزواج بجماعه المتكرر بين الزوجين . كذلك نسجل أسبابا أخرى كارتفاع سن الحامل، العيش في مناطق مرتفعة، التوتر النفسي والجسدي والمعاناة من بعض الأمراض، كالسمنة، السكري، بعض الأمراض المناعية وكذا بعض الأمراض المزمنة للكلي . لكن هناك عوامل للإصابة ترتبط بالحمل ذاته، كوجود فاصل زمني كبير بين حملين، فتبدو المرأة كما لو أنها تحمل لأول مرة ، تغيير الشريك الجنسي ، الحمل متعدد الأجنة وكذلك وجود اختلالات وراثية أو صبغية لدى الجنين بالإضافة إلى التعفنات البولية وتسمم الجنين بالماء. في حالة ارتفاع ضغط الدم المزمن، تكون كل السيناريوهات ممكنة، فقد يتحسن وضع المرأة الحامل وتقل حاجتها للدواء لأن الحمل في الحالات العادية يترافق مع انخفاض في ضغط الدم ، فيوازن هذا الانخفاض الارتفاع السابق على الحمل، لكن بعض النساء تستقر أرقامهن فقط فلا يتحسن وضعهن ولا يتفاقم. بينما قد يرتفع ضغط الدم أكثر لدى مجموعة أخرى فتصل لفرط ضغط الدم الخبيث بمضاعفاته المحتملة. في حالة ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالحمل يمكن أن يتفاقم هذا الضغط ويؤدي لمضاعفات لدى الجنين. لكن في حالة ما قبل الارتجاج تظهر مضاعفات لدى الأم يمكنها تهديد حياتها كحدوث ارتجاج وهي حالة خطيرة من فقدان الوعي والغيبوبة، ووقوع اضطرابات في الرؤية التي تصبح مشوشة وقد تفقد إحدى العينين الرؤية، كذلك قد يظهر ورم دموي خلف المشيمة وقد يفقد دم المرأة قدرته على التخثر مما يعتبر وضعا حرجا للغاية يهدد حياة الحامل. وفي حالات قليلة قد تظهر علامات المعاناة على مستوى أعضاء مختلفة من الجسم فتصاب المرأة بالقصور الكلوي الحاد، وبورم دموي في الكبد ، وقد ينزف دماغها أو سحاياها جراء ارتفاع كبير في الضغط كما قد تتضرر شبكية العين لديها بسبب كل هذا. بالنسبة للجنين فإنه لا يكون في مأمن أبدا إذ تتأثر تغذيته كثيرا مما يؤدي إلى تأخر في نموه داخل الرحم أو إلى موته خصوصا عندما يكون هذا التأخر كبيرا جدا أو بسبب وقوع حادث حاد كنزيف لدى الأم . كذلك يتعرض هذا الجنين لخطر الولادة قبل الأوان كلما تدخل الطبيب مبكرا لاستحثاث الوضع حماية لصحته أو لصحة الأم أو لصحتهما مع ما يعنيه كل هذا من مضاعفات وأخطار. وتجدر الإشارة إلى أنه لا علاقة للأرقام بحدة تأخر نمو الجنين الذي يكون وزنه أقل من المعتاد مقارنة مع أقرانه، فالمفارقة أنه قد يؤدي ارتفاع ضغط طفيف إلى سوء نمو شديد لدى الطفل . يهم فرط ضغط الدم كل الأعضاء إذ لا يعدو ارتفاع الأرقام أن يكون مجرد عارض من الأعراض، لذلك فإن العلاج المضاد لارتفاع الضغط يظل قليل التأثير على مجرى المرض، فالعلاج الجذري هو إنهاء الحمل ، لكن هذا التصرف لا يكون مشروعا إلا في الحالات الخطيرة أو عندما يكون الحمل قريبا من إتمام رحلته . يهدف الفحص إلى التمييز بين الحالات الخفيفة والمتوسطة التي تتطلب مراقبة منتظمة دون تطبيب وذلك لحدود الشهر التاسع ثم بحث إمكانية استحثاث الوضع وذلك بمجرد ما يكون الجنين قادرا على العيش بمفرده وبين الحالات الشديدة التي تستدعي مكوث الحامل بالمستشفى واستخراج الطفل في أقرب الآجال عبر عملية قيصرية في الغالب . علامات الخطورة : هناك علامات خطورة يعرفها الأطباء جيدا لفرز هذه المجموعة الثانية، أهمها وجود سوابق جدية لدى الحامل نفسها لارتفاع ضغط الدم، كأن يسبق لها فقد جنين أو أكثر وكذا معاناة المرأة من صداع شديد واضطرابات في الرؤية والسمع تدل على خطورة حالتها، بالإضافة إلى الارتفاع المفاجئ في الوزن وانخفاض كمية البول، وعدم شعورها بحركات الجنين التي تدل على فقدان الحيوية أو توقف الحياة . كذلك يولي الأطباء أهمية قصوى للارتفاع الكبير لأرقام الضغط الذي تجاوز160 ملم ولانخفاض في ارتفاع حجم الرحم، مما يدل على ضعف الجنين وسوء نموه وقلة وزنه وكذلك للانتفاخ المفاجئ في القدمين والوجه ووجود كميات كبيرة للبروتين في البول. يتم إجراء عدد من الفحوصات والاستكشافات لتقييم الوضع، فعند المرأة نحسب البروتين في البول والحامض البولي في الدم، ونقوم بتعداد عدد الصفيحات وعدد الكريات الحمراء، ونقيم اختبارات التخثر فنرى هل لا زالت طبيعية أم شرعت في التأثر بضغط الدم، كما نتحرى من خلال حساب بعض المعادن والأنزيمات عن مدى كفاءة عمل الكلي والكبد، ونقوم أيضا بفحص العينين. أما بالنسبة للجنين فنخضعه لفحص بالصدى فنقيس محيط الرأس ومحيط البطن وكمية السائل الذي يحفه لرصد تأخر النمو، كما نجري فحصا بالدوبلير لأوعية الجنين داخل بطنه أو دماغه لمساعدتنا على اتخاذ بعض قرارات العلاج. كذلك نقوم بإجراء تسجيل لدقات قلبه ونبضه للتيقن من سلامته وبعده عن الأخطار. العلاج: العلاج هو خروج الجنين من رحم أمه، فالعلاج الطبي ذو مفعول محدود. لذلك فإن الطبيب يحاول بهذا العلاج عبر العقاقير تأخير استخلاص الطفل ما أمكن ليتيح له فرصة النمو، لكن إذا تبين له أن متابعة الحمل تهدد حياة الحامل، أو أن الجنين لم يعد يستفيد من بقائه في الرحم شيئا أو أنه مهدد بالموت، آنذاك يتحتم عليه التدخل في الوقت المناسب لاستحثاث الوضع ، ولأن أوان الوضع لم يأزف بعد ، يضطر هذا الطبيب في الغالب للقيصرية. لأن الرحم غير مستعد للولادة الطبيعية ولأن ضعف الجنين يجعله أحيانا لا يطيق تقلصات هذا الرحم. العلاج يتم إذن من خلال الخلود إلى الراحة، وتناول مضادات فرط ضغط الدم وكذا المراقبة المنتظمة، والولادة تحت إشراف الطبيب. تستمر مراقبة المرأة خلال مدة النفاس، فأحيانا تتأخر أرقام الضغط في استعادة توازنها، كذلك ينبغي إيقاف الأدوية تدريجيا. وعند خروج المرأة من المستشفى توصف لها حبوب منع حمل لا تتضمن هرمون الاستروجين . وبعد ثلاثة أشهر يتم إجراء بيان للبحث عن مرض متخف يهم الكلي أو يهم جهاز المناعة عند المرأة. يظل خطر الإصابة قائما في الحمل المقبل لذلك ينبغي للمرأة الإقلاع عن التدخين والكحول ومراقبة حملها بشكل مكثف منذ الشهر الخامس. هذا وقد توافق الأطباء على ضرورة تناول الحامل لجرعات منخفضة للأسبرين 100 ملج بشكل يومي ابتداء من نهاية الفصل الأول للحمل إلى الأسبوع 35 منه للوقاية من المضاعفات وخصوصا عندما تكون سوابقها ثقيلة . البروفيسور خالد فتحي [email protected]